مسلسل ” أرطغرل ” … وتزييف التاريخ
السينما والدراما التليفزيونية إحدى أهم أدوات القوى الناعمة التى تؤثر على الرأى العام بل وبمقدورها توجيه الشعوب فى الاتجاه الذى تريد .
والمسلسل التركى ” قيامة أرطغرل ” المترجم والمدبلج للغة العربية يأتى ضمن مخطط ممنهج هدفه :
– تزييف الوعى العربى والإسلامى بشكل عام .
– إضفاء بطولات زائفة ومزعومة للدولة العثمانية .. خدمة لمشروع جماعات الإسلام السياسى التى تعمل على إحياء مشروع ” العثمانية الجديدة “.
والمسلسل بأجزائه الخمس ” ١٥٠ حلقة ” وتكلفته الضخمة ” تكلفة الحلقة الواحدة مليون و١٠٠ ألف ليرة تركية ” تم بدعم مباشر من الحزب الحاكم بتركيا , حتى أن الرئيس التركى رجب الطيب أردوغان كان يتابع تصويره شخصيا .
والقارئ المبتدئ فى كتب التاريخ يعرف ما فعلته ” الدولة العثمانية ” فى حق الدول العربية ؛ حيث تعاملت مع دولنا العربية كدولة ” غازية ” !!
لم تهتم بعمران أو حضارة بالبلدان العربية .. بل على النقيض قامت بنهب الثروات والكفاءات ونقلها إلى إسطنبول .
هذا هو الثابت فى كتب التاريخ بخصوص آثار الغزو العثمانى للدول العربية .
ولكن دعاة الإسلام السياسى يحلمون ويخططون لعودة الخليفة العثمانى وحكم الدول العربية من إسطنبول من جديد .
ومن أجل تحقيق هذا الحلم يجب تبيض سمعة ” الخلافة العثمانية ” وطمس ” جرائمها وويلاتها ضد الدول العربية ” وتقديمها للجيل الجديد فى صورة ” المدينة الفاضلة والفردوس المفقود ” مهما خالف ذلك وقائع التاريخ .
من أجل ذلك كان إنتاج مسلسل ” قيامة أرطغرل ” وحشوه بالأكاذيب والأباطيل لتزييف الوعى العربى والإدعاء بأن جميع الآباء المؤسسين للخلافة العثمانية كانوا دعاة ” حق وعدل وحماة للإسلام ” على غير الحقيقة .
فأرطغرل رئيس قبيلة ” قايى ” هو ابن سليمان شاه ووالد عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية , ولذلك فإن هدف المسلسل هو إبراز أرطغرل فى صورة الزعيم الإسلامى النقى الذى يجاهد لنصرة الإسلام وقيمه .
وللوصول لهذا الهدف تم إنتاج هذا المسلسل بتكلفته الباهظة وتم شحنه بالأباطيل التاريخية ؛ ولا غرو فى ذلك فالغاية تبرر الوسيلة عند دعاة هذا التيار.
وهذه عينة بسيطة من الأخطاء التاريخية التى وردت بالمسلسل:
1-قبيلة ” قايى ” التى يعرضها المسلسل على أنها حامية حمى الإسلام والمسلمين ، لم يكن لها شأن يذكر ولم يرد ذكرها بأى مرجع تاريخى معترف به بخلاف ما يسوق له المسلسل , علاوة على أنها لم تدخل الإسلام ” برأى بعض المؤرخين ” إلا بعد وصولها لآسيا الصغرى ” الأناضول ” فرارا من المغول .
2-أدعى المسلسل أن قبيلة ” قايى ” هى التى صدت هجمات الحروب الصليبية والثابت تاريخيا أن هذه القبيلة لم تشارك فى الحروب الصليبية بشهادة كتب التاريخ المعتبرة ” الكامل فى التاريخ ” لإبن الأثير و” أخبار بنى أيوب ” لابن واصل
حيث إن الذى صد هجمات الحروب الصليبية هم الأيوبيين والمماليك بمصر والشام الذى قام المسلسل بإغفال دورهما عامدا متعمدا .
3-أدعى المسلسل أن ” أرطغرل ” هزم المغول وهذا خلاف الحقيقة حيث انتصر المغول بقيادة هولاكو على قبائل الأتراك , ولم ينقذ العالم من همجية المغول إلا المماليك بمصر والشام بقيادة سيف الدين قطز .
4- أساء المسلسل للملك العزيز بن صلاح الدين الأيوبى وتم تقديمه فى صورة مشينة ” بأنه ألعوبة بيد فرسان المعبد ” وذلك على خلاف الحقيقة الثابتة بكتب التاريخ وكلنا يعرف أن الهدف من هذا هو محاربة ” الأكراد ” بتركيا الآن والذى يعتبرهم أردوغان ألد أعدائه وصلاح الدين الأيوبى كما هو معروف ” كردى ” .
5- أساء المسلسل لقاضى حلب ” بهاء الدين بن شداد ” وقدمه فى صورة المرتشى الذى يرتكب الموبقات وهذا للتقليل من العرب وبالمخالفة للثابت فى كتب التاريخ المعتبرة لكبار المؤرخين والتى تشيد به أمثال : ” ابن الحاجب , المنذرى , ابن كثير , ابن خلكان ” .
حيث يصف الإمام تاج الدين السبكى القاضى ابن شداد بأنه :
” كان إماما فاضلا ثقة , عارفا بالدين والدنيا , متعبدا متزهدا , نافذ الكلمة , وكان يشبه القاضى أبى يوسف صاحب أبى حنيفة فى زمانه .. واجتمعت الألسن على مدحه , والقلوب على حبه ؛ لمكارمه وأفضاله ونفعه الطلبة فى العلم والدنيا ” .
والمعروف أن القاضى بهاء الدين بن شداد كان عالما فقهيا من مؤلفاته :
” فضائل الجهاد , ملجأ القضاة من غموض الأحكام , البراهين على الأحكام , النوادر السلطانية والمحاسن البوسفية ” .
6- الإدعاء بأن أرطغرل حارب وهزم ” فرسان المعبد ” وهذا لم يحدث تاريخيا حيث ظهر أرطغرل فى القرن الثالث عشر فى حين ظهر فرسان المعبد فى القرنين الحادى عشر والثانى عشر .
فكيف ينتصر عليهم .. أم أنها البطولات زائفة وكفى ؟!
7- الإدعاء أن الشيخ الأكبر ” محيى الدين بن عربى ” عاصر ورافق أرطغرل حتى ولادة عثمان الأول , وأنه كان المعلم والواعظ لأرطغرل وأنه تنبأ ببطولاته هو وأحفاده فى خدمة للإسلام !!
وهذا كذب فإن ” ابن عربى ” توفى فى ٦٣٨هجرية ، أى قبل ولادة عثمان الأول ب حوالى ٢٠عاما ، بل عاش أخريات حياته ( ١٥ عاما ) بدمشق ودفن بها .
ولم يثبت أى مرجع تاريخى معتبر أى علاقة أو لقاء بين الشيخ الأكبر وبين أرطغرل
ولكنه الكذب المتعمد بإدعاء علاقة أرطغرل بشخصية تاريخية متفردة مثل : الشيخ الأكبر” ابن عربى ” .
8- أدعى المسلسل أن الفيلسوف ” ابن سينا ” تركى رغم أنه فارسى ولد ببخارى التى كانت تقع ببلاد فارس وكان يتكلم الفارسية .
هذه بعض الأباطيل التاريخية التى بنى المسلسل عليها لتمجيد وتسويق العثمانية الجديدة
وبعد ؛
إن هذا المسلسل الملئ يهدف فى المحصلة النهائية إلى :
الإدعاء أن العرب والأكراد خونة ومرتشين .
إثارة النعرات الطائفية فى البلاد العربية ضد مواطنيهم غير المسلمين .
الإدعاء أن العثمانيين كانوا حماة الإسلام ودعاة الحق والعدل
التسويق لأردوغان خليفة عثمانلى جديد يحكم البلدان العربية ويسيطر على خيراتها .