معالجة ندرة المياه بالمغرب.. تحديات وحلول

كتب – عبدالعزيز اغراز

فرضت التغيرات المناخية نفسها كتهديد عالمي ينبغي مواجهته نظرا لتداعياتها الخطيرة وخصوصا على المياه التي تعد عصب الحياة، ووفقا للصندوق العالمي للحياة البرية، فإن 3 بالمئة فقط من مياه العالم عذبة، وثلثاها مجمدة أو غير متاحة للاستخدام بأي شكل آخر، ما أدى إلى افتقار وصول 1.1 مليار شخص عالميا إلى المياه، بينما يجد 2.7 مليار شخص في المياه ندرة لمدة شهر واحد على الأقل من العام.

ولم يسلم المغرب من الآثار السلبية للتغيرات المناخية على الموارد المائية، وتعتبر ندرة المياه لديه مصدر قلق حقيقي وتحديا كبيرا، بسبب قلة التساقطات المطرية وتراجع حقينة السدود الى نسب متدنية جدا، مما أدى الى صعوبات في تزود بعض المواطنين بالماء الصالح للشرب، إضافة الى أثره السلبي على القطاع الفلاحي.

تدخل ملكي

وفي هذا السياق دق جلالة الملك محمد السادس نصره الله، ناقوس الخطر، ووضع تشخيصا دقيقا لأزمة الماء، كما أعطى جلالته المداخل الرئيسية لمواجهة ندرة هذه المادة الحيوية، وأعلنت الحكومة عن اتخاذ  عدة تدابير لمواجهة ندرة المياه، وأَوْلى جلالته عناية خاصة لاستباق تداعيات الإجهاد المائي واستشراف فرص الاستثمار المنتج في هذه المادة الحيوية، وأعطى جلالته، يوم 07 يناير 2020، تعليماته بالعمل على تفعيل البرنامج الأولوي الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، بكلفته إجمالية تناهز 115 مليار درهم.

وقد اشتمل هذا البرنامج الوطني على تدابير أساسية، أسفرت عن تزويد العديد من الأقاليم والجهات بمياه الشرب بشكل كاف في السنوات الأخيرة، وإنجاز الربط بين حَوْضَي سبو وأبي رقراق، وتشغيل محطَّتَي تحلية المياه بأكادير وآسفي/الجرف الأصفر.

وشدد جلالة الملك على ضرورة إعطاء عناية خاصة لترشيد استغلال المياه الجوفية، والحفاظ على الفرشات المائية، من خلال التصدي لظاهرة الضخ غير القانوني، والآبار العشوائية، والتأكيد على أن سياسة الماء ليست مجرد سياسة قطاعية، وإنما هي شأن مشترك يهم العديد من القطاعات، وهو ما يقتضي، يضيف جلالته، “التحيين المستمر، للاستراتيجيات القطاعية، على ضوء الضغط على الموارد المائية، وتطورها المستقبلي”.

مبادرات حكومية:

وفي ظل توالي سنوات الجفاف ولمواجهة ندرة المياه قدمت الحكومة، بين يدي جلالة الملك، شهر يناير الماضي، مخطط عمل استعجالي لمواجهة الوضعية الحالية، وضمان توفير المياه الصالحة للشرب، ويشمل المخطط رزمة من الإجراءات على المدى القصير، منها التعبئة المثلى للموارد على مستوى السدود والآبار ومحطات التحلية الموجودة وإقامة تجهيزات استعجالية لنقل الماء والتزويد به، وكذا اتخاذ إجراءات لتقييد استعمال مياه الري وتقليص صبيب التوزيع كلما اقتضت الوضعية ذلك.

ومن هذا المنطلق، اعتمدت الحكومة منهجية لمعالجة أزمة الماء والتخفيف من حدتها، وفق التوجيهات الملكية السامية، الرامية إلى مضاعفة الجُهود ورفع جملة من التحديات التي تحيط بهذا الورش الحيوي، تروم التدبير الجيد للطلب وترشيد الاستعمالات والتسريع بوتيرة البنيات التحتية في هذا القطاع.

وتعمل الحكومة المغربية على الحد من ندرة المياه من خلال وضع تصور واضح لتعزيز الحكامة المائية يتضمن بشكل خاص ضمان توزيع عادل للموارد المائية مجاليا، وتسريع واستكمال وتيرة المخططات الوطنية للماء، إلى جانب مواصلة تنزيل برامج السدود وتحلية مياه البحر ومعالجة مياه الأمطار والمياه العادمة، كما تم إطلاق سلسلة من المشاريع الجديدة، تتمثل في  تطوير عرض السدود، و الربط بين الأنظمة المائية عبر إنجاز الشطر الاستعجالي بين حوض سبو وأبي رقراق.

ولجأت الحكومة الى تحلية مياه البحر؛ إذ شرعت في تنزيل خارطة طريق جديدة ومندمجة لرفع القدرة من المياه المحلاة وطنيا، وإطلاق مشروع محطة تحلية مياه البحر للدار البيضاء الكبرى، فضلا عن إطلاق طلب عروض إنجاز محطة لتحلية مياه البحر بالجهة الشرقية، فضلا عن مواصلة الأشغال بمحطتي تحلية مياه البحر بكل من آسفي والجديدة، وفي نفس الاطار تم تعزيز تزويد ساكنة العالم القروي بالماء الشروب؛ عبر برنامج للشراكة والتمويل لفترة 2022-2024، وإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة.

القطاع الفلاحي:

ولمواجهة آثار الجفاف على القطاع الفلاحي، شرعت الحكومة في اتخاذ جملة من الإجراءات، من خلال تنزيل محاور استراتيجية الجيل الأخضر، واعتمدت التدابير على تعبئة وعصرنة أنظمة الري واقتصاد مياه السقي، وتقديم المساعدة اللازمة للفلاحين ومربي الماشية المعنيين، وتم الارتكاز على الاستثمار في النجاعة المائية واقتصاد مياه السقي، وتشجيع الفلاحة المقاومة للتغيرات المناخية، إلى جانب توسيع الري بالتنقيط والري التكميلي وتطوير وتعزيز التدبير المندمج والفعال للري، ثم تطوير وتعزيز تقنيات الإدارة المستدامة للمياه والتربة وترويج مناهج جديدة للزراعة المحافظة على الموارد.

التزود بالماء الصالح للشرب

يهدف برنامج تقليص الفوارق المجالية والترابية في المناطق القروية، إلى فك العزلة عن سكان المناطق القروية والجبلية وتحسين جودة الحياة، وتعميم حصول الساكنة المحلية على الخدمات الأساسية (خاصة الماء الصالح للشرب)، بالإضافة إلى تهيئة الظروف اللازمة لتعزيز وتنويع الإمكانيات الاقتصادية للمناطق القروية والجبلية.

و مكنت مشاريع الربط بالماء الصالح للشرب، من التقليص على التوالي من المسافة والمدة الزمنية اللازمة للتزود بالماء بنسبة 81٪ و82٪، وتحسين جودة مياه الشرب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق