من الكذب.. مايفرق بين المرء وزوجه
الكذب أفة من الأفات الخطيرة المذمومة والسيئة، ووباء منتشر كوباء الموت الأسود في العصور الوسطي، وطاعون عمواس ببلاد الشام، ووباء كورونا القديم والمستحدث في زمننا الحالي،
وحقيقة الكذب هي الإخبار عن الشيء بخلاف الواقع، وليس الإخبار مقصورًا على القول، بل قد يكون بالفعل، كالإشارة باليد، أو هز الرأس، وقد يكون بالسكوت، والكذاب يقلب الحقائق فيدني البعيد، ويبعد القريب، ويُقبِّح الحسن، ويُحَسِّنُ القبيح،
ومن الناس من يتخذ من الكذب “علكه” في فمه يلوكها في كل وقت وحين، وهو بهذا لايفرق بين ليل أو نهار، أو بين مكان وزمان، دائما ما يخبر بما لم يحدث ويتكلم بما لم يفعله الأخرون، يتلون كالحرباء بعدة ألوان حسب ظروف المكان، له وجوه عديدة كالمنافق، يؤذي الناس ويتصرف وكأنه فاجر،
فكم من كذبة تبعتها كذبات، فرقت بين الزوج وزوجه، والأخ وأخيه، والأب وولده، والفتاه وأمها، تماماً كما يفعل السحرة، وكم من كذبة هضمت حقوقا وحرمت أياماً من أموالهم!
وكم من كذبة ألقت ببرئ خلف قضبان السجن، فلبث فيه أياما عديدة وسنين مديدة،
و ما شهادة الزور من الكذاب ببعيد، والأمثلة على ذلك لا تُعد ولا تُحصى، نسأل الله السلامة والعافية،
والكذب علامة جعلها النبي صل الله عليه وسلم من علامات “النفاق”، فقد ورد في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان)
وكفى الكذاب أن الكذب يهديه إلى الفجور، والفجور يقوده إلى النار والعياذ بالله،
فقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم : (وإياكم والكذبَ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل لَيَكذِبُ حتى يكتبَ عند الله كذاباً)،
والكذاب خرج من الإيمان، أي ليس بمؤمن،
حيث ان الأصل في المؤمن أن يكون صادقاً لا يكذب، أميناً لا يخون، وأن يكون متأسياً في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين الذي لم يتهم قط بالكذب، كما قال الله تعالى: (فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ).
ولقد أخبر الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم عن انتشار الكذب بعد القرون الفاضلة، فقال: «أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ثُمّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمّ الّذِينَ يَلُونَهُمُ ثُمّ يَفْشُو الْكَذِبُ [أي ينتشر] حَتّى يَحْلِفَ الرّجُلُ وَلاَ يُسْتَحْلَفُ، وَيَشْهَدَ الشّاهِدُ وَلاَ يُسْتَشْهَدُ..».
وللكذب آثار سيئة حيث إنه يحول بين المسلم وبين كمال الإيمان، فعن صفوان بن سليم قال: قيل يا رسول الله أيكون المؤمن جبانا؟ قال: نعم، قيل له: أيكون المؤمن بخيلا؟ قال: نعم، قيل له: أيكون المؤمن كذابا؟ قال: لا.
نجد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تحذيرا واضحا ونفيا قاطعا عن الكذب بكل أنواعه وأشكاله، وأن الإيمان والكذب لا يجتمعان في قلب المسلم. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما كان خُلُقٌ أبغضَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب،
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُربّي أصحابه على التزام الصدق، ويحذّرهم من الكذب، ويحثّهم على الابتعاد عنه، قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الصدقَ يهدي إلى البرِّ، وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنةِ، وإنَّ الرجلَ ليصدقُ ويتحرَّى الصدقَ حتى يُكتب عندَ اللهِ صدِّيقًا)
قد نحسب أن الذي يكذب ليضحك الناس بالأمر البسيط ولكنه في حقيقة الآمر ليس كذلك فقد توعّد النبي -صلى الله عليه وسلم- من يكذب ليُضحك الناس بأشد الوعيد، حيث قال: (ويلٌ للَّذي يحدِّثُ فيَكذِبُ ليُضحِكَ بِه القومَ، ويلٌ لَه، ويلٌ لَهُ)،
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كَفَى بالمَرْءِ كَذِبًا أنْ يُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ)،
انظر أيها الكاذب وانظري أيتها الكاذبة إلى العقوبة التي تنتظر أمثالكم من الكاذبين والكاذبات في الآخرة،
فقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- رؤيا في عذاب وعقوبة الكاذب، ورؤيا النبي نوع من أنواع الوحي، فيقول:
(إنَّه أتانِي اللَّيْلَةَ آتِيانِ، وإنَّهُما ابْتَعَثانِي، وإنَّهُما قالا لي انْطَلِقْ، وإنِّي انْطَلَقْتُ معهُما… فأتَيْنا علَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفاهُ، وإذا آخَرُ قائِمٌ عليه بكَلُّوبٍ مِن حَدِيدٍ، وإذا هو يَأْتي أحَدَ شِقَّيْ وجْهِهِ فيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إلى قَفاهُ، ومَنْخِرَهُ إلى قَفاهُ، وعَيْنَهُ إلى قَفاهُ… قالَ: ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إلى الجانِبِ الآخَرِ فَيَفْعَلُ به مِثْلَ ما فَعَلَ بالجانِبِ الأوَّلِ، فَما يَفْرُغُ مِن ذلكَ الجانِبِ حتَّى يَصِحَّ ذلكَ الجانِبُ كما كانَ، ثُمَّ يَعُودُ عليه فَيَفْعَلُ مِثْلَ ما فَعَلَ المَرَّةَ الأُولَى قالَ: قُلتُ: سُبْحانَ اللَّهِ ما هذانِ؟… قالَا لِي: أما إنَّا سَنُخْبِرُكَ… وأَمَّا الرَّجُلُ الذي أتَيْتَ عليه، يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إلى قَفَاهُ، ومَنْخِرُهُ إلى قَفَاهُ، وعَيْنُهُ إلى قَفَاهُ، فإنَّه الرَّجُلُ يَغْدُو مِن بَيْتِهِ، فَيَكْذِبُ الكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ).
كتب أعرابي لابنه وقد سمعه يكذب: (يا بني عجبت مِن الكذَّابِ المُشيدِ بِكَذِبِهِ، وَإِنَّما يدلُّ على عَيْبِهِ، ويَتَعَرَّضُ للعِقَابِ مِن ربِّه، فالآثام لهُ عَادةٌ، والأخبارُ عنه مُتَضادةٌ، إنْ قَالَ حقاً لم يُصَدَّقْ، وإنْ أرادَ خَيراً لم يُوَفَّقْ، فهو الجَانِي على نَفسهِ بِفِعَالِهِ، والدَّالُ على فَضِيحتهِ بِمَقَاله، فَما صَحَّ مِنْ صِدْقِهِ نُسِبَ إلى غَيرِه، ومَا صَحَّ مِنْ كَذِبِ غَيرِه نُسِبَ إِليه)
وقال حكيم : مَنْ اسْتَحْلَى رَضَاعَ الْكَذِبِ عَسُرَ فِطَامُهُ.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لأنْ يَضعنيَ الصدقُ – وقلَّما يفعل – أحبُّ إليَّ من أن يرفعنيَ الكذبُ – وقلَّما يفعل -).
• قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (قد يبلغ الصَّادقُ بِصِدْقِهِ، مَا لَا يَبْلُغُه الكَاذِبُ باحْتِيَالِهِ).
*وقال الشاعر
لا يَكْذِب المرء إلّا مِن مَهَانَتِهِ *** أو عَادَةِ السُّوءِ أو مِن قِلَّة الأَدَبِ
وخير ختام لحديثنا هذا عن الكذب بآيه من الآيات الكثيرة التي وردت في الكذب والكاذبين،
فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴿١٣٧ آل عمران﴾