مولود جديد ينضاف الى المكتبة الأشعرية بالمغرب.. الدكتور رشيد عمّور يُحقق كتاب “التسديد في شرح التمهيد”
صدر مؤخرا عن مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية التابع للرابطة المحمدية للعلماء، مؤلف للدكتور رشيد عمور في جزأين، هو عبارة عن دراسة وتحقيق لكتاب مِنْ أَنْفَسِ وأَقْدَمِ الكُتُبِ في علم أصول الدَّين، هو كتابُ: «التَّسْدِيد في شَرْح التَّمْهيد» للعالم المغربي الإمامُ المتكلم أبو القاسِمِ عبد الجليل بن أَبي بكر الرَّبَعِي القَرَوِي الدِّيباجي الفاسي المالكي الأشعري، وهُو كتابٌ يَشْرَحُ فيه المصنف كتابَ: «تمهيد الأوائل وتلخـيص الدلائل» للإمامِ القاضي أبي بكر الباقلاَّنِي، الذي يُعَدُّ مِنْ أهَمِّ وأبْرَزِ مصادِر العقيدة.
ووفق الأكاديمي عمور يُعتبر هذا الكتاب الذي قدم له الدكتور أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، شرحا فَرِيدا مِن نوعه، لكونه الكتاب الوحيد الذي اهتم بشرح كتابِ «التَّمْهِيد»؛ مضيفا “يُعْتبَرُ هذا العلْقُ النفيس مفْخَرَةً مِنْ مفاخر المغاربة، ويُعَدُّ هذا الكتاب النادر والنَّفيس والفَريد: «التَّسْديد في شَرْح التَّمْهيد» إضافة نوعية مُهمة وفريدة للمكتبة العربية والإسلامية والعالمية”.
ولفت المحقق الى أن كتاب “التسديد” لم يتم التعريف به مِن قبل، موضحا أن الكتاب كان مشهورا لدى المتقدِّمينَ، وأشار إلى الى استشهاد جُملة من كبار العُلماء بأقواله، منهم: الإمام ابن رُشْد في «المقدَّمات الممهدات»، وابن سابِق الصّقلي في «الحدود الكلاميَّة والفقهية» والإمام ابن العَرَبِي في «المتوسِّط»، وفي «كتاب الوُصول»، والإمام اليفرني في «المباحِث العقليَّة»، والإمام الزَّرْكشي في «البحر المحيط»، وغيرهم.
وأكد الدكتور عمور أن هذا الكِتاب يُعد أقدَمَ نص يصلُنا لأحد علماء الغرب الإسلامي كامِلًا في العقيدة الأشعرية لحد الآن، حسب علمه، مضيفا أن النسخة التي بَيْنَ أَيْدِينا نادِرَةٌ فَرِيدَةٌ، نُسِخَتْ قديمًا بَعْدَ وفاة المؤلف بنحو قَرْنٍ، وهِيَ محفوظة بالمكتبة السليمانية باسطنبول.
ويشتمل هذا الإصدار الجديد للأكاديمي عمور على تعريف بالإمام الدِّيباجي، الذي يُعد عَلما مِنْ أعْلامِ الفِقه والأصول والعَقِيدَةِ والجدل والمناظَرَةِ، والعلوم الشرعية والعربية عموما، فيأتي هذا البحثُ وفق المؤلف لِيكشف السِّتار عن هذه الشخصية العِلمية المتميِزةِ، وَيُعرف به، وَبكُتُبِهِ، وبمَنْهَجِه، ومكانته العلمية الكبيرة.
وأضاف الدكتور عمور أن كتاب «التَّسْديد» يَشْرَحُ كتابا يُعد مِنْ أُمهات الكتب في العقيدة الأشعرية، وهُو كتاب «التّمْهيد» للإمام الباقلاني إمام المتكلِّمين والأصوليين، الذي بَعُدَ صِيتُه وتَناهَى فَضْلُه، كَبِيرُ الأشاعِرة وإمامُهم الذي وَضَعَ قواعِدَ هذا المذْهَبِ بعْدَ الإمام أبي الحسن الأشعري.
وبين أن الكتاب يعتبر المُصنف الوحيد الذي تعرضَ لشـرح كتاب «التمهيد» للباقلاني، موضحا أن قيمته تتمثل في ما اشْتَمَلَ عليه من العلوم، وأقوال لأئمَّةٍ كبارٍ، ـ فُقِدَتْ مؤلفاتهم ولم تصلنا ـ، لا تكادُ تجدها إلاَّ في هذا الكتاب، مثل الإمام: أبي عبد الله الأَذَرِي، وأبي طاهر القيرواني، وأبي عمران الفاسِي، وأردف “أن هذا الكتاب يتميز بِكَوْنِه جَمَعَ بين إمامين عظيمين جمعتهم وحدة المذهب المالكي ووحدة العقيدة الأشعرية؛ إلا أنَ الأول كان إماما في العراق، وصاحِبنا شارح هذا الكتاب كان إمامًا في القيروان”.
وذكر أن أهمية هذا الكتاب تتجلى “في كونه من الكتب المؤلفة على طريقة المتقدمين مِنَ الأشاعرة، لكَوْن مُؤلفه مِنْ أَصحاب القرن الخامس، وقد عاصر الباقِلاني، وأخذ عَن تلامذة الباقلاني المباشرين، ويتميَّزُ أيضًا بكَوْنِه يَضُمُّ زُبْدَةَ وعُصارَةَ الفكر الأشعري المغربي خِلالَ القرن الخامس بالغرب الإسلامي”.
ويروم هذا العمل وفق الدكتور عمور التَّعْريفُ بأَحَدِ أعْلامِ علماء الغرب الإسلامي المغمورينَ بالقَرْنِ الخامس، وتَحْقِيقُ النَّصَّ وضَبْطُه كَما أرادَهُ مُؤَلّفه، وإخْراجُه إخراجًا فنيًّا يليقُ به، والتَّعْريفُ بِآراءِ المصنِّف، والكَشْفُ عَنْ مَنْهَجِ المصَنِّف في تَقْرِيرِهِ لقَضايا العَقِيدَةِ، وتأكيدُ القيمَةِ العلميَّةِ الكَبيرَةِ للْمُؤَلَّف والمكانة المتميِّزَة للمُؤَلِّف، والتَّذْكير بمَعالِمِ الحالة الفكرية العقدية بالغرب الإسلامِي في القَرْنِ الخامِس؛ والكَشْفِ عَنْ أهمِّ القضايا الكبرى العقدية التي كانَتْ مَحَلَّ عنايَةٍ في عَصْرِ المصَنِّف، وإبراز أنَّ العقيدَة الأشعريَّةَ في القَرْنِ الخامِس كانَتْ مُنْتَشرةً، ولَها نشاطٌ مُهِمٌّ، ولها شيوخٌ وتلاميذ وتُدَرَّسُ بالحَلقات العِلْميَّةِ، وبيان أنَّ المؤلِّفَ كان له الأَثَرُ الكبير في انْتِشارِ العقيدَةِ الأَشْعريَّةِ بالغَرْب الإسلامي، وأنَّهُ كان حلقةَ وَصْلٍ بَيْنَ المشـرق والمغرب؛ وَأَسْهَمَ في إدْخالِ كُتُبِ الباقلاني، وأبي الحسن وغيرهما للمَغْرِبِ والأَنْدَلُس.
وقد اشتمل هذا العملُ علَى مُقَدِّمَة؛ وقِسْمَيْنِ؛ وخاتمة؛ وفهارس، وخصص الكاتب القِسْمُ الدِّراسي لثلاثَة فُصُول؛ الفصلُ الأول للتعريف بالمُصَنِّف وبعصره، أما الفصل الثاني فقد اهتم بالتَّعْريفُ بكتاب «التَّسْديد»، وإبْرازُ مَعالِمِ مَنْهَجِ الإمام عبد الجليل فيه، وتناول الفَصْلُ الثّالِث “عَمَلِي في تَحْقِيق النَّصِّ وضَبْطِهِ” .