بغداد بين الماضي والحاضر

سميت بغداد سابقاً بمدينة السلام وتعني مدينة أو دار أو بيت الغنم أو الضأن، حيث كان هناك سوق من المحتمل كانوا يبيعون فيها الغنم والضأن في أول الأمر، وقد أطلق على بعض القصور فيها قصر الخلد أشارة الى جنة الخلد، وآخر سموه الفردوس أشارة الى جنة الفردوس، ومن اسمائها ( مدينة المنصور والزوراء) وهذا الأسمان كانا لا يطلقان إلا على المدينة المدورة التي انشأها المنصور، ومن اسمائها دار الخلافة، وقد حرف العرب كلمة بغداد فقالوا تبغدد الرجل إذا أنتسب اليها، أوتشبه بأهلها على قياس تمعدد وتعرب إذا يشبه بمعد والعرب أو أنتسب اليهما.

وقال المولدون: تبغدد الرجل علينا إذ تكبر وتعاظم، وفيه أرتفاع مكانة بغداد والبغداديين في تلك العصور. (1)

أجل كانت بغداد مهد الحضارات ودار للسلام والأمان زاهية بجمالها وطيبة أهلها، اصحاب الرفعة والجود والكرم وكما عرف عنها وعن ناسها سابقاً، لذا سميت كما ذكر الكاتب جنة الخلد والفردوس، إلا أن بغداد في الوقت الحاضر ليست تلك الجميلة كما عاهدناها… وتكلم عنها اصحاب الاقلام الراقية، وتغزل بها ارقى الشعراء… وتغنى ببهائها كل المطربين، وتبادل عشاقها الحب  تحت ظلال اشجارها الباسقة، تحولت من دار السلام الى بلد عدم الامان، تحولت تلك الجنة التي تغنى بأمجادها الكثيرين الى خراب ودمار، وبعد أن كان يقصدها السواح من مختلف انحاء العالم ليستمتعوا بجمالها وبهاء منظرها وروعتها، امتنعوا وتوقفوا من السفر إليها وأعتبروها وبكل حزن وأسى أقولها من المدن التي لايمكن العيش بها لسوء الوضع الامني في مناطقها، نتيجة لكثرة الحروب والصراعات التي مر بها العراق، والارهاب والتطرف الذي اجتاح كيانها وهدم بنيانها.

أن مدينة بغداد حين أمر المنصور ببنائها أراد أ ينظر أليها عياناً فأمر أن تخط بالرماد، ثم أقبل يدخل من كل باب ويمر في فصلاتها وطاقاتها ورحابها وهي مخطوطة بالرماد، ودار عليها ينظر الى ما خط من خنادقها ثم أمر أن يجعل تلك الخطوط حب قطن ويصب عليه النفط فنظر اليها والنار تشتعل ففهمها وأمر أن يحفر الاساس على ذلك الرسم ثم ابتدأ في عملها، أن أبا جعفر لما أمر أن يحفر الخندق وأنشاء البناء وأحكام الأساس أمر أن يجعل عرض السور في أسفله خمسين ذراعاً وقدر أعلاه بعشرين ذراعاً وبنيت المدينة مدورة وذلك عام 145هـ وجعل أبوابها اربعة على تدبير العسكر في الحروب وبنى قصره في وسطها والمسجد حول القصر، وأن الأستاذ من البنائين كان يعمل يومه بقيراط فضة (والروز كاري) أي العامل اليومي بحبتين الى ثلاث حبات وقد عمل البناء نيف ومئة الف عامل، وتوسط قصر الخليفة ( باب الذهب) أو (القبة الخضراء) ولم يلبث المنصور أن بنى قصر الخلد، والواقع أن المنصور هو باني القسمين الغربي والشرقي من بغداد على ثلثي الضفتين وتوالى الخلفاء العباسيين وكانوا همهم أن يعلوا شأن بغداد ويرفعوا قدرها ويعلوا منها قبة العلماء ومحطاً للأنظار.(2)

وأنا أقرأ ماكتبه الكاتب علي الطنطاوي ادمعت عيني بما كانت به بغداد، كانت الفتاة المدلله في ذلك الزمان، أهتم بشأنها وبنائها ابو جعفر المنصور، وبذل كافة الجهود من عمل مضني وعدد كبير من العمال لكي تبان بأجمل صورة أمام ناظريها والزائرين إليها، والآن ليصحو المنصور ويرى ما آلت اليه حبيبتنا بغداد.. خراب حطام ودمار لقد بهتت الوانها من كثرة الأهمال والأنشغال بالأمور السياسية وتدني الخدمات وانهيار البنى التحتية، حتى غدت عاصمتنا من الاماكن التي يصعب العيش بها، تلوث ثوبها الجميل الزاهي الالوان من قلة النظافة وانتشار القمامة في كل مكان، لقد تغير كل شيء في في ازقة بغداد.

إلا أن في ذلك الزمان الجميل لبغداد صارت بغداد أم المدن، وحاضرة الحواضر وبلغت ما لم تبلغه روما في سلطانها، ولا القسطنطينية ولا المدائن ذات الإيوان، لقد غدت سيدة العالم، ما يظهر في بلدة طريف ولا ظريف من ثمرات الايادي ولا من نتاج الأدمغة إلا وحمل الى بغداد، ولا ينبغ نابغ في مشرق الأرض ولا مغرب إلا أم بغداد، فالقوافل تتجه الى بغداد بكل ثمين وجميل تحمله إليها لتلقيه بين يديها كما تحمل ماءها الأنهار من كل مكان لتصبه في البحر. (3)

اين تلك الجميلة التي وصفت بأجمل الأوصاف وكانت تضاهي بجمالها جمال الغرب، ما الذي حدث لها؟؟.. لما غادرها الفرح وسكنها الحزن؟؟… وكثرت بها الصراعات والاحتجاجات على الفساد وسوء الخدمات وازدياد البطالة، وأنتشر بين شعبها وباء الطائفية والعنصرية الذي نخر وارهق جسد العراق، اين تلك الحضارة العريقة والبناء الشامخ؟؟.. اين الكفاءات لم هاجرت وغادرت العراق؟؟.. أين شعبها من الأقليات الذي تم تهميشهم وتهجيرهم ليرحلوا بعيداً عن ديارهم تاركين ورائهم حسرة وغصة وألم الفراق لموطنهم؟؟.. والكثير من الكلام الذي لا يتسع له المجال لذكره.

عذراً سأضيف بعض الكلمات كتبتها عن بغداد

اعد لنا الحبيبة بغداد

سيدي  أعد لنا الحبيبة بغداد… عاصمة السلام وبلد الحضارات والامجاد… إعدها لسالف عهدها وماضي الاباء والاجداد… جميلة زاهية بهية المنظر بريقها كل يومٍ يزداد… نظفها طهرها ونقيها من ظلم الاحقاد والاوغاد… عاصمتنا تستنجد بك وصرخة تنطلق من عمق البلاد… بغدادي تنادي سيدي انت الامل لكل الابناء والاولاد… اجعلها تزهو من جديد ويتغنى بها الشعراء والاجواد… ليعود سحرها وجمالها يبهرالعالم وتنثر بها الاوراد… حررها من قيودها التي كبلتها وكسر كل القيود والاصفاد… وأيقظ ابو نؤاس من سكرته لتحيا ليالي القصائد والرواد…. وقصص الف ليلة وليلة مع شهريار وشهرزاد… وحكايات ومغامرات ياسمينة والولد الشقي سندباد… اجعلها حرة أبية لاعنصرية وطائفية ولاخطف وقتل واضطهاد… وأنشر الفرح والبهجة في طرقاتها وابعد عنها الظلم والاستبداد… لتنعم بالأمن والطمأنية والحياة الحرة الكريمة وهذا هو المراد.

  • طه الراوي – بغداد دار السلام
  • عبد الكريم العلاف – بغداد القديمة
  • علي الطنطاوي – بغداد ذكريات ومشاهدات
بواسطة
نضال يوسف عاشا - العراق
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق