مرآة النفس
ها أنك كإشراقة كل صباح تنظر إلى نفسك في المرآة، قد تكون على مشارف الثلاثين أو أنك تجاوزتها قليلا، وقد يكون اليوم هو ذكرى مولدك الأربعين أو أنك تتأهب رويدا لإستقبال ربيعك الخمسين.
لكن الغريب، أنك اليوم تتأمل وجهك على غير العادة.،فلم تحص عدد البثور على بشرتك كدأبك و لم تتبع سبل التجاعيد على جبهتك كسُنتك، ولم تفزعك الهالات السوداء تحت حبيبتيك. أنت فقط تحدّق في الزجاج العاكس دون أن يميل طرفك إلى مكان. كثيرة هي الخواطر التي يعج بها ذهنك في هذه اللحظة، سنون عديدة مرّت، عاينت خلالها تجارب عدّة، انتشيت بغبطة النجاح تارة و تجرعت مرار الفشل تارة أخرى، أقبلت على الحياة بكل عنوانك أياما، و أعرضت عن كل ملذات الدنيا ليال أخرى. كثيرون هم الأشخاص الذين قابلتهم، منهم من تعفنت زوايا قلبك بجروح أفعالهم و منهم من أصبحت صحبتهم ترياقا لآلامك.
هكذا انقضت أعوامك، ترقص على قمة السعادة ساعة، و تغرق في وحل الأحزان ساعات أخرى. و ها أنك اليوم نتاج هذا المخاض العسير، أنت الآن تتولد من رحم الحياة، استطاعت نوائبها أن تلفظ مولودا جديدا لم يعد يأبه لأذى البشر، و لم يعد يحزنه فراق، و لم تعد عَبراته تنهمر لقسوة العِبارات. أنت اليوم منهمك بالبحث عن السلام الروحي الذي يغنيك عن العالمين، لم يعد يهمك الناس ما قالوا و ما فعلوا فأنت منشغل عنهم برقي سلم المجد. أنت اليوم في صراع دائم مع هذه النفس، تسعى لتأديبها و تعمل على تنزيهها من السيئات، و تنكب على هذا العقل فتغذي خلاياه بالعلم، وتفتح نوافذه المغلقة.
فامض في سيرك الذي أنت فيه و اصبر على مطباته و اضع نصب عينيك هدفك المنشود، تلقى خيرا كثيرا