البشرية بعد الفوز

قال الشاب الحالم: ما هى التحديات التى سترسم وجه مستقبل البشرية على كوكبنا يا دكتور؟

قلت: يُواجه العالم ثلاثة تهديدات رئيسية من وجهة نظري: أولا: الحرب بين أمريكا والصين وينبع منها مشكلتان ١- إمكانية استخدام السّلاح النّووي والسلاح البيولوچي، مما قد ينهي الحياة على الكوكب. و٢- سقوط التوجهات الديمقراطية وحقوق الإنسان لصالح التحكم فى الشعوب وانتهاك هذه الحقوق بحجة عدم احترام الصين لها وتفوقها الاقتصادي فى نفس الوقت. ثانيا: الذكاء الاصطناعي والتطور التكنولوچي الذى يحمل فى طياته الفرصة والمحنة كتلازم لا نعرف كيف سيستخدمه الإنسان قبل أن يتحكم هذا الذكاء فى صانعه، وثالثا: انهيار التوازن البيئي نتيجة الاحتباس الحراري وما تسببه البشرية من فعل، والذى قد يودى بالكرة الأرضية ومن عليها.

قالت الشابة: اعطنا تفسيرا!

قلت: استخدام السّلاح النّووي قد يُحدث كارثة سواء قصدا أو عن طريق الخطأ. ولأننا رأينا قادة، حتى فى المجتمع الديمقراطي، يقودون إلى العنصرية واليمين المتطرف، ويتصرفون أحاديا بسفه وبدون احترام للإنسانية، فقد أصبح هذا الخطر موجودا بالفعل.

أما السلاح البيولوچي، والتحويرات الچينية فى الفيروسات ونشرها، سواء ثبت ذلك من عدمه، إلا أنه أصبح واقعا تتهم من خلاله دول بعضها البعض ولا يوجد دخان من غير نار كما يقول المثل الشعبي المصري.

وتجىء الردة فى مفهوم الديمقراطية كنظام سياسي اجتماعي والتى خلقها النمو الصيني الهائل، فى إطار نظام تسلطي ديكتاتوري لا يحترم حقوق الإنسان، وتهديده للحضارة الغربية، مع التردى الأمريكي الخطير بتسلط يميني عنصري، وانسحابه من المؤسسات والنظم الدولية التى خلقها بادئ ذي بدء، وانحداره بتفكيك أسس نظامه فى بلده، وتلاعبه فى حياه شعوب العالم بثورات مدبره، وهو ما أدى إما إلى حكم ديني متعصب أو بديل عسكري متسلط وكلاهما لا يحترم حقوق إنسانية بحجة مكافحه الإرهاب أو الرغبة فى الاستقرار.

أما الاحتباس الحراري فإننا نتّجه بشكل سريع نحو نقطة اللارجوع. ولولا توقف الحياه بشكلها الذى كانت تسير فيه، بحكم أزمه كوفيد- ١٩.. فإن البشرية كانت قد وصلت إلى نقطة تهدد مستقبل كوكب الأرض، وحتى إن استطاعت البقاء فإنها ستبقى فى ظل ظروف تصعب الحياة معها.

وللأسف فإن أسياد العالم الآن ليست دولًا وإنما قاده يتحكمون فى بلاد، وقد يكونون متهورين وجماعات متعصبة ومصالح، ومؤسسات استثمارية، وشركات مُتعدّدة الجنسيات وغيرها من الجهات التى تمارس ضغوطها على الدّول لتحافظ على مصالحها على حساب المستقبل.

قالت الشابة النابهة: وماذا عن مشهد الانتخابات الأمريكية، وتأثيرها على العالم وعلى مصر تحديدا؟

واستطرد زميلها قائلا: نحن نعرف أن الرئيس ترامب كان عليه ما عليه، ونعرف أنه أعطى لإسرائيل ما لم تكن تحلم به من تأييد مطلق، ولكنه كما يظهر كان صديقا لمصر، وأن الإدارة الديمقراطية لباراك أوباما وهيلارى كلينتون ومعهم الرئيس المنتخب بايدن كانت وراء ثورات الربيع العربي، والفوضى التى حدثت فى البلاد، وكانوا مؤيدين لفكرة ما يظنونه إسلاما سياسيا معتدلا، وعملوا وأيدوا جماعه الإخوان المسلمين ليتبوأوا حكم مصر، وأنهم كانوا وراء إنشاء وتمويل داعش وغيرها من المنظمات التى نعاني من وجودها يوما بعد يوم.

قلت: أولا عليكم أن تفهموا أن كل الإدارات الأمريكية تعمل مؤسسيا، وقد تختلف فى شكل أدائها ولكن الأسس التى تبنى عليها أهدافها واحدة.. ودعونى أذكركم أن من ابتدع فكرة الفوضى الخلاقة كانت كونداليزا رايس، وزيرة خارجية چورچ بوش الجمهورى، وأن من أحدث الفوضى فعلا كانت هيلارى كلينتون وزيرة خارجية أوباما الرئيس الديمقراطى.. كذلك أذكركم أن من دمر العراق بادعاءات ثبت كذبها كانوا الجمهوريين، وأن من دمر سوريا كانوا الديمقراطيين..

والأمثلة عديدة، عبر التاريخ، لذلك أريدكم أن تتحرروا من فكرة أن هناك من هم أصدقاؤنا ومن هم أعداؤنا فى الإدارات الأمريكية بشكل مستدام.. فلا تفضيل وكلهم واحد بأشكال متعددة.

كل المواقف الشكلية للإدارات المختلفة تعتمد على قوة مصر الذاتية ومدى تأثيرنا على المنطقة وإفريقيا والعالم.. وعلى مدى تماسكنا الاجتماعي والاقتصادي الداخلي.. فى أى لحظة من لحظات ضعفنا سيتم الاستغناء عنا بل والتنكيل بنا كما حدث مع دول كثيرة حولنا.. فلنفيق ونصحو. إن تعامل أمريكا معنا سيعتمد علينا وليس عليهم…على قوتنا وضعفنا، على تماسكنا وتفككنا، على تأثيرنا أو عدمه على المنطقة.

قالت الشابة الأولى: وماذا نستطيع أن نفعل لنكون أقوياء فيزداد احترامنا، وكيف؟

قلت: هذا هو التساؤل، وهذه هى الجدية.. هناك العديد من التوجهات الاستراتيجية المهمة التى علينا أن نسلكها بشكل مستدام، وكفاءه أداء، ورقابة فعّالة، وسأذكرها لكم. ولكن كما يقال فى الطب هناك أشياء إذا لم تتواجد فى العلاج، فلن يتم الشفاء.. وهى أولويات بناء الأمم القوية، وحجر الأساس فى قوة مصر واستدامتها.

أنا مؤمن أولا أن الحضارة واستدامتها لا يبنيها إلا الأحرار، وأن احترام حرية المواطن المصري فى التعبير عن نفسه وأمنه وسلامته فى إطار عدالة ناجزة، غير انتقائية، وسلطات إنفاذ القانون التى لا تحركها الأهواء السياسية هى العمود الفقري لاحترامنا لذاتنا واحترام العالم لنا.

ويجىء مرادفا لذلك، الحكومات الكفء التى تعمل على بناء الإنسان من مدخل التعليم والتعلم والثقافة فى إطار لا يسمح بالتراجع ولا التنازل ولا الصفقات السياسية. إن زيادتنا السكانية معناها ٤٠ مليون نسمة جديدة فى عقدين من الزمان فقط، ويا لها من قوة ويا لها من نقمه إذا لم نلتزم بذلك.

ويجىء ثالثا، التداول السلمي للسلطة السياسية الذى يضمن استدامة التنمية بكل ما يشمله ذلك من أسس نعرفها جميعا.

ويسير مع ذلك جنبا إلى جنب الفصل والتوازن بين السلطات، والحد من استبداد أى سلطة تنفيذية مهما كانت نياتها الحسنة. وأقصد بذلك البرلمان والسلطة القضائيه والإعلام.

ويتواكب ذلك مع الاختيار الواضح لمدنية الدولة بلا ملاوعة ولا حلول وسط شاملا فصل الدين عن إدارة البلاد واحترام المواطنة وعقائد كل المواطنين وحقوقهم بمساواة.

وأرى أن الثقافة المصرية، التى تمر بتحد ينزل بمستوى إفرازاتها يحتاج تدخلا يرفع من شأن الإنتاج الفني والنشر والإعلام، وكل مداخل هذه الثقافة، وهى ما قد تنير طريق بلادنا للتأثير الإيجابي فى البلاد العربية وإفريقيا.

قالت الشابة مرة أخرى: وهل يمكن لمصر أن تعود منبرا للتنوير ومصدرا للحضارة؟

قلت: أنا على يقين من قدرات الشباب المصري، وخبرة شيوخه.. القضية فى إدارة هذه الموارد البشرية العظيمة وتنميتها بجدية وبلا خوف..

مصر التى ستحترمها أى إدارة أمريكية، هى مصر القوية من الداخل، التى تحترم حقوق مواطنيها ليس خوفا من رقابة دولية، بل لأن ذلك منهجها وإيمانها. مصر التى تبنى أجيالها على الحرية المترادفة مع احترام القانون.. مصر التى تصدر قوانينها احتراما لدستورها وليس لمصلحة لفئة هنا أو هناك.

مصر القوية داخليا، تنبع قوتها من تعدديتها التى تحترم اختلاف أفرادها.. مصر القوية يبنيها الأحرار المتعلمون، ويقودها الأكفاء الذين يحاسبهم الشعب، وتتداول فيها السلطة بسلام، وتتراكم فيها الخبرات.

يا شباب أنا لا يهمنى ترامب ولا بايدن، كلاهما وجهان لعملة واحدة…أنا يهمنى مصدر قوتنا وهو الشعب المصرى وهو ما علينا العمل ليكون صانعا للحضارة ومنميا للثقافة ومضيفا للبشرية.

بواسطة
أحمد عماد - مصر
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق