كيف نهزم التطرف والارهاب

اصبح مفهوم الارهاب سلعة  يتداولها  العالم ويطرحها ليل نهار في كافة مناحي الحياة لما لهذه السلعة من تاثير في كافة جوانب الحياة السياسية و الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتطال كافة المجتمعات الانسانية فهي لا تقتصر على منطقة دون اخرى او على دولة دون اخرى بل اصبحت سلعة  معولمة و عابرة للحدود والقارات والمجتمعات، وتبرز الاشكالية الكبرى في عدم القدرة على مواجهتها كونها اصبحت جزءا من الحيز العام الدولي ومخترقه له عبر الاعلام الاجتماعي و ووسائل الاتصال التكنولوجي.

ولكن القضية الاهم هي مشكلة التعامل مع هذا الواقع المعولم والمنتشر في العالم ، فكل المحاولات التي قدمت لهزيمة الارهاب والتطرف والقضاء عليه باءت بالفشل انطلاقا من افغانستان الى العراق واليوم سوريا وليبيا واليمن والصومال وغرب افريقيا وجنوب شرق اسيا، اذ اصبحت تلك الاقاليم عبارة عن مستنقع لتصدير الارهاب والتطرف الى شتى بقاع الارض و الى كل المجتمعات، لكن كل المحاولات التي بذلت للتصدي لهذه الظاهرة والقضاء عليها  كانت محاولات  سطحية تتعلق بالشكليات والظاهر ولا  تعالج المضمون والمنبع والجذور المغذية  لهذه الظاهرة المعولمة ، كالشجرة ذات الاغصان الكثيرة اذا قطعت قمة الغصن او الفرع فانها تطلق العشرات من الاغصان والفروع لان الجذور تبقى قوية وتنتج البديل، وهكذا ظاهرة الارهاب والتطرف مهما تم مجابهتا بالقوة المادية والعسكرية وباقوى انواع الاسلحة الفتاكه لم تستطع ايقافها او القضاء عليها او الحد من انتشارها بل تزداد قوة يوما بعد يوم وتتمدد وتنتشر.

فالارهاب ليس ممارسة مادية فقط ،  بل هو فكر وتغذية فكرية وفطرية ورحية وعقائدية متجذرة استطاعت الجماعات الارهابية المتطرفة  نشرها في عقول الشباب العربي الذي يمارس تلك الممارسات اللانسانية من قتل وتدمير ورفض وتحجيم لدور العقل واطلاق العنان للقلب والعاطفة في الحكم استنادا الى مسلمات باطلة وغير موجودة، فهذه الظاهرة المعولمة والمنتشرة يمكن ايقافها والقضاء عليها في حالة اننا استطعنا السيطرة على منابعها ومعرفة الاسباب التي تؤدي اليها ومعالجة تلك الاسباب معالجة جذرية توقف تدفق الشباب لتك الجماعات وتوجههم نحو مستقبلهم في الابداع والانجاز وتحقيق الذات وحب الحياة، فنحن بحاجة الى تجفيف المستنقعات قبل محاربة البعوض .

ومن هنا فان التعبئة الفكرية برفض الاخر واعتباره شيطان وعدو تتحول الى ممارسة عملية لدى الشباب المندفع والملتحق بتلك الجماعات التكفيرية والارهابية التي ترى ان هذا الطريق هو طريق الخلاص والنجاة ، وبكل اسف اصبح العالم العربي هو المنبع لهذه الافكار وتلك الممارسات اللانسانية والتي امتدت ممارستها لتصل كل المجتمعات.

ومن هنا، فنحن بحاجة للقضاء على الارهاب والتطرف و لكي نهزم هذه الظاهرة المعولمة( الارهاب) للعديد من الاشياء ولكنها اشياء بسيطة وحاسمة ومؤثرة وقادرة على وقف انتشار وتمدد تلك الظاهرة، فالاسلحة والطائرت والاساطيل  والبوارج البحرية والجوية والجيوش البرية لن تستطيع هزيمة تلك الظاهرة، وقد تم فعلا استخدام تلك الادوات وفشلت في افغانستان والعراق والصومال وليبيا واليمن، ولكن لكي نهزم تلك الظاهرة ونقتلعها  من جذورها فنحن بحاجة الى بدائل اخرى ، نحن بحاجة الى القلم والكلمة الطيبة والحوار والحجة والاقناع  والموسيقى والثقافة والغناء ، نحن بحاجة الى مناهج تعليمية عصرية وحديثة تعزز قيم الحرية وقيم الاعتراف بالاخر وقيم التسامح والتعاون والتعارف والاحترام المتبادل، بحاجة الى تربية وتنشئة اسرية صحيحة تغذي قيم الحياة والمحبة والسلام في نفوس ابنائنا وبناتنا وشبابنا، بحاجة الى التعاون معا من اجل مستقبل افضل للجميع، بحاجة الى استقرار اقتصادي وتوفير فرص عمل لكل الشباب الخريجيين والعاطلين عن العمل، بحاجة الى دولة علمانية حديثة تعزز قيم المواطنة والمساواة،  بحاجة الى فصل السلطات وتعزيز سيادة القانون ، بحاجة الى محاربة الفساد والانظمة الفاسدة التي تسرق اموال الشعوب وتستعبدها ، بحاجة الى تحقيق مبدا تكافؤ الفرص والمساواة للجميع ، بحاجة الى خطاب ديني معتدل يمثل الاسلام الحقيقي الذي يدعو الى التسامح وعدم الاعتداء على الاخر ويحرم قتل الانسان، بحاجة الى التحرر من وعاظ الخرافة ودجالي السياسة، بحاجة الى التحرر من ثقافة الحاكم الاله والشيخ ولي الله، بحاجة الى التحرر من ثقافة التصفيق والمدح  للحكام والملوك، بحاجة الى التحرر من خطابات الشعارت الرنانة والبراقة، بحاجة الى التحرر من ثقافة التخوين والتكفير التي نمارسها ليل نهار ، بحاجة الى استراتجية تعلمية و تنشئة اسريه صحيحة تسمو الى خلق جيل مثقف متعلم منتج ومبدع يستخدم العقل في كل تصرفاته ، بحاجة الى جيل يحارب من اجل تحرير العقل العربي من التخلف والجهل والرجعية، اذا حققنا كل هذا نهزم الارهاب والتطرف وتنتهي تلك الظاهرة المرعبة اللانسانية.

بواسطة
د. حسين الديك - ستانفورد - كاليفورنيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق