شكيب أرسلان .. داعية العروبة والمواطنة ( 3-3 )

وكان شكيب أرسلان رحمه الله إنسانى النزعة :
يقول : ” إن سياستى فى الحقيقة مبنية على الإنسانية لا غير, وعندى أن الإنسانية هى رأس السياسة … وأرى أن الدين ركنا للإنسانية , ولست أعتقد مجئ الأديان إلا خدمة للإنسانية وتقديسا لها , وإلا فإن الله غنى عن العالمين ” 13)

ويقول : ” إنى أغضب لظلم يقع على عابد الصنم , وتفيض دموعى لأى غدر يقع ولو على زنجى من قبيلة نيام نيام , ويحترق فؤادى لمجرد تصور رضيع يقتل , أو امرأة يصرعها السيف من أية أمة كانوا , وأعتقد أن كل من ليس فيه هذا الشعور فليس له نصيب من الإنسانية , بل هو إلى الوحوش أقرب , وما أتباهى من أقوال السلف الصالح بشئ مثل قول أبى بكر رضى الله عنه لأحد أمراء جيشه وهو سائر إلى الحرب : ” ولا تغل ولا تغدر ولا تقتل ولدا ولا امرأة ولا مدبرا , ولا تجهز على جريح ” 14)

– وينتقد وصف أفلاطون للحدادين والحذائين بأن ” مهنهم فى غاية الدناءة ”
– بأن هذه مثل هذه الآراء “عريقة النسب فى الحماقة ” !! 15)
لذلك يصفه الشيخ سليمان الظاهر قائلا : ” لم يكن مسلما جغرافيا ليس له من الإسلام إلا اسمه , ومن معناه وفحواه إلا رسمه , بل كان المسلم الحقيقى الذى عرف أن الإسلام عقيدة وعمل , وأنه دين إنسانى عام لا دين شعوبية وقبلية وعصبية واقليمية , ولا دين أجناس وألوان , بل هو ما تجده منطويا على منطوق هذه الآية الكريمة من كتاب الله العزيز : ” وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ” 16)

وعندما زار شكيب أرسلان بيت الشاعر الألمانى ” جوته ” وصفه بقوله : ” ندر أن يكون قلب أحد شغف بحب الجمال والحق ما شغفه قلب جوته ”
وكتب بسجل الزيارات :
مذ قيل : هذا بيت غوته زرته إذ كان للشعراء كعبة قاصد
هو سيد الشعراء عند قبيله منه بجيد الدهر عقد فرائد
طأطأت رأس قريحتى فى بابه ولكم رأت عتباته من ساجد
إن لم يكن من أمتى وعشيرتى فالناس فى الآداب أمة واحد
أو فاتنا نسب يؤلف بيننا أدب أقمناه مقام الوالد !
وكان يطرب إذا سمع سامى الشوا يعزف على الكمان وقال مادحا له :

أمير ( الكمنجة ) قد حملت أمارة لها , وغدا فيها لواؤك معقودا
فلو سمعتها منك نجد وأهلها أجازوا الكمنجة والمزمار والعودا
اذا لعبت فى كف سامى كمنجة فما أجدر الأوتار أن تتكلما 17)

وكان شكيب أرسلان رحمه الله من أوائل من قاموا بالنقد الذاتى لشعوبنا العربية
قائلا : ” كلما حزبتهم قضية أو أساءوا الإدارة فى مجال أخذوا يتخلصون من التبعة , ويقولون : هذه دسائس الأجانب , وكلما أرادوا الاعتذار عن انحراف أو نزق أو طيش فيهم حولوا التبعة إلى الأجانب , وجعلوا البلية كلها منهم , مع أن هؤلاء الأجانب يستغلون حماقتنا فى كثير من الأحيان , ويستغلون سوء إدارتنا ” . 18)

وبعد هذه الجولة السريعة فى فكر أمير البيان شكيب أرسلان يتبين لنا أنه من الآباء المؤسسين الكبار لنهضتنا العربية وأنه كان موسوعى الثقافة وكان من دعاة الوحدة العربية والمواطنة.

الهوامش :
13- الشورى 10-4-1929م
14- الشورى عدد 9-1-1929م
– 15- كتاب “سلاسل القراءة ” ط 1904م ط2 المطبعة الأدبية بيروت
16- مجلة العرفان جمادى الأولى 1375م
17- أنظر منبر الشرق عدد 17-7-1955م
18- الفتح 22-8-1929م

بواسطة
محمد حسينى الحلفاوى - مصر
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق