مولانا وحيد الدين خان .. الكنز المخبوء ( 3-4 )

والدارس لفكر وعطاء الإمام العلامة وحيد الدين خان حفظه الله يجد أنه ” تفرد ” بالتجديد فى محورين هامين هما :

1- إعادة الاعتبار لأهمية ومحورية ” الدعوة ” فى الإسلام وأنها وظيفة الرسل الحقيقية وأن الأمة الإسلامية أمة ” داعية ” وليست ” حاكمة ومحاسبة للكون ” .

2- نقده الشديد والعميق للفكر المنشئ لجماعات ” الإسلام السياسى ” منذ 1959م
ولكن تم حجب كتبه ومؤلفاته بفعل فاعل وخصوصا كتابه الرائد ” خطأ فى التفسير” الذى نشر فى الهند سنة 1963م .

ففى كتاب ” من نحن ” يقول :
-” إن المسلم هو داعية إلى الله ؛ ومهمة المسلمين أن يوقظوا هذه النفسية الدعوية إلا أن قادتنا قد خلقوا فيهم بكل جرأة النفسية الحاكمية ” 1)

– ” إن المسلم المعاصر يرى كل شئ سوى شئ واحد يتعامى عنه ألا وهو أمر الدعوة وما يتصل بها ” 2)
وأطلق على ذلك “عمى الدعوة ” تشبيها له بمرض “عمى الألوان ” .

-“وكان من نتائج هذا ” العمى الدعوى ” أن المسلم المعاصر تتراءى له أحكام القتال فى القرآن والسنة بينما يتغافل عن أحكام الدعوة إلى الله , كما يجد فى التاريخ الإسلامى وذخيرة الفقه نموذج المسلم الحاكم بينما يخفق فى العثور على نموذج المسلم الداعية .

إنه على دراية بالمصطلحات التى تتعلق بدار الحرب ودار الإسلام لكنه يجهل مصطلح دار الدعوة جهلا مطبقا !!

إنه يرى فى التاريخ الإسلامى وقائع فتوحات الممالك بينما يغفل تماما وقائع ” فتح ” القلوب ويبصر تلك الحقبة من التاريخ التى كان فيها المسلمون حكاما ورؤساء بينما يتعامى عن تلك الحقبة التى كان فيها المسلم داعية إلى دين الله بين عباده ” 3)

ثم ينتقد رؤية دعاة الإسلام الساسى لأنفسهم ولجماعاتهم : بأنهم “محاسبو الكون وحكامه ”
مؤكدا أن المسلم كما يعبر القرآن : هو” مذكر ” وليس بمسيطر على الآخرين مستشهدا بالآية القرآنية الكريمة ” فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر ” الغاشية 22
-“إنه ليس قاضيا على الدنيا بل ناصحا فيها ” 4)

ويرد على فكرة ” التمكين السياسى ” التى تسيطر على لب وشعور وفكر وعمل جماعات الإسلام السياسى قائلا :

” مما لا شك فيه أن المسلمين فى العصور الماضية قد تمتعوا بأشياء كثيرة من بينها الغلبة والسلطة , إلا أنها كانت منحة من الله ولم يحصل عليها المسلمون عن طريق الكفاح والنضال , إن هذه الأشياء وفقا للنظرة الإسلامية تمثل إنعاما من الله وليست هدفا فى حد ذاتها .

أما مهمتهم ومسؤوليتهم فهى أن يبلغوا رسالة الله إلى العباد ويتركوا ما دونه من أشياء بيد الله فهو وحده يعز من يشاء ويذل من يشاء ويعطى الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء ” 5)
وفى كتابه الهام ” البعث الإسلامى المنهج والشروط ” :

أوضح مولانا وحيد الدين خان البون الشاسع فى عصرنا بين الدين المحفوظ فى القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة والدين المتبع بين مسلمى اليوم قائلا :

-” إن الدين الحقيقى فقط فى الكتاب والسنة .. إن الحركات الإسلامية نشأت ونمت على سطح الدين الاجتماعى الموجود وليس على سطح الدين الكتابى الحقيقى ” 6)

-” أصبح إسلام اليوم مطية وسندا للوصول إلى القيادة والسيادة , أصبح محلا تجاريا لجلب المنافع وسوقا من الأسواق يمكن بها استدرار الأموال والحصول على ما لا يمكن إجراءه من الأسواق الدنيوية العامة ” 7)

-” كثيرا من الحركات الدينية مجرد قلاقل واضطرابات وطنية لا علاقة لها بالإسلام الحقيقى ؛ لأنهم لم يتحركوا إلا بدافع سياسى واقتصادى ” 8)

– ” هذه الحركات توفر غذاء الأنانية ” 9)
-” ثمة مبدأ أساسى آخر يلزمنا للدعوة , وهو عدم إثارة نزاع مادى بين حملة الدعوة والمدعوين حتى لا يصبح المدعو( فريقا ) و( خصما ) ولو كان ذلك على حساب المصالح الشخصة ” 10)
وفى كتابه ” القضية الكبرى ” يقول :

-” الجهاد عند البعض عبارة عن ثورة ضد حكام قائمين لإزاحتهم عن مناصبهم , وانتزاع مقاليد السلطة منهم بغية تطبيق الإسلام على الأرض من حيث هو نظام سلطوى كامل , ولكن نظرية كهذه لا علاقة لها بالإسلام أو الجهاد , حتى أننا لا نجد أى نص فى ثنايا القرآن والحديث يؤيد هذا النوع من الإنقلاب أو ينص على خوض مثل هذا الجهاد الإنقلابى

إن الأمر الذى يطلبه الله من الإنسان طبقا للقرآن الكريم هو أن يختار الإنسان حياة الإيمان وحياة العمل الصالح ” 11)
ثم ينتقد استغلال جماعات الإسلام السياسى للإسلام كهتاف سياسى قائلا :

” ففى غمرة ضجة السياسة يضيع ” الإسلام الحقيقى ” ويتحول الإسلام إلى عنوان لإثارة الفتن والشغب والضوضاء .. المقصد الأصلى للإسلام تزكية الأفراد .. ولا يهدف إلى جلدهم أو إعدامهم شنقا .. دعاة الإسلام الحقيقيون ” هم هؤلاء الذين يعملون جاهدين من أجل إيصال عباد الله إلى الجنة , إنهم نشيطون فى إصلاح الناس ملتزمين بكافة قوانين الحكمة والنصيحة وليسوا متأهبين بحماس انتقامى لجلدهم أو شنقهم ” 12)

– ” كيف يسوغ لنا أن نطلق اسم الجهاد على ما يحدث – باسم اسقاط الحاكم الظالم – من تقسيم المسلمين إلى فئتين متناحرتين تقاتل هذه تلك وهل هذا جهاد إسلامى ؟!

ولا شك فى أن الحديث الذى ينص على أن ” أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ” المراد منه الإدلاء بكلمة حق عند سلطان جائر , ولا يعنى هذا العمل على إسقاطه وإزاحته من منصبه ” 13)

-” إن الدين يطالبنا – الآن – بإنهاء كافة أنواع الأنشطة السياسية والاحتجاجية ضد الآخرين بشكل كلى , حتى يتلاشى جو التنافس بين الطرفين , ويمكن الناس من دراسة الدين فى جو هادئ , وبهذه الطريقة سيتحول معارضو الدين إلى المدعوين إليه , وستبدأ المصداقية العلمية للإسلام – والتى زودنا بها العصر الصناعى – فى عملها ” 14)

ويضرب مولانا وحيد الدين خان مثالا – ولله المثل الأعلى – لتوضيح الخطيئة التى ارتكبتها تيارات الإسلام السياسى عندما ضلت مهمتها ورسالتها الحقيقية وطالبت بالسلطة مقابلا للدعوة والإنعام على الشعوب بالرضا واعطائهم خاتم دخول الجنة , ومن يرفض انتخابهم ويختلف مع اطروحاتهم ففى جهنم وبئس المصير ويدخلون فى حرب مفتوحة معه !!

رغم أن لسان حال الرسل والدعاة دائما فى القرآن الكريم :
” قل لا أسألكم عليه من أجر …. ” 23 الشورى
” قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجرى إلا على الله ” 47 سبأ

” اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون” 21 يسن
قائلا: ” إن ملكا أرسل بعثة إلى منطقة منكوبة أصابها القحط , وقد زودهم بالمال وكافة الحاجات الضرورية ؛ ليقوموا بتوزيعها فى تلك المنطقة المنكوبة , ولما وصلت البعثة إلى المنطقة خاضت صراعا مع سكانها , مما أسفر عن تشبثهم بكل ما زودهم به الملك , وعللت البعثة هذا التشبث بأن أهل المنطقة لم يحسنوا استقبالهم ولم يقدموا لهم بيتا يسكنون فيه , وأن أطفال القرية أساؤوا معاملتهم وغير ذلك من عبارات الاحتجاج , وحين علم الملك بالأمر , اشتد غضبه وسخطه على أعضاء بعثة الإنقاذ , وأصدر حكما بإلقاء القبض عليهم وسجنهم
وقال لهم إنى قد أرسلتكم إلى المنطقة لتقوموا بعملية الإنقاذ وليس لخوض حرب وصراع ضدهم وعلى أى أساس تطالبونهم بأن يعاملوكم معاملة فائقة , نفترض أنهم أساءوا معاملتكم , رغم ذلك فإنكم ملزمون بأن تقدموا لهم كل ما زودتكم به بكل صدق وأمانة , ثم ترجعون إلى بكل هدوء وطمانينة لتحصلوا على مكانة لائقة من قبلى وليس من قبلهم , ولو قمتم بأداء مهمتكم رغم إساءتهم لكم لثمنت جهودكم وكافأتكم أضعافا مضاعفة , لكنكم حين تورطتم فى المطالبة بحقوقكم وبدأتم تفكرون فيها , فلن أقدم لكم سوى السجن اذهبوا إلى السجن وذوقوا جزاء عملكم ” 15)

الهوامش :
1- ” من نحن ” وحيد الدين خان ص 171
2- المرجع السابق ص 178
3- المرجع السابق ص 178
4- المرجع السابق ص 184
5- المرجع السابق ص 185
6- المرجع السابق ص 27
7- المرجع السابق ص 28
8- المرجع السابق ص 39
9- المرجع السابق ص 42
10- المرجع السابق ص 140
11- ” القضية الكبرى ” وحيد الدين خان , دار الرسالة للإعلان الدولى القاهرة ص 76
12- المرجع السابق ص 88
13- المرجع السابق ص 76
14- المرجع السابق ص 115
15- المرجع السابق ص 47 , 48

بواسطة
محمد حسينى الحلفاوى - مصر
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق