الدكتور منير القادري يحاضر حول دور التربية الروحية في بناء ثقافة التغيير الايجابي
قدم الدكتور منير القادري بودشيش، رئيس مؤسسة الملتقى ومدير المركز الأورومتوسطي لدراسة الاسلام اليوم، مداخلة بعنوان: “التربية الروحية وبناء ثقافة التغيير الايجابي” ، وذلك خلال مشاركته السبت 30 يناير 2021، في النسخة الثامنة والثلاثين من فعاليات “ليالي الوصال”، التي تنظمها مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى، بشراكة مع مؤسسة الجمال.
استهلها بمقدمة ربانية مؤطرة للموضوع مستدلا بقوله تعالى في الآية 11 من سورة الرعد: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ) ، معتبرا أن التغيير هو سنة كونية لتحصيل المنفعة في الحال والمآل، وأن التغيير يبدأ بتغيير النفس قلبيا باتباع الأوامر واجتناب النواهي بعيدا عن الشهوات والمنكرات وبذلك يغير الله حالهم من الضنك إلى الفرح والسعادة، واستحضر العديد من الآيات والحكم كقول الامام أحمد: ” إن أحببت أن يدوم الله لك على ما تحب فدم له على ما يحب”، معتبرا ان سنن الله لا تتغير ولا تتبدل ، وأن الأمة لا يحل أمر بها إلا فيه حكمة جليلة لها، مستشهدا بقوله تعالى “سُنَّةَ ٱللَّهِ فِى ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلًا” (الاحزاب – الآية 62).
كما دعا إلى التأمل في واقع الأمة التي صار حالها بئيسا من خلال تركيز أغلبها على المادة والانغماس فيها بعيدا عن مصالح المآل في الآخرة، واورد مقولة لسفيان الثوري “ليس للشيطان سلاح للإنسان مثل خوف الفقر، فإذا وقع في قلب الإنسان :منع الحق، وتكلم بالهوى، وظن بربه ظن السوء”.
وأكد أن النعيم الحقيقي هو تفقد الأحوال ما إذا كانت مسايرة لأصل الخلقة رابطا بين نعم الدنيا وفلاح الآخرة، فما على الانسان إلا أن يعلم حقيقته المتمثلة في مجاهدة النفس موردا ما جاء في الأثر من قصائد القوم : “جاهد تشاهد كل الفوائد سر الأماجد في ذكرك الله “.
واسترسل الدكتور منير في الحديث عن العديد من المعاني ضاربا الأمثال بواقعنا وما يعرفه من تجليات، وأن الله تعالى هو الأصل الثابت في تحصيل التغيير فكم فئة غير الله حالها من الجلال إلى الجمال، ومن النكسة إلى الفرحة بعد استقامتهم وإرادتهم للتغيير.
وأوضح القادري أن الأجر الطيب يأتي بقدر معرفة الله وقرب النفس منه، والبركة ينزلها على عباده أين يريد أن تحل وكما يريد أن تحل، مشيرا إلى قول ابن رجب: “يمر السحاب في بلدة بماء معين من المعصرات يريد النزول ولا يستطيع بما حل من منكرات”، واستنتج انه لا سبيل لتحصيل النفع والصلاح والتغيير في ظل عدم الاستقامة، فالله تعالى وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحين بأعلى الدرجات من النعم حالا ومآلا لاستقامتهم على الطريق الصحيح .
وبين مدير مؤسسة الملتقى ان مصدر النعم والخير والإحسان هو من الله، وأن مرد كل بأس هو ما كسبت النفس من معصية وأعمال فاحشة، منبها الى واجب المرء في مراقبة أفعاله وأعماله التي تحيد به عن الحق فهي أساس وقوعه في الزلات ومعه العيش في المنكرات، مضيفا أن النعم إن فرت من قوم فقلما ترجع، موردا قول ابن سعدون “عنوان سعادة العبد اخلاصه للمعبود “.
وشدد القادري على توقف أي تغيير على وجود اخلاص حقيقي ونية سليمة للرقي بالنفس لما يحب الله ويرضاه، وذلك من خلال مجاهدتها والأخذ بالأسباب حتى يتم التغيير الايجابي عن طريق الصحبة الصالحة .
وأشار الدكتور المحاضر الى حاجتنا اليوم إلى “احياء قواعد التصوف بفهمها الصحيح الذي يروم إحياء القلوب وتحصينها من التطرف والعنف، لبناء شباب صالح محب لدينه ولوطنه، ينظر إلى أمته بعين المحبة ويقوم بالواجب على أساس أنه عبادة، وهذا أساس المنهج التربوي للطريقة القادرية البودشيشية، التي تربي في المريدين الاخلاص في العمل وحب الوطن وملكه بقلب سليم بعيدا عن الأنانية وحب النفس والطمع فيما عند الآخرين “.
واختتم مداخلته بالدعاء للأمة بأن يغير حالها من حال الغفلة والضرر إلى حال القرب من الله والصلاح، كما دعا لأمير المؤمنين ولعائلته الشريفة وللبلاد والعباد بالحفظ والصون من كل مكروه.