الزعيم مكرم عبيد .. والمواطنة المصرية (4-4)

وهو المدافع الجسور عن مبدأ المواطنة حتى أصبح أيقونة ورمزا عمليا للمواطنة فى تاريخ مصر المعاصر :

يقول د. مصطفي الفقي : ” إن مكرم عبيد السياسي المصري القبطي هو أكثر نموذج وطني يجسد الخروج من مأزق الطائفية ليصبح تعبيراً واضحاً عن الزعامة الشعبية بمفهومها الواسع الذي يتجاوز حدود الطائفة وكان مكرم عبيد نتاجا طبيعياً للحركة الوطنية الحديثة، وإفرازا مباشراً لريعان الوحدة الوطنية التي صنعتها الجماهير في غمار المد الوطني الذي صاحب الثورة الشعبية في (1919) . 1)

والمتتبع لحياة ومواقف وكلمات الزعيم والمناضل الوطنى مكرم عبيد يجدها تجسيدا حيا لمبدا المواطنة فى أسمى صورها :

– فقد كان رحمه الله شديد الاهتمام بإظهار احترامه لمواطنيه المسلمين :

1- بعث برقية إلى شيخ الأزهر سنة 1943م يهنئه فيها بالذكرى الألفية للأزهر الشريف جاء فيها :
” لعل أصدق ما يهنأ به الأزهر الشريف في عيده الألفي أن رسالته التي صمدت للزمان ألف سنة إن هي إلا رسالة حق لن يطويها بل سينميها تعاقب آلاف أخرى من السنين ، وإذا كان لي كمصري له عقيدته الوطنية أن أفخر بالأزهر الشريف معهدا مصريا فإن لي كرجل له عقيدته الروحية أن أشيد به معهدًا دينيًا ذلك لأن الله الذي شاء للناس أن يختلفوا على الأديان لن يسمح لهم بالاختلاف على الدين ولقد أدى الأزهر رسالة للدين وللدنيا معًا ، مدركًا قبل غيره أن العلم البشري لن يكتب له البقاء إلا إذا اقترب فيه المادة الخامدة بالروح الخالدة ” .

ويصف الأزهر الشريف قائلا :
هو معهد دينى عالمى , ولكنه مصرى !
نشأ فى تربة مصر ونما فى عبقرية مصر !
فمن لم يكن له فيه نصيب الدين , فإن له فيه نصيب مصر !
وعلى كل مصرى أن يغار عليه غيرته على كل ما يمت إلى مصر بالقلم أو بالعلم أو بالدم !

كلا على دين به هومؤمن … ولكن خذلان البلاد هو الكفر . 2)
٢- وكان يهتم بالأعياد الإسلامية ” عيد الفطر وعيد الأضحى ” ويكتب عنها وعن فلسفتها ” الصوم والتضحية” مهنئا إخوانه المسلمين بأعيادهم .
وكان فى جميع خطبه ومقالاته يدعو للوحدة الوطنية ويحذر من الفرقة والانقسام وفى ذلك يقول :

-بقيت لى كلمة أخيرة , عن تلك الدسيسة المنكرة التى يقوم بها المستعمرون فى هذه الأيام للتفريق بين المسلمين والأقباط .
يقولون أقباط ومسلمون .. كلا بل هم مصريون ومصريون
أو قولوا هم أخوة لأنهم بدين مصر مؤمنون
أو أشقاء لأن أمهم مصر وأباهم سعد زغلول .
أيقال هذا القول في مصر وعن مصر , التي علمت العالم والشرق معنى الاتحاد المقدس .

حتى أن الهنود فى ممباسا كانوا يقولون أن مصر أستاذة الهند ومثلها الأعلى فى اتحاد طوائفها
قولوا لهم سادتى :
عبثا تحاولون فصم وحدتنا , فقد جمعتنا دماء أبنائنا التى تجرى فى عروقنا , ودماء أبنائنا التى جرت فى شوارعنا .
عبث والله كل عبث , فقد اكتشفنا سر الحياة
وما اتحادنا إلا اتحاد قلوبنا ونفوسنا ومشاعرنا
ولن يفصلها فاصل بعد أن جمعها الواحد القهار . 3)

-إنى لا أعرف وأكره أن أعرف أن هناك موظفين أقباطا ومسلمين , فإن الموظفين الذين خلدت وطنيتهم وتضحياتهم فى كتاب النهضة المصرية هم الموظفون المصريون ولا أعرف سواهم ومن الحرام أن تثار مسألة قبطى ومسلم , بعد أن قبرناها وغسلنا ما خلفته من أرجاس بدماء شهدائنا الزكية .
وليعلم الناس قاطبة أن أن اتحادنا – أستغفر الله بل وحدتنا – التى أصبحت مضرب الأمثال عند أمم الشرق جميعا , قد صارت فوق متناول الألسنة بعد أن عجزت الحوادث والتجارب عن أن تنال منها مثالا , فقد كنا وسنكون جميعا مصريين لمصر . 4)

-بقيت للأمة وحدة مقدسة لم تمتد إليها يد بالرجس حتى الآن … هذا مسلم وذاك قبطى ولكن هذا مصرى وذاك مصرى .
مصر الجليلة الفتية هى هى , وقد اندمجت جميع العناصر فى عنصرها مصر الناهضة .. مصر المشرقة هى هى وقد تفتحت جميع العيون لنورها .. مصر المجيدة , مصر الشهيرة هى هى وقد تعانق أولادها الشهداء فى قبورها .
أما هذا الضعيف العاجز فخذوا دمه فدية واتركوا وحدتنا سليمة , ولئن غاظكم منه أن يكون أكثر احتراما للنبى الكريم من بعضكم وأن يرى فى رسول الله أسوة حسنة للناس يتشبهون به فى أمانته وقد بعث ليتمم مكارم الأخلاق , لئن غاظكم ذلك منه ولم يغظكم فى الواقع إلا إخلاصه لوطنه فاطلبوا إلى الله أن يهبكم شيئا من الإخلاص , وهو تعالى مصدر الإخلاص واذكروا ما جاء فى حديث قدسى : ” الإخلاص سر من أسرارى أودعته قلب من أشاء من عبادى ” .

-يعتبر التفريق بين جناحى الأمة المصرية ” نغمة شوهاء نكراء تتحرك لها عظام الشهداء فى قبورها , وتمتهن بها الأمة فى أقدس ِشعورها , ألا وهى نغمة التفريق بين أبناء الوطن الواحد , فيقولون إن هذا مسلم وذاك قبطى , ونسوا أن ما جمعه الله لا يفرقه الإنسان ”

ثم استشهد بوصية رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم للعرب على قبط مصر قائلا ” انظروا إلى هذا القول الكريم الحكيم , وقد وجه إلى العرب قبل فتح مصر وكانوا أجانب عنها .
فكم يكون الأمر بين المصريين أنفسهم وهم أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة ؟!
إنها لنغمة نكراء يمشى بها أهل السوء بين الشقيقين ولن يفلح سعى المشائين بنميم .5)

– لما كانت الوطنية من الإيمان فنحن إذن مسلمين كنا أو مسيحين إخوان فى الله الواحد المنان 6)
– اللهم لا استغلالا للحكم ولا محسوبية ولا فوضى , بل نزاهة فى الحكم وحكمة وتدبيرا .
اللهم لا تنصفنا على حساب مواطنينا ’ بل أنصف مواطنينا على حسابنا
اللهم اجعلنا نحن المسلمين لك وللوطن أنصارا , ونحن النصارى لك وللوطن مسلمين 7)

وهكذا من خلال تتبعنا السريع لحياة مناضلنا الراحل ” مكرم عبيد ” نجد أنه طبق مفهوم المواطنة عمليًا كأحسن ما يكون التطبيق .

فهو مسيحي ديانةً ومتمسك بديانته ومعتز بها كما يؤكد ذلك ، ولكنه قبل كل شئ مواطن مصري يحمل هموم هذا الوطن ولذلك مارس السياسة وانضم لحزب الوفد ، وكان بمثابة الابن والساعد الأيمن للزعيم المسلم الأزهري ” سعد زغلول ” ، وشغل منصب السكرتير العام للحزب لمدة 15 عامًا وعندما لاحظ أن الاحتلال الإنجليزي يحاول أن يستخدم الدين للتفرقة بين المصريين وقف ضد هذا المخطط الخبيث بكل ما يملك .
ولذلك صدق كاتبنا الكبير الأستاذ أحمد بهاء الدين عندما وصفه بأنه :

” الفارس الذهبي للحركة الوطنية فى مرحلتها الليبرالية “.

الهوامش :
1-انظر” الأقباط في السياسة المصرية ” رسالة دكتوراه من جامعة لندن سنة 1977 م عن السياسي البارع مكرم عبيد بقلم د. مصطفى الفقى ط2 دار الشروق 1988م .
2- انظر ” مكرم عبيد كلمات ومواقف ” منى مكرم عبيد ص 461
3-خطاب حماسى جامع فى مجموعة من الشباب فى شبرا 19-7-1923م ”

4- من حديث لمكرم عبيد فى فبراير 1928م حول الضجة التى أثيرت بدعوى المساس ببعض الموظفين الأقباط
5- من خطبة انتخابية تأييدا لمرشح الوفد فى سنتريس 1929م
6- انظر ” مكرم عبيد كلمات ومواقف ” منى مكرم عبيد ص 419
7- من خطبة له عندما خرج من السجن 1944م وعين وزيرا للمالية .

بواسطة
محمد حسينى الحلفاوى - مصر
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق