الزعيم علال الفاسى .. والنقد الذاتى (3-5)

ثانيا ) التفكير بالمثال :
1-لابد من مثال وغاية
يرى أن كل أعمالنا وأتجاهاتنا وبرامجنا ومبادئنا يجب أن تكون موجهة إلى تحقيق الإرادة الإلهية فى عمارة الأرض وإصلاحها والتآخى بين أفراد الجنس البشرى والانتفاع بما سخر لنا .
وأن الإيمان بالله : فى مقدمة الأسس التى يجب أن نستحضرها عند العزم على الهجرة إلى الغاية البعيدة وهى
” الإنسانية الصحيحة ” .
وأن البرامج هى مجرد وسائل وطرق لإدراك الغاية التى يكافح المرء من أجلها ويضحى فى سبيلها , وأن قيمة العمل الإنسانى هى بقدر قيمة الغاية التى يبذل من أجلها .
وأن الخطأ فى الاتجاه كله لا يمكن للمصادفة أن تصلح من إفساداته شيئا .

رافضا النفعية ” الواقعية النفعية ” لأنها تقضى بعدم الحكم على الشئ إلا بعد وقوعه ومشاهدة ما تستخرجه منه من فوائد وترفض كل تفكير أو تفلسف فيما لم يقع بعد ؛ لأننا نحتاج الإنسان المفكر , ورجل الفكر لا شئ يجذبه إلا المثال
وأن المثالية تعنى اعتبار كل شئ فى واقعه الأساسى .
وأنه لابد من الاعتماد على الأصول والقواعد وإلا نكون من المقلدين البوهميين الذين يقبلون الشئ وضده .. فوضى فى التفكير وفى الأعمال .
وأنه من السهل أن يصل المرء إلى توفيق بينه وبين المختلفين فى العقيدة ولكن من الصعب الإتفاق مع الذين يعارضونه دون أن يؤمنوا بفكرة ما ” دعاة الفوضى ”

ويرى أن الصين والهند : لم يكن عندهم فكرة عامة أو مثال سام ولكن نظام أو أنظمة تفرق الناس إلى طبقات وتجعل منهم المقبول والمنبوذ ” إنها تعبد روحانية البعض لجسمانية الآخرين ”
وأن النهضة الأوربية المعاصرة : جعلت برنامجها .. محصورا فى هذه الكلمة” الأنانية ” ؛ ولم تعد تبحث إلا عما يرضى حاجة الإنسان الغربى المادية فقط دونا عن حاجاته العقلية والروحية .
وبؤكد أن الآباء المؤسسين ليقظة أوربا وأمريكا لم يكونوا بعداء عن الله متجردين من مثاليته .

2-الفكر الدينى
يؤكد أن الإلحاد يؤدى إلى تقهقر وإنحلال الأمم والحضارات , وأن الدين ” المثل الأعلى الإلهى ” يؤدى إلى الاحتفاظ بحياتها وفخرها ومكانتها .
وأن الإسلام بصفة خاصة لا يمكنه إلا أن يحبذ كل ثورة تقضى على التحكم فى العقول والأشخاص باسم الدين .. لأن أول ما منعه الإسلام هو تعبيد النفوس والأرواح لأى طغيان من طغيانات الإنس والجن .
مؤكدا قيمة العقل والنظر فى القرآن والإيمان بالعقل من غير تحفظ , وأن الدين فى نظر الإسلام لا يمكن إلا أن يكون عونا للعلم .

وأن التناقض بين العلم والدين ليس معركتنا .. والسلطة فى كل الأمور إنما هى للشعب .
ثم يقول : ” إن الفكر الدينى فى الإسلام معناه الحرية الكاملة , والتفكير المطلق فى اعتداد بالمثال الأعلى ومراقبته فى كل الشؤون , وعدم الخضوع لأحد أو لجماعة تريد أن تعطى لنفسها مكان التمثيل الإلهى فى الأرض وتعبيد الخلق باسم الدين لأهوائها .

3- الفكر الإسلامى
يرى أن الإسلام قبل كل شئ ثورة عقلية وروحية واجتماعية على الوثنية العربية ونظام الأرستوقراطية .. التى كانت قريش تعبد المستضعفين من العرب لصالح أقطابها وتمويل أسرها الكبرى , ودعوة إلى تحسين المجتمع العربى وما شابهه من المجتمعات الإنسانية الأخرى عن طريق التحرر من الطغيان والإيمان بوحدة الإله والاستماع لصوت العقل والاهتداء بهدى السماء .
وأن الإسلام يقاوم كل سيطرة شأنها أن تعبد الأجسام أو الأرواح .

مؤكدا أن حروب الإسلام لم تكن إلا دفاعا عن حرية العقيدة التى نادى بها وبذلك فلم تكن مقاومة الأجنبى من مبررات وجوده , بل كان وجوده أو حرية وجوده المبرر لبعض المقاومات التى قام بها فى ظروفه التاريخية … ثم يقول ” وهذه نقطة عميقة لم أر من تنبه لها من قبل ” .
ثم يدعو للاتصال بالفكر الإنسانى فى شتى أشكاله , والتعاون الصادق مع ذوى النية الحسنة فى كل الدنيا من غير مراعاة لأصولهم ولا اتجاهاتهم ماداموا يحملون عقيدة الفطرة الصحيحة وعقيدة الفكر الحر والنظر المستقل والتآخى البشرى ونصر العدل والكفاح ضد الطغيان ولو لم يدخلوا فى الإسلام ولم يعترفوا به كدين سماوى منزل .

ويرى أن الديانة الإسلامية قابلة للتطور والسير دائما إلى الأمام وصالحة لكل الطبقات ولكل العصور ومختلف البقاع , وأن هدفها هداية الخلق وإرشادهم لا السيطرة عليهم وإرغامهم .
وأن شريعة الإسلام تركت للمسلمين حق النظر فى كل ما هو من شئون الحياة مثل شئون الدولة وأنظمتها وشكل الحكم الذى تختاره الأمة لنفسها .. على ضوء التجارب الإنسانية المختلفة .
ويؤكد أن الفكر الإسلامى يوجب على معتنقيه النظر والتبصر والاعتبار بتقلبات الزمن والبحث والمستمر عن اتجاهات الحياة .
ويرى أن الحديث النبوى : ” إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها ” يشتمل على روح صريحة وضمنية تؤذن بأن الأمة الإسلامية تخضع للتطور كغيرها من الأمم الأخرى , وتنذر بأنه لا تمر مائة عام على الأمة إلا وتكون فى حاجة لبعث جديد ويقظة ثانية , وأن ما قرره عصر سابق من أساليب لا يمكن أن يتحكم فيما يريده العصر الموالى , لأن التجديد لا يعنى دائما الترميم بل يعنى حتى الاستبدال وإن كان لا يقصد أبدا عدم المتابعة للأساس .

4-الفكر الوطنى
يرى أن التطور يقع بواسطة عاملين يشتغلان بصفة موازية فى حياة الجماعات : الأول روح الأرض , والثانى النموذج النفسى .
وهما اللذان يرسمان على وجوهنا الصفات التى تميز الأجناس والشعوب .
وأن الإسلام كانت له المرونة الكافية التى جعلته يتمشى مع سير الآلة النفسية للشعوب التى اعتنقته .
وأن الفكر الوطنى يتكون من التمسك بالأرض مع النموذج النفسى وإتحادهما مع روح العصر .
وأن الفكر الوطنى ينال مركزه فى جانب روح الوجود الإنسانى حيث يرد للمرء قيمته وكرامته ويشعره بالاحترام الذى يجب عليه .
5-الفكر المغربى
يرى أن المغرب والعرب متآخيين فى الطبيعة وفى النموذج النفسى .

ويؤكد حاجتنا للتطور قائلا: ” لنمتحن كل أمورنا ونبحث عما يجب أن يزول وما يمكن أن يبقى .. ولنا الحق فى أن نختار من المبادئ ما نشاء ولكن لابد من أن نصهرها ونكيفها بالطبيعة المغربية التى تحب الاستقلال فى كل شئ .
ثم يلفت النظر إلى أن تأثر المغرب الأقصى بالمحيط وعمقه هو السر فى بحث المغاربة دائما عن صوفية تأخذ بنفوسهم فهم لا يقتنعون بالفكرة المجردة إذا لم يصحبها تأثير روحى وقوة معنوية تجذبهم إليها وتحافظ لهم عليها .
مؤكدا أن الوطنية الصحيحة لا يمكن أن تتم إلا إذا نجحنا فى الاستمداد من الماضى والمحافظة على نموذجنا النفسى والاعتزاز بوجودنا الأرضى والاقتباس من كل ما هو صالح من الإنتاج الإنسانى والمجهود البشرى .

6- الفكر الإدارى
يلفت النظر لأهمية الإصلاح الإدارى ويحذر من إهماله .. وأن إقامة أنظمة إدارية سليمة ضرورى لإقامة حياة نيابية وديمقراطية سليمة .
مؤكدا أهمية علم الإدارة الذى هو فن معاملة المواطنين والمستوطنين ومساعدة الكل على ممارسة حقوقه وتأدية واجباته , وأن الغاية من الإدارة هو تحقيق المصلحة العامة وحدها .
ويدعو لضرورة أن تكون هناك مقاييس معقولة لاختيار الموظفين الأهالى وسلم طبعى لترقيتهم ؛ حتى يستطعوا تحمل المسئولية كاملة غير منقوصة .
ثم يلفت الانتباه لمبدأ ” حياد جهة الإدارة ” قائلا : ” يجب أن نعمل على زوال الاعتبارات السياسية فى كل الشؤون الإدارية حتى لا تكون هنالك إلا الاعتبارات التى يقررها علم الإدارة ويبيحها .

ينتقد الفقيه بن عرفه وغيره من فقهاء المالكية القائلين بجواز استعمال الجاه وأخذ المكافآت اللائقة عليه , وأن هذا من باب خضوع التفكير الفقهى خضوعا سيئا للسوسيولوجية المعاصرة عكس ما تقتضيه طبيعة الأصول العامة للأخلاق الإسلامية .
ثم ينتقد الوسط الفاسد – قبل الاستقلال – من انتشار الرشوة وكيف أن الوظائف أصبحت تباع وتشترى قائلا : ” كثيرا ما يعتبر فى هذا الوسط الحاكم النزيه فى تصرفاته رئيسا ثقيلا يفسد على مرؤوسيه وعلى الناس معهم وسائل العيش وينغص عليهم أسباب الحياة .. وتتألب قوى هؤلاء المرؤوسين مع قوى ذوى المصالح والانتهازيين لمخادعته وإغوائه بشتى الطرق الشيطانية حتى يستسلم هو لما يقتضيه العرف العام أو إلى اقصائه عن مركزه ” .
مؤكدا أن مشكلة الإدارة فى مقدمة المشاكل السياسية والاجتماعية التى يجب أن تأخذ حظا كبيرا من تفكيرنا وتوجيهما .. إننا فى حاجة إلى ثورة شاملة فى الأفكار وفى الذهنيات .
محذرا من أنه إذا أنعدم النظام العادل فى الأمة حلت محله الفوضى ولو حملت اسم النظام , والفوضى خرق كامل الاتساع لا تحد من جوانبه القوة ولا تحصره السدود وهى إذا تركزت فى بلد ما لا تنتهى إلا بالقضاء عليه وعلى من يعمره من الناس .
ثم يقول : ” كل نظام لا يقوم على العدل والحرية فهو فتنة , وكل إدارة لا تبنى على اعتبار المصلحة العامة فهى فوضى , وكل شعب لا يناضل من أجل العدل والحرية ولا يكافح لتعلو سيطرة الصالح العام فهو إلى فناء “.

7-الفكر السياسى
يؤكد أن مختلف النظريات المتعلقة بالسلطة التى تتعارض اليوم أمام عديد من العقول والضمائر تحمل كل واحدة منها جزءا من الحقيقة .
وأن الأساس الأخلاقى للسلطة هو أنها تعمل لصالح الجميع .
ولا يصح أبدا أن يتخلى فرد من أفراد الأمة عن العمل السياسى ؛ أى مراقبة السلطة وأعمالها , والذين يغيبون عن الانتخابات مثلا لأنها مظهر من مظاهر هذا الحق والواجب يعتبرون أخلاقيا مقصرين فى آداء ما فرض عليهم وبالتالى مسؤولين عما يترتب على تقصيرهم من عبث أو استغلال أو خيانة كبرى .

وأن الأمة هى صاحبة السلطة والحفيظة عليها ؛ لأن السلطة كامنة فى الأمة ومنها تصعد إلى أيدى الرؤساء وأولى الأمر .
وأن وجود العرش الكريم كاف لتكوين المحور الذى قام ويقوم عليه نظامنا القومى , لكن لابد من إعطاء العرش وصاحبه القيمة الحقيقية التى يقتضيها العهد الجديد , وإبعاد كل العوامل التى تزيل عنه صفة الاستقرار وحفظ التوازن الصحيح بين أفراد الأمة وطبقاتها وهيئاتها ؛ وذلك يستوجب قبل كل شئ النظر إلى صاحب العرش – جلالة الملك – كشخصية فوق الأحزاب وسائر الاعتبارات السياسية التى يمكن أن يتناقش فيها الرأى العام , بصفته الحارس الأمين لسير السلطة وأعمالها , ويجب أن تتكون من حوله صوفية الاستقرار الحكومى والوعى الوطنى والاستمرار الوجودى للدولة .

وينتقد كون جلالة الملك مسؤولا مباشرة أمام الشعب وكيف أن ذلك كان من أسباب الاضطرابات وكثيرا من الثورات ويرى أن الحل هو أن تتحمل الوزارة مسؤولية أعمالها
ويجب أن يكون الوزراء منفذين لشؤون الدولة باسم جلالة الملك ولكن على شرط أن يتحملوا مسؤولية ما يمضونه من أعمال أمام جلالته بصفته ولى الأمر وأمام المجالس النيابية “.
وضرورة المراقبة الشعبية لأعمال القائمين بالحكم وهذه المراقبة حق لكل مواطن ذكرا كان أو أنثى مهما كانت قيمته الثقافية ضعيفة أو عالية , ومستواه الاجتماعى رفيعا أو ضعيفا ؛ لأن التمتع بحق المواطنة كاف فى الحصول على كل ما يمكن أن يدركه المواطن من غير نظر للفوراق المذهبية أو العنصرية أو الاجتماعية .

ويرى أن عامى التفكير أعضاء أيضا فى الجماعة ولبنة فى البناء العام لكيان الأمة , كما أنهم قادرون على اختيار من ينوب عنهم قدرتهم على التعبير عن آرائهم فى الشؤون المعروضة عليهم , والمسألة ليست مسألة علم واختصاص وإنما هى مسألة الذوق السليم والنية الحسنة والوجدان الأخلاقى .
داعيا لضرورة العدول عن العادة المفسدة ” عادة عدم المبالاة بأمور الأمة ” .
ويؤكد على ضرورة إعطاء المرأة كامل حقوقها وفى مقدمتها حق الانتخاب والتصويت .
وأن الدين الإسلامى يعطيها ذلك ؛ فقد كان النساء يبدين آراءهن فى عهد الرسول عليه السلام .

ويدعو لاقتباس فكرة رقابة الناخبين على ممثليهم بكيفية أو بأخرى من النظام السوفيتى ؛ لأن الغرض الأساسى هو امتلاك الأمة لزمام قادتها ومسيرى أمورها .. فيمكن أن يقع بطريق عريضة ممضاة من ناخبى فرد ما أن يطلبوا مناقشته فى فكرة يبديها أو عمل قام به أو عرضه على لجنة تأديبية برلمانية يمكنها أن تحكم باقصائه عن كرسى النيابة وتطلب من الناخبين إعادة اختيار من يمثلهم , إن ذلك – فى رأيه الخاص – خير وسيلة لمنع النواب من الخضوع لسيطرة الشركات وتفضيل مصالح الأفراد أو الهيئات على مصالح الأمة كلها .
مؤكدا على ضرورة المرونة الشديدة فى التفكير السياسى لأن مسائله كلها قابلة للتطور والتبدل .
8- الفكر الحزبى
يؤكد أن الشعب المغربى شعب روحى , وأنه لا يحيى بغير صوفية المبدأ ويدعو لاعطائه كامل الحرية .

مؤكدا أن فصل السلطات ليس ابتكارا غربيا كما يزعمون فقد عرفه الإسلام منذ عهد أبى بكر حين كلف عمر بالقضاء , ووسعه الفاروق يوم عين فى الآفاق قضاة مختصين وأسند إليهم كل ما يتعلق بالحكم بين الناس بناء على رسالته لأبى موسى الأشعرى التى تعتبر الميثاق الأول القضائى فى الإسلام .
ويرى أن نموذج الأحزاب المغربية وسط بين الشدة والمرونة , حيث إن أعضاء الأحزاب المغربية مسموح لهم بنوع من الاستقلال فى دائرة المبادئ العامة للحزب .. وأن هذا هو المناسب للطبيعة التحررية التى تصطبغ بها الحركة المغربية .

9- الفكر القضائى
يرى أن استقلال القضاء هو أن لا يكون لغير القانون عليه سلطان وعدم عزل القاضى بمجرد شهوة بعض المراقبين أو رغبة بعض الحاكمين ويكون للقاضى من ميزانية الدولة ما يصلح أحواله .
ويدعو لحق الموظفين فى إقامة الدعاوى بدون انتظار إذن من المراجع العليا .
داعيا لتوحيد القضاء فى البلاد ” المحاكم والقوانين ” وينتقد المحاكم العرفية المفروضة على قسم كبير من البلاد المغربية .
وأن اعتبار الأعراف قانونا هو أعظم خطر اجتماعى أصاب أمتنا.

ويطالب بإصلاح مواطن الضعف فى المحاكم والقيام بحملة فكرية وصحافية لتنبيه النفوس لضرورة الكفاح من أجل العدل وأسبابه فى البلاد .
مطالبا بأن يملأ حب العدل قلوبنا بقدر ما تمتلئ بحبنا للحرية , لأن القانون والحرية هما عماد العدل , أسباب المساواة بين الناس ولنكن جديرين بتراث الأسلاف الذين عاشوا وماتوا من أجل العدل والحرية .

وأن مصلحة الوطن تقضى بوضع قانون مغربى عام يطبق فى سائر المحاكم المغربية وعلى جميع الساكنين فى البلاد وتكون مصادره الأساسية الشريعة الاسلامية والأعمال المغربية مع الاستعانة بالقانون الفرنسى والأجنبى فيما يقبل الإندراج تحت الأصول العامة للفقه الاسلامى .
وإننا بذلك سنضع فى بلدنا القانون الذى ينطبق على مصالحنا الوقتية ولا يتنافى مع ديننا ولا مع مقتضيات منتهى حدود التقدمية العصرية لأرقى الشعوب .
ويؤكد أن التاريخ يدل على أن مذهب الإمام مالك بصفة خاصة كان من أهم المصادر التى استقى منها القانون الفرنسى فى عصره الأول وحتى فى عصره الأخير
وأنهما يتفقان فى 90% من الأحكام .
ويهاجم التحاكم لأعراف تعتبر المرأة المغربية متاعا يباع ويشترى ويورث ولا يرث .

ثالثا ) الفكر الاقتصادى :
يرى أن الكون يخضع لتعاقب الظواهر لا لتزاحمها .. وهذا بدوره يعنى أن تبدل العصور والأزمان يؤدى لا محالة لتبدل الأحوال فى الأمم والشعوب , وهذا التبدل لا يقع عن طريق المصادفة ولكنه خاضع لنواميس التفاعل الاجتماعى الخاضع هو أيضا لأحوال الأفراد والأجواء وما يتعاقب عليها من تغيير .
وأن التاريخ هو فى الحقيقة نظام وهذا النظام ليس إلا الحياة الاجتماعية بما فيها من متابعة وتقدم وتطور ونزول ونشوء وارتقاء وغير ذلك من مظاهر المد والجذر الطبعى والإنسانى والعقلى .

ويرى أن ابن خلدون سبق كارل ماركس وفيكو فكان أول مؤسس للمدرسة الاقتصادية فى تفسير التاريخ حيث جعل الترف من عوامل الإنحلال الرئيسية فى الدولة وقرر فى مقدمته أهمية العوامل الاقتصادية فى تسيير الحالة الاجتماعية التى هى نظام الجماعة أو التاريخ .. ولكن الفرق بينه وبين ماركس هو أن ابن خلدون لا يقصر التفسير التاريخى على الاقتصاد وحده كما يفعل ماركس بل يعتبره فقط من أهم العوامل وأبرزها وضوحا لأنه لا ينسى وجود عوامل وبواعث أخرى كالباعث السياسى والعامل الدينى والوازع الطبعى .. وكثير من العوامل النفسية مثل وازع التسلط وحسب الاستئثار بالنفوذ .

مؤكدا أن ضياع الفكر الحر والوجدان الصحيح هو الخطر الحقيقى على الدولة .
ويثمن ويعترف بقيمة الكفاح الذى قام به الاشتراكيون من أجل تنوير الطبقات الضعيفة بحاجتها للتكتل من أجل العدالة الاجتماعية .. والتفكير بالغير والعمل على إزالة الفوارق بين الإنسان وأخيه الإنسان .. متفقا مع الاشتراكيين فى الغاية .

يؤكد أهمية الوازع الجهازى ” القانون ” الذى يمنع كل وسائل العبث بالحقوق وتسخير شئون الدولة ومنظمات المجتمع لصالح الأفراد ليكون من أهم العوامل فى تسيير الكون وصنع التاريخ .
وينتقد الرأسمالية التى تستحل كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة وتستعمل أساليب المكر والخداع والسرقة والغش والتدليس وأصبح المال فى نظر هؤلاء غاية تستحل من أجلها كل الوسائل وقست قلوبهم فلم تعد لهم رأفة على ضعيف ولا رحمة لمسكين ولا اهتمام بصالح عام .. ولا تهتم بغير المال ولا تعتمد على غير الأرقام ويخان من أجلها الدين والوطن ويباع فى سبيله الضمير والروح والعقل وكل شئ غال .
وأن فكرة القتال من أجل الأسواق هى مصدر الفكرة الاستعمارية الغربية .

ويرى أن الرأسمالية المتضخمة هى آفة هذا العصر .
يشبه الفوضويين بالخوارج اللاحكوميين فى أول الإسلام .
مؤكدا أن المبدأ الإسلامى يشرك الناس فى التشريع بإعطائهم الحق فى الفهم والتأويل لمصادر الدين .
وينتقد زعم أحمد أمين وادعاءه أن الصحابى الجليل أبى ذر الغفارى رضى الله عنه أخذ آراءه الاقتصادية من عبد الله ابن سبأ اليهودى المشهور .

ويرى أن المال وسيلة لا غاية
ويرى أنه إذا لم تكف الزكاة فللدولة المسلمة أن تفرض ضرائب أخرى على الأغنياء للقيام بشؤون الفقراء وقد أفتى بذلك الشيخ ” المالكى ” والإمام ” الشاطبى ” وغيرهما
وأن العدالة الاجتماعية تأخذ من طبيعة الإسلام وذهنية الفقهاء فى العصور الإسلامية المكان اللائق بها ولنا نحن أن ندرس أسلوب التوزيع على طريقة تتفق ووسائل العصر
ويصف المحتكرين بالطفيليات التى تمتص الخيرات دون جد ولا عمل .. وأن الاحتكار جريمة اجتماعية خطيرة يخرج صاحبها من حظيرة الإنسانية إلى اللعنة والمقت الإلهيين
ويرى تطور الأحكام الشرعية فى المعاملات تبعا لتطور الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية ” اختلاف أحكام الفقهاء فى التسعير نموذجا ” .

ثم تحدث عن فلسفة الميراث فى الإسلام وعلاقتها بالتوازن الاقتصادى .
مؤكدا أن غايتنا الأولى والأخيرة هى تحرير الإنسان – سائر أفراد الإنسان – من الاستعباد الاقتصادى .
وأن الأنظمة الاقتصادية لا يمكن أن تكون دائمة وهى خاضعة للتطور .

ويدعو لتأميم جميع المؤسسات ذات الصبغة العمومية والمرافق العامة وفرض الضرائب التصاعدية وتشريع التعاون الزراعى والقروض الزراعية واستخراج الثروات من باطن الأرض ومن الأنهار والبحار وتشجيع التعليم المهنى وأن يكون للعامل نسبة من أرباح الأعمال الكبيرة .

بواسطة
محمد حسينى الحلفاوى - مصر
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق