جنائز معلقة
لازالت المعتقدات السائدة ترى أن كل ما يدب على الأرض فهو حي، وأن الحياة هي كل شيء، وأن عقارب الساعة التي تسير بانتظام بخط متساوٍ ماهي إلا إشارة لوقت قد مضى.
كل ما في الكون يشير الى نهاية غير منطقية أو تكاد تكون هدرا للمنفعة الإنسانية، فنحن نتكاسل عن إجراء مسح ضوئي لأفكارنا تلك، علّنا نصحح بعضا من مفاهيمنا اللاهوتية، ذلك أن هناك من يربط ظهور الجن بأوقات متأخرة من الليل، فتراهم يتهافتون لتشغيل الإنارة كي تشع عليهم أنوار الحياة، وتختفي تلك الأجساد الشاحبة مع أظافرها التي تحدث على جسدك علامة ‘إكس”.
إن نصف عاداتنا التي نتوارثها مجهولة المصدر، وليس لها تفسير منطقي غير أنها أخِذت من شخص أسدت له الحياة معروفا، أو كان يتمتع بسذاجة عالية الجودة، فلا الليل مسكن الجن ولا الحياة بتلك الحرفية. ثم إننا إذا كنا نظن أن الجن وحده يستطيع الحراك ليلا، فأجسادنا تتحرك ألف مرة في الثانية الواحدة. ولاشك أنني قد لاحظت الندوب التي تظهر على جسد الميت ما أن يمضي على موته بعض الوقت، فالأموات تتحرك أجسادهم بطريقة غريبة أحيانا، لدرجة تجعلنا نصعق من هول المنظر! وفي هذا الإطار، أتذكر أنني شاهدت ميتا يأكل بجواري البارحة، حتى أنه حدثني عن موطنه الجديد. فتلك الأجساد المرصوفة مع بعض تهتف أحيانا بأصوات لو سمعتها ستموت واقفا.
أول أمس، رأيت أحدهم يحفر قبورا تتسع للكثيرين حتى أن عددهم لا يحصى، لكنهم أحياء مثلنا.. ثم يخرج، هو، من القطيع بصورة مرعبه جدا، يستدير ثم يهتف: أنت اتبعني أنا حي لكنني ميت ! كيف لا أعي ذلك؟ ولا سبيل للخلاص. الجنائز المعلقة بنخلة عالية يتدلى التمر منها، مع جسد وسيل من الدماء، أحدهم يأكل بشراهة والآخر ينظر عاليا، والحكيم يقرأ قصته المعهودة، وعندما يطرق الباب تفتح الأشلاء الباب، وتضمك مع الرفاة في مغامرة.. إنها أشبه بحفلة للشواء، لكنها بجسد عار، يا لها من أمسية يشدو بها جسدك نشيدا وطنيا ! وترقص بعمود فقري كسرت إحدى فقراته، إن مصدر شقاء الإنسان أفكاره وتصديقه لما يجعل منه جنازة معلقة بكف من حديد …!