العصبة المؤمنة .. والفهم المغلوط (3-3)

ثالثا : آثار المفهوم المنحوت والمبتكر على الأمة الإسلامية
اجتماعيا
1- تمزيق روابط الدم والأرض بدعوى إنها روابط جاهلية .
إن دعاة النظرية المغلوطة ” العصبة المؤمنة ” يعتبرون جميع روابط الدم والنسب والقرابة والأرض وغيرها من الروابط الإنسانية الفطرية روابط جاهلية يجب ويتحتم على أعضاء العصبة المؤمنة التبرؤ منها وعدم الاعتراف بها .
يقول سيد قطب :
” جاء – الإسلام – ليقرر أن هناك وشيجة واحدة تربط الناس فى الله , فإذا انبتت هذه الوشيجة فلا صلة ولا مودة … بهذه النصاعة الكاملة وبهذا الجزم القاطع جاء الإسلام ليرفع الإنسان ويخلصه من وشائج الأرض والطين , ومن وشائج اللحم والدم – وهى من وشائج الأرض والطين – فلا وطن للمسلم إلا الذى تقام فيه شريعة الله , فتقوم الروابط بينه وبين سكانه على أساس الارتباط فى الله , ولا جنسية للمسلم إلا عقيدته التى تجعله عضوا فى ” الأمة المسلمة ” فى ” دار الإسلام ” , ولا قرابة للمسلم إلا تلك التى تنبثق من العقيدة فى الله ….. وتفترق العشيرة الواحدة , ويفترق البيت الواحد , حين تفترق العقيدة ” 1)
وهذه الفكرة المغلوطة التى تقطع جميع الروابط الفطرية تقول بها جماعات الإسلام السياسى التى خرجت من عباءة جماعة الإخوان مثل التكفير والهجرة والناجون من النار والجماعة الإسلامية والجهاد والقاعدة وداعش وغيرها .
وغنى عن البيان أن هذه فكرة خبيثة هدفها خلع وقطع عضو الجماعة عن أى رابطة أخرى غير رابطة الجماعة والتنظيم حتى يسهل السيطرة عليه وتوجيهه كيفما يشاء الأمير .
والقرآن الكريم والسنة النبوية والفقه الإسلامى يعترف ويقدر روابط الدم والنسب والعشيرة والقبيلة والوطن والقوم .
حتى لو جاهد الأبوان الابن على الشرك بالله وجب عليه معاملتهما بالمعروف بنص القرآن .
وكذلك الرابطة الفطرية حب الوطن .. يريدون من أتباعهم الانسلاخ عن أوطانهم واعتبار الوطنية ” طاغوتا ” , حتى يصبح الأتباع ألعوبة فى أيديهم وأيدى مموليهم .
2- محاربة عادات وتقاليد الشعوب بدعوى إنها منكرات جاهلية :
لكل شعب من الشعوب عاداته وتقاليده التى يتميز بها وهذا لا يخالف الإسلام طالما هذه العادات والتقاليد لا تخالف نصا صريحا وطالما هى فى دائرة العفو
والأصل فى الأشياء الإباحة ولا تحريم إلا بنص .
ولكن جماعات الإسلام السياسى تريد أن يصبح العالم نسخة واحدة – منها – بناء على فهمهم للدين رغم أن تعدد الشعوب والقبائل آية من آيات الله الكونية وذلك بنص القرآن .
وبناء على ذلك نجدهم فى أدبياتهم يريدون أن يصبح البشر نسخة واحدة فى العادات والتقاليد والأزياء وغير ذلك .
ونجد أتباعهم يخالفون عرف بلدانهم فى الزى مثلا ويلبسون أزياء شعوب أخرى بدعوى أن هذا هو الزى الإسلامى !!
يقول حسن البنا :
” إن غاية الإخوان تنحصر فى تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح … وأن وسيلتهم فى ذلك تنحصر فى تغيير العرف العام وتربية أنصار الدعوة على هذه التعاليم … قد يطلب إلينا أن نخالف عادات ومألوفات , وأن نخرج على نظم وأوضاع ألفها الناس وتعارفوا عليها , وليست الدعوة فى حقيقة أمرها إلا خروجا على المألوفات وتغييرا للعادات والأوضاع .. فهل أنتم مستعدون لذلك أيها الإخوان ؟ ” 2)
ويقول سيد قطب :
” نحن اليوم فى جاهلية كالجاهلية التى عاصرها الإسلام أو أظلم , كل ما حولنا جاهلية , تصورات الناس وعقائدهم , عاداتهم وتقاليدهم , موارد ثقافتهم , فنونهم وآدابهم , شرائعهم وقوانينهم !! ” 3)

3- الحروب الدينية والطائفية والمذهبية بين مكونات الوطن الواحد :
طبقا لنظرية ” العصبة مؤمنة ” فأنه يجب عليها الإنقلاب المسلح على الأنظمة والحكومات للوصول للحكم فور امتلاكها القوة من حيث العدد والعتاد .
وفى سبيل تحقيق هذه الغاية يتم تكفير الحكام واعتبارهم مرتدين مستحلين دمائهم , معتبرين الوطن ” دار حرب ” يباح فيها القتل والاغتيال واستحلال الدماء والأموال والأعراض .
وفقه جماعات الإسلام السياسى مع أصحاب الأديان الأخرى هو فقه صدامى استعلائى يحرم على أصحاب الأديان الأخرى بناء دور للعبادة وترميم ما تهدم منها بل يحرمون عليهم مجرد إلقاء السلام والتبسم فى وجوهم ويشترطون عليهم شروطا نسبوها زورا وبهتانا للإسلام والقرآن والسنة الصحيحة وفقه الأئمة المعتبرين برآء منها .
وطبعا أصحاب الآديان الأخرى من مواطنى الدولة لن يرضوا بإهدار حقوقهم الدينية والسياسية كمواطنين وبشر يضمن الإعلان العالمى لحقوق الإنسان حقوقهم الطبيعية والسياسية والدينية وسيتخذون رد فعل للدفاع عن حقوقهم وتستعر عندئذ الحروب الطائفية بين أصحاب الأديان فى الوطن الواحد .
وفقه جماعات الإسلام السياسى لا يعترف بالتعددية المذهبية والفقهية داخل الدين الإسلامى وكثير منهم يكفرون الشيعة والمعتزلة والإباضية ولا يعترفون بحقوقهم كمواطنين .
وإذا وضعنا فى الاعتبار أن الدول العربية والإسلامية بها مذاهب وطوائف وأديان عديدة .. لذلك فى حالة وصول هذه الجماعات للحكم فى الدول العربية ستقوم حروب مذهبية يكون الخاسر فيها الجميع .
وداخل المذهب السنى يكفر السلفيين الجدد الصوفية ويبدعون الأشاعرة معتبرين أنفسهم ” الفرقة الناجية ” وغيرهم مبتدع ضال ومن الفرق النارية وتكون النتيجة حروب مذهبية داخل الوطن الواحد

نفسيا
1- العزلة الشعورية
يجب على ” العصبة المؤمنة ” أن تعتزل المجتمع ” الجاهلى ” شعوريا على الرغم من تعاملها الظاهرى مع هذا المجتمع .
يقول سيد قطب :
” لا نجاة للعصبة المؤمنة فى كل أرض من أن يقع عليها هذا العذاب ” أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض ” إلا بأن تنفصل هذه العصبة عقيديا وشعوريا ومنهج حياة عن أهل الجاهلية من قومها – حتى يأذن الله لها بقيام دار الإسلام تعتصم بها – وإلا أن تشعر شعورا كاملا بأنها هى ” الأمة المسلمة ” وأن ما حولها ومن حولها ممن لم يدخلوا فيما دخلت فيه , جاهلية وأهل جاهلية , وأن تفاصل قومها على العقيدة والمنهج وأن تطلب بعد ذلك من الله أن يفتح بينهخا وبين قومها بالحق وهو خير الفاتحين ” 4)
أى أن العصبة المؤمنة تتعايش مع مجتمعاتها بأجسادها فقط , أما عقولها وقلوبها ومشاعرها فهى خارج هذه المجتمعات , لأنها مجتمعات كافرة فى نظرها.
2- الاستعلاء بالإيمان
يقول سيد قطب موضحا مفهوم الاستعلاء بالإيمان :
” إنه يمثل الحالة الدائمة التى ينبغى أن يكون عليها شعور المؤمن وتصوره وتقديره للأشياء والأحداث والقيم والأشخاص سواء .
إنه يمثل حالة الاستعلاء التى يجب أن تستقر عليها نفس المؤمن إزاء كل شئ وكل وضع , وكل قيمة , وكل أحد ” 5)
الاستعلاء الذى ينظر من عل إلى القوى الطاغية , والقيم السائدة , والتصورات الشائعة , والاعتبارات والأوضاع والتقاليد والعادات , والجماهير المتجمعة على الضلال ” 6)
” إن المؤمن هو الأعلى , الأعلى سندا ومصدرا , فما تكون الأرض كلها ؟ وما يكون الناس ؟ وما تكون القيم السائدة فى الأرض ؟ والاعتبارات الشائعة عند الناس ؟ … وهو الأعلى تصورا للقيم والموازين التى توزن بها الحياة والأحداث والأشياء والأشخاص … وهو الأعلى ضميرا وشعورا , وخلقا وسلوكا .. وهو الأعلى شريعة ونظاما , إن الناس كلهم يموتون أما هو فيستشهد !! ” 7)
هل المؤمنون دورهم فى الحياة هداية البشر بالحكمة والموعظة الحسنة أم التكبر والاستعلاء على البشر ؟!!!
ألم يبعث الله سبحانه وتعالى من هو أفضل من ( سيد قطب وجماعته ) إلى
( فرعون ) وهو كافر أصلى طالبا من سيدنا ( موسى وأخيه هارون ) أن يقولا له قولا لينا .. لم يقل لهما ( استعلا عليه فهو كافر ) .
بل إن القرآن الكريم ملئ بالآيات التي تحارب ” الكبر والاستعلاء ” مثل ” كلا إن الإنسان ليطغى , أن رآه استغنى ” ويكفى أن الله سبحانه وتعالى يبغض الكبر وأهله ” أنه لا يحب المستكبرين ” .

3- مفاصلة المجتمع :
وهى صيغة مفاعلة المقصود بها مباينة ومفارقة المجتمع والانفصال عنه جسديا والقطيعة مع أفراده واعتزال مؤسساته حتى مساجده , لا مجرد الاعتزال الشعورى
وطبقا لنظرية ” العصبة المؤمنة ” فإن الواجب عليها الانفصال التام مع المجتمع الجاهلى تأهبا واستعدادا للخروج المسلح عليه وذلك عند القدرة .
سياسيا
1- عدم الاعتراف بالدستور والقانون .
إن منظرى نظرية ” العصبة المؤمنة ” لا يعترفون بالدساتير الحديثة ولا قوانين دولهم .. إذ يعتبرون الدستور ” طاغوتا ” يعبد من دون الله .
ويعتبرون القوانين من شرك الحاكمية
حتى أن حسن البنا جعل من واجبات الأخ المجاهد فى رسالة التعاليم :
” أن يقاطع المحاكم الأهلية ” 8)
وهذا أحد دعاة الإسلام السياسى يقول : ” كل من دعا إلى التصويت على هذا الدستور والإقرار به أو بإقرار بعض بنوده أو إقامة مجالس نيابية أو مقاعد برلمانية أو أحزاب سياسية أو مقاعد رئاسية …. هذا خائن لدين الله عز وجل , هذا خائن لمنهج الأنبياء والرسل , هذا خائن لمنهج السلف الصالح رضوان الله عليهم الذى قام على البراءة من الكفر وقام أيضا على الجهاد فى سبيل الله إن استطعت .
أما المجالس النيابية والإنتخابات فهذه لغات رخيصة يأثم كل من يدعو إليه أو يشارك فيه أو يقر به , يأثم كل من لم يتبرأ من كل هذه الدساتير …. فلا يحل لمسلم , لمؤمن يؤمن بالله عز وجل ويؤمن بكتابه ويؤمن بهدى النبى صلى الله عليه وسلم , أن يتحاكم إلى ذلك الدستور أو أن يقره أو أن يصوت عليه بالموافقه أو الإقرار أو أن ينضوى تحت مظلته أو أن يقسم عليه أو أن يقسم على المحافظة عليه ” 9)
2- عدم الاعتراف بالحكام الوطنيين .
ولاء ” العصبة المؤمنة ” يكون لأمير الجماعة فقط سواء سمى مرشدا أو أميرا
ويبايع أعضاء الجماعة الأمير على السمع والطاعة فى المنشط والمكره
ولا تعترف ” العصبة المؤمنة ” بالحكام الوطنيين وتعتبرهم حكاما غير شرعيين لا يطبقون شرع الله ولا تجب طاعتهم وتعتبرهم ” طاغوتا ” يجب تكفيرهم والخروج عليهم .
3- الخروج المسلح على الأنظمة والحكومات .
جميع تيارات الإسلام السياسى متفقة على وجوب الخروج المسلح والإنقلاب على الحكام الوطنيين عند القدرة .
يقول حسن البنا :
( وفى الوقت الذى يكون منكم معشر الإخوان المسلمين ثلاثمائة كتيبة , قد جهزت كل منها روحيا بالإيمان والعقيدة وفكريا بالعلم والثقافة وجسميا بالتدريب والرياضة , فى هذا الوقت طالبونى بأن أخوض بكم لجج البحار وأقتحم بكم عنان السماء وأغزو بكم كل عنيد جبار , فإنى فاعل إن شاء الله وصدق رسول الله القائل ” ولن يلغب اثنا عشر ألفا من قلة ” ) 10)

4- تفكيك مؤسسات الدولة وأركانها .
إن الدارس لكتابات دعاة الإسلام السياسى وواقعهم العملى يعرف أن هدفهم هو كرسى الحكم وفى سبيل الوصول لهذا الهدف يجب محاربة الجيوش
الوطنية وأجهزة الأمن الداخلى وكذا أجهزة المعلومات , لأنها تعتبرها العقبة الكؤود فى سبيل تنفيذ خطتها .
وتقوم هذه الجماعات أيضا بمحاولة هدم كل مؤسسات الدولة الوطنية , لنشر الفوضى والوثوب للحكم .
5- تفتيت وتقسيم الدولة الوطنية .
دعاة الإسلام السياسى لا يعترفون بالأوطان ويعتبرونها مجرد حفنة من تراب عفن , لذلك ليس لهم ولاء للأوطان العربية .
وعلى أتم استعداد للمشاركة مع القوى المعادية لتقسيم هذه الأوطان بشرط الحصول على قطعة أرض يحكمونها والواقع خير شاهد على ذلك .
6- الإرهاب .
إن سجل جماعات الإسلام السياسى ملئ بالاغتيالات للمعارضين لها ,
بل نجدهم يبررون قتل الأبرياء تحت دعاوى مغلوطة مثل التترس وخلافه
وما أن تحل هذه الجماعات بقطر إلا ويأتى معها الإرهاب الذى يبدأ بفتاوى ثم تكفير ثم قتل وإرهاب .

الخلاصة :
1- نظرية العصبة المؤمنة مفهوم مغلوط دخيل على الفكر الإسلامى الأصيل المنضبط بالقرآن الكريم والسنة المطهرة .
2- هذه النظرية المغلوطة متواترة فى كتابات دعاة الإسلام السياسى على أنها مسلمة من المسلمات على مدار ما يقرب من مائة عام .
3- هذه النظرية ترتبت عليها كوارث كثيرة فكريا وعمليا .
4- هذه النظرية موجودة فى الحركات والمذاهب الهدامة مثل ” الخوارج , الحشاشين , النازية , الفاشية , الماركسية , الصهيونية ” وحسن البنا اقتبسها منها , والثابت أن مكتبة حسن البنا كانت تحتوى على كتب كثيرة حول هذه الحركات وكان مغرما بهتلر وموسولينى وبأسلوب عملها .
لذلك يجب :
1- نشر الوعى بين شباب الأمة بخطأ وخطورة هذه النظرية وما يترتب عليها
2- تفعيل القانون الذى يمنع تأسيس جماعات على أساس دينى أو طائفى أو عرقى .. ولكنه لا ينفذ للأسف لمواءمات سياسية .
3- التفرقة بين هذه الجماعات وبين الجمعيات الخيرية المرخصة قانونا وتشرف عليها أجهزة الدولة وتقدم الخير لمواطنيها بدون أهداف سياسية أو طائفية
4- عدم إجراء صفقات مع هذه الجماعات تحت أى مبرر, لأن هذا يجعلها وكأنها ند للدولة .
5- اعتبار مكافحة الفكر المتطرف قرار استراتيجى وليس تكتيكى أو مرحلى .

الهوامش :
1- معالم فى الطريق ص 136 , 138 , 142
2- رسالة المؤتمر الخامس ص 134
3- معالم فى الطريق ص 18,17
4- فى ظلال القرآن ج 2 ص 1125
5- معالم فى الطريق ص 163
6- معالم فى الطريق ص 165
7- معالم فى الطريق ص 165 , 166
8- مجموعة رسائل حسن البنا ص 223.
9- حس زبادى .. قناة الحكمة – يوتيوب
10- رسالة المؤتمر الخامس ص 268

بواسطة
محمد حسينى الحلفاوى -مصر
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق