الشَّهادَة والشهداء
قال تعالى:”مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا” (24) الأحزاب
وقال:”وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) آل عمران
شُّهَداء ارتَفَعوا بأرواحِهم إلى الله – جلَّ جلالُه – وفازُوا برِضوانه، نحسدهم، نَغبِطهم على ما حصَلُوا عليه من نَعِيمٍ وعَدَهم به الله – جلَّ جلالُه.
فأيُّ نعيمٍ بعدَ هذا النَّعِيم؟ أحياء وليسوا أمواتًا، يُرزَقون ورزقُهم من الله؛ ومن ثَمَّ فهم فرِحُون بما أَعطاهم الله، ويستَبشِرون بإخوانهم القادِمين عليهم؛ وذلك لحبِّهم إنزالَهم هذه المنزلة التي أنزَلَهم الله، فلا حزن بل استِبشار وفضل ونعيم، كيف وهي جنَّة الخلد التي هي دار الله وهم ضيوفه، ليَجِدُوا ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلب بشَر.
ويقول – تعالى – مُؤكِّدًا هذه الآيات، وناهِيًا الذين يَصِفونهم بالأموات:” وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ” البقرة 154
إنَّ أرواح الشُّهَداء كما جاء في “صحيح مسلم” في حَواصِل طيور خضر، تَسرَح في الجنَّة حيث شاءتْ ثم تَأوِي إلى قَنادِيل معلَّقة تحت العرْش، فاطَّلع عليهم ربك إطلاعةً فقال: ماذا تَبغُون؟ فقالوا: يا ربنا، وأي شيء نَبغِي وقد أعطَيتَنا ما لم تُعطِ أحدًا من خَلقِك؟! ثم عاد عليهم بمثْل هذا، فلمَّا رأَوْا أنهم لا يتركون من أنْ يسألوا قالوا: نُرِيد أن تردَّنا إلى الدار الدنيا فنُقاتِل في سبيلك حتى نُقتَل فيك مرَّةً أخرى؛ لما يرَوْن من ثَواب الشَّهادة، فيقول الربُّ – جلَّ جلالُه -: “إنِّي كتبتُ أنهم إليها لا يرجعون”.
وعن أنسٍ: إنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: “ما من نفسٍ تموت لها عند الله خيرٌ يَسُرُّها أنْ تَرجِع إلى الدنيا إلا الشهيد؛ فإنَّه يسرُّه أن يَرجِع إلى الدنيا فيُقتَل مرَّة أخرى؛ ممَّا يرى من فضْل الشهادة”
وقد ثبَت في الصحيحين وغيرهما أنَّ أبا جابرٍ – وهو عبدالله بن عمرو بن حَرامٍ الأنصاري – قُتِل يوم أحدٍ شهيدًا، فقال جابر – كما روى الإمام البخاري -: لمَّا قُتِل أبي جعلتُ أبكي وأكشف الثوب عن وجهه، فجعَل أصحاب رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – ينهوني والنبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – لم ينهَ، فقال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: “لا تَبكِه – أو: ما تَبكِيه – ما زالت الملائكة تُظِلُّه بأجنحتها حتى رُفِع”
وقال سعيد بن جبير: لمَّا دخَل الشهداء الجنَّةَ ورأَوْا ما فيها من الكَرامَة قالوا: يا ليت إخوانَنا الذين في الدنيا يَعلَمون ما عَرَفناه من الكَرامَة، فإذا شهِدُوا القِتالَ باشَرُوها بأنفُسِهم حتى يستشهدوا فيُصِيبوا ما أصابَنا من الخير.
وكما أكرَمَهم الله في القرآن الكريم وفي مَقاعِدهم بعدَ الشَّهادة، فقد أكرَمَهم النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – في هذه الأحاديث إضافةً إلى أنَّه – عليه الصلاة والسلام – لم يغسلهم حيث قال في شُهَداء أحد: “زمّلوهم بكُلُومهم ودِمائهم؛ فإنهم يُبعَثون يومَ القيامة وأوداجهم تَشخَبُ دمًا، اللون لون الدم والرِّيح رِيح المسك” .
قال النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: “مَن قُتِل دون مالِه فهو شهيدٌ، ومَن قُتِل دون أهله فهو شهيدٌ، ومَن قُتِل دون دمه فهو شهيدٌ، ومَن قُتِل دون دينه فهو شهيد”.(1)
فمَن دافَع عن أهله أو دمه أو دينه أو ماله ثم قُتِل، فهو شهيدٌ قد حصل على هذا النعيم الخالد والحياة الأبديَّة والرفقة الحسنة، ولا نحزن عليهم، بل نُهنِّئُهم وندعو أن يكتبنا الله منهم، ونعمَل في سبيل ذلك ما استَطَعنا.
إنَّ كلَّ ما كان يحرص عليه الشهيد هو أنْ يكون خروجُه من الدنيا في سبيل الله، وهو لذلك فَرِح مسرور، ولا سيَّما حينما تزفُّ بُشرى استشهاده إلى إخوانه الباقين في الصفوف الأماميَّة إلى جانب غبطته الكبرى التي يَسعى لها، وهو الاجتِماع بالشهداء الذين سبقوه إلى ساحة الخلود من بابٍ واسعٍ، لا يدخله إلا الشهيد المقاتل الذي عاف أنْ يموتَ كما يموت البعير أو العجوز على فراشها على حدِّ تعبير أحد القادة، إنَّ الشهيدَ المقاتل في مفهوم الإسلام هو الذي يقاتل في سبيل الله ولإسعاد مجتمعه، يرى الجبن عارًا، والفرار من الزحف كفرًا – إنْ لَم يحقِّق بدمه العَدالة الاجتماعية.
إنَّ القتال في سبيل الله عبادة من أشرف العبادات في الإسلام، له أهداف وقواعد وأحكام يَلتزم بها المسلم؛ ليكونَ في شرف استقبال الشهادة – إنْ أَذِن الله له بها، وليس الأمر في نظر القرآن دعوة إلى الحرب والقتال، ولا إلى الارتماء في أحضان الموت، ولا استعراضًا للبراعة في استعمال الأسلحة؛ ليعرفَ مَن هو الغالب والمغلوب، فلقد أمرَ الله بعدم التعرُّض لِمَن سالَم المؤمنين؛ قال الله – تعالى -: “فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا ” النساء 90
عمرو بن الجموح يَطلب من النبي – صلى الله عليه وسلم – في المعركة أنْ يدعو الله له بأن يرزقَه الشهادة في سبيل الله، وإلى جانب الشهادة طلَب من رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – أن يدعو له أيضًا بأنْ تَصْحبَه عرجةُ قَدَمِه في الجنة، ويستجيب الله دعاءَ الرسول الذي قاله للصحابة بعد المعركة: “إنَّ الشهيد عمرو يتبخْتر بعرجته في الجنة”
الشهيد خيثمة أبو سعيد يقول للنبي – صلى الله عليه وسلم – وهو في طريقه إلى غزوة أُحد: يا رسول الله، إمَّا أنْ يُظهرنا الله عليهم، أو تكون الأخرى، وهي الشهادة التي أخطأَتْني في غزوة بدر، فلقد بلَغ من حِرْصي عليها يا رسول الله أنِّي استهمتُ أنا وابني في الخروج إلى معركة بدر؛ ليبقى أحدُنا يعولُ الأهل، وخرَج السهم له وذهَب إلى القتال في بدر، ورزَقه الله الشهادة، وقد رأيتُ ابني البارحة في النوم وهو يقول لي: الْحِقْ بنا يا أبتِ، ورافقني في الجنة؛ فقد وجدتُ ما وعَدني ربِّي حقًّا، وهكذا يستمرُّ في حديثه وهو يبكي بين يدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يَطلب منه الإذن والدعاء له بالاستشهاد ثم يَختم قوله: لقد أصبحتُ مشتاقًا إلى مرافقة ابني وإخوانه من الشهداء، كما أحببتُ لقاءَ الله؛ فادعُ الله لي بالشهادة يا رسول الله.
قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم :”-الشَّهادَةُ سَبْعٌ سِوى القَتلِ في سبِيلِ الله المَطعُونُ شَهيدٌ والمَبطُون شَهيدٌ والغَرقُ شَهيدٌ وصَاحبُ الهَدْم شَهيد وصاحبُ ذاتِ الجَنْبِ شَهيد وصَاحِبُ الحَرْق شَهيد والمرأةُ تمُوتُ بجُمْع شَهيدة “رواه النسائي
تمرُّ السنون والاحتلال الصهيوني البغيض قابع ومتربص لشعبنا الفلسطيني البطل الذي نفض غبار الذل والعار ولم يتقبل في يوم من الايام اي هزيمة،فهو شعب مقاوم عنيد يتحدى المجرمين القتلة بكل ما أوتي من قوّة فهو رمز البطولة والتضحية والاستشهاد.