ثورة التفاهة
عرفت السنوات الأخيرة، أو بالأحرى العصر الحديث، تطورا رهيبا على المستوى التكنولوجي عامة، ولعل الوجه الدائم الممتد منذ زمن بعيد عرف هو الآخر تطورا رهيبا، ليس على المستوى التقني وإنما على المستوى الكيفي، كيف أصبح الانترنت الآن ؟ كيف أصبح استعماله ؟ هل هو خطر أم لا ؟ هل التواصل الرهيب والتفاعل يشتركان في شيء ؟
بالنظر إلى الوضع الذي نعيشه الآن، مهما طرحنا من أسئلة سنجدها متفرعة وغير كافية، لأن كل امتداد يقابل بامتداد يوازيه أو يفوقه، لكن سنكتفي بالطريقة التي يستعمل بها الانترنت الآن، وكذلك التفاعل الناتج عنه، والأهم من ذلك، المحتوى، ما الذي قدم للعامة ؟ ما الاستفادة أو الهدف ؟
الانترنت في عصرنا الحالي فاق جميع التوقعات، فمثلما كان التلفاز في أحد الأوقات غريب الوجود في البيت، وقليل الوجود عند العامة، هكذا الانترنت، الآن غالبية الناس تعمل بالإنترنت، وأصبح شيئا عاديا مثله مثل التلفاز، لكن ما نغفله هو طريقة العمل، طريقة الاستخدام، وهذا من طباع أغلبية الناس، الاستخدام دون معرفة، دون توجيهات أو إرشادات، وذلك يؤدي إلى مشاكل عقيمة أحيانا، بل غالبا، وذلك راجع لسوء الاستخدام، ولكل حدث فعل، أيا كانت النتيجة.
الانترنت بحر شاسع، والمستخدم شبيه بالصياد، بإمكانه أن يصطاد أثمن الأسماك، وبإمكانه أيضا سحب قطعة خردة، هذا بدون طمس جانب الأدوات، من يصطاد على يخت ليس كمن يصطاد على صفيحة خشب، والأهم المكان، هل المكان مناسب أم لا ؟
هذا ما لا يطرحه المستعمل عند الاستخدام، فمستخدم الانترنت بإمكانه أن يعيش حياة مثالية قائمة على نتاج الانترنت الذي استعمله أو استثمره بشكل جيد، وليس بالضرورة أن تكون المعرفة مطلقة، لأنها محال، ولكن أن تكون خير من ألا تكون. أما بالنسبة للخطر فهو موجود، لكن القوة تكمن في كيفية تفاديه، كل منا مر بلحظات خطيرة، لكن الأنسب والأصح، العمل على تفاديها، وأهم شيء أن يكون الانسان متجاوز ومتسامح، وهذا لا يحثه على النسيان، ولتكن العبرة من الماضي صالحة للمستقبل.
التواصل الآن عبر المواقع الاجتماعية المعروفة أصبح شائعا، والخطير في ذلك أن كل من لديه انترنت يستطيع إدخال تلك البرامج وتثبيتها دون معرفتها بشكل معمق وفهم حيثياتها وجوانب استخدامها من عدمها، لكن المتضرر الأول هو المتلقي أو المتابع أو المشترك، ومثال على ذلك ما نشاهده من فيديوهات قبيحة على الفايسبوك بشكل متزايد، كبؤرة متحورة، فيديوهات في قمة التفاهة، الخبل أصبح شائعا، والأسوأ من ذلك، أن له متابعين ومعجبين، وكثيرين، وأبسط مثال أو تجربة، أن ينشر أحدهم صورة أو إحداهن، تنشر لها صورة شخصية تظهر فيها مفاتنها، تجد آلاف المعجبين، آلاف المتفاعلين، في حين لو نشر أحدهم بيت شعر أو قصيدة لأبو ماضي أو محمود درويش أو الأخطل الصغير وغيرهم، أو حتى فكرة ذات منفعة، أي شيء أدبي أو علمي، فني، أي شيء، ستجد التفاعلات لا تتجاوز العشرة أشخاص أو المائة كأكثر حد، وهنا لا أتحدث عن كبار الأدباء ممن لهم صفحات عامة أو شخصية كبيرة، وهم أنفسهم لم يصلوا لذلك الكم من المتابعين إلا بمشقة تحمل في طياتها العديد من العوامل المساعدة، لكن موضوعنا هو الرؤية الواضحة لما وصلت إليه شعوبنا، وأكثرهم ترديا، الشعب العربي أو الشباب العربي الضائع.
الشباب العربي تائه وسط بحر من التفاهة، صناعها هدفهم واحد، المال فقط، ومنهم من له أهداف خسيسة غرضها تخريب العقل وتدميره، ولأن الشباب الأكثر استعمالا لهذه البرامج والمواقع، يسهل جذبهم، يسهل تحطيمهم، وما إن تم ذلك سنبكي على مستقبل مجهول لكنه في أنفسنا معلوم، والدلائل كثيرة فأسهل الأمور أن يأخذ شخص عاقل جولة بسيطة في الفايسبوك أو غيره من البرامج أو المواقع العديدة، وسيفهم جيدا ما أرمي إليه. والأغرب في ذلك غياب الرقابة، من المسؤول ؟ سؤال يستحق منا الجواب.
أنا أقولها دائما، متى غابت الرقابة كثرت التفاهة، وللإعلام دور كبير في هذا، لأن تسليط الضوء واجب توجيهه بشكل مدروس جيدا، بشكل أخلاقي يخدم مصلحة جوهرية منزهة عن أي غايات خبيثة خبيئة.