الدكتور منير القادري يجلي ثمرات ذكر الله عند الحق و مع الخلق
أهمية ذكر الله وفضله، وإبراز مكانته ومحوريته في التربية، وتجليات ثمراته والآثار الإيجابية التي يحدثها سواء على مستوى الفرد أو المجتمع، وضرورة ترسيخ الجانب الروحي -الأخلاقي في وجدان الناشئة وعقولهم، محاور تناولها الدكتور ضمن مداخلته السبت 5 من الشهر الجاري، في الليلة الرقمية الرابعة والتسعين ضمن فعاليات ليالي الوصال الرقمية التي تنظمها مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بتعاون مع مؤسسة الجمال.
استهلها رئيس مؤسسة الملتقى ببيان أهمية الاشتغال بالله ذكرا وطاعة وعبادة، مستشهدا بقوله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (البقرة/ 152)، موردا بعض أقوال التابعين والعلماء في تفسير هذه الآية، منها قول الحسن البصري: “فاذكروني فيما افترضت عليكم، أذكركم فيما أوجبت لكم على نفسي”، كما استشهد بمجموعة من النصوص القرآنية والاحاديث النبوية في فضل ذكر الله عز وجل، منها قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري:(مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ ).
وفي ذات السياق أورد القادري مجموعة من أقوال العلماء في فضل الذكر منها قول ابن القيم رحمه الله “والذِّكْرُ مَنشُورُ الوِلايَةِ الَّذِي مِن أُعْطِيَهُ اتَّصَلَ ومَن مُنِعَهُ عُزِلَ، وهو قُوتُ قُلُوبِ القَوْمِ الَّذِي مَتى فارَقَها صارَتِ الأجْسادُ لَها قُبُورًا، وعِمارَةُ دِيارِهِمُ الَّتِي إذا تَعَطَّلَتْ عَنْهُ صارَتْ بُورًا، وهو سِلاحُهُمُ الَّذِي يُقاتِلُونَ بِهِ قُطّاعَ الطَّرِيقِ، وماؤُهُمُ الَّذِي يُطْفِئُونَ بِهِ التِهابَ الطَّرِيقِ ودَواءُ أسْقامِهِمُ الَّذِي مَتى فارَقَهُمُ انْتَكَسَتْ مِنهُمُ القُلُوبُ، والسَّبَبُ الواصِلُ والعَلاقَةُ الَّتِي كانَتْ بَيْنَهم وبَيْنَ عَلّامِ الغُيُوبِ”.
ولفت الى أن أولياء الله فطنوا وتيقَّنوا أن ذِكْرهم لله هو مصدر قوتهم، وأن حاجة أرواحهم للزاد الروحي أحوج من حاجة أجسادهم للغذاء، فقلوبهم معلَّقة بالله، وألسنتهم تلهج بذكر الله، موردا قول يحيى بن معاذ: “يا غفول يا جهول، لو سمعت صرير الأقلام في اللوح المحفوظ وهي تكتب اسمك عند ذكرك مولاك لمِتَّ شوقًا إليه” .
وأضاف أن الصوفية جعلوا الذكر العمدة في الطريق والرُّكن الركين في السير والسلوك، والأساس المتين في التخلية والتحلية والترقي، وجميع الخصال المحمودة عندهم راجعة إلى الذكر ومنشؤها عن الذكر؛ موردا في هذا الصدد مجموعة من أقوال أعلام التصوف، منها قول ابن عجيبة: “واعلم أن الذكر أقرب الطرق الموصلة إلى الله تعالى، إذا كان بشيخ كامل”.
وبين أن طريق مجاهدة النفس كتجربة روحية حية تمكن الفرد المشتغل بعيوبه الراغب في اصلاح نفسه ونفع محيطه انطلاقا من المعاني الروحية التي تمده بها تجربة ذكر الله تعالى، من أن يصير مواطنا صالحا نافعا منتجا في مختلف مناحي الحياة مسهما في بناء أسس المواطنة الكاملة.
وأردف أن بذكر الله تسمو روحانية العبد، فيطهر قلبه ويحيا، وبحياته يحيا المجتمع، فيفوز الفرد بالله، وتفوز الأمة بالخيرية والوسطية والشهادة على العالمين، وتابع أن ذكر الله يقيم التوازن بين مطالب الروح والجسد ويلقي في النفس البشرية قوة تتضاءل أمامها هموم الحياة.
وأبرز رئيس المركز الاورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم أن ذكر الله عامل من عوامل الاصلاح الاجتماعي، ومحاربة الفساد، والانحطاط، وأنه يعود بأفضل النتائج الاصلاحية على حياة المجتمع والدولة، واستطرد أن التربية على الذكر تزرع في النفس يقظة الضمير بدوام الاتصال بالله والخوف من معصيته، والحياء من مخالفته، وتربّي في النفس الرغبة في التوبة والاقبال على الصلاح والاستقامة، وتحمل مشاعر الحبّ بأوسع صيغها الاجتماعية الشاملة ليتجسّد سلوكاً وعملاً تحيا الانسانية في ظلاله آمنة مطمئنة .
ونوه الى أن التربية الصوفية لدى الطرق الصوفية الأصيلة تعطي لنفس المؤمن توازنها وعافيتها وترشدها سبلها لحسن القيام بتكاليفها مع الإقبال على الطيبات من الرزق بلا إسراف ومغالاة، فهو مؤمن ينشد سعادة الدارين الدنيا والآخرة، وتابع قائلا ” أهمية الصحبة تتجلى في قوله تعالى ” الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ”(الفرقان :59). و قوله عز وجل ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ”(التوبة :119 )”.
واختتم مداخلته بالتأكيد على أن التصوف كان ولا يزال من أهم ثوابت الأمة المغربية وركائزها الروحية، وأن الكتابة عن التصوف مقام الإحسان وعن رجالاته وتخليد آثارهم، هو زيادة في ترسيخ الجانب الروحي الأخلاقي في وجدان المغاربة وعقولهم، ورسالة مباشرة للخلَف بضرورة الاهتمام برموزهم وأعلامهم، ومحاولة التأسي بهم وبمناقبهم وعلمهم وعملهم و الاهتمام بهذا الرأسمال اللامادي القيمي.