الدكتور منير القادري يبرز علاقة التربية على مكارم الأخلاق بالمواطنة الحقة

بين الدكتور منير القادري مقتضيات المواطنة الحقة من حيث الالتزامات أو الحقوق، مبينا أهمية الشعور الوطني، وأبرز تجليات حب الوطن، وتابع “حب هذا الوطن يتجلى في نشر الخير والنفع والمحبة بين أفراده، وتحقيق العدل فيه ويظهر في المحافظة على أمنه واستقراره والدفاع عنه، وَطَنٌ يسمو بروح التسامح والأخوة بين جميع أبناءه، و نبذ أسباب الفرقة والخلاف والتمزق، إنها مظاهر إقامة الإنسان لمكارم الأخلاق في واقع حياته وسلوكه ومعاملاته؛ وحيثما وُجِد هذا الإنسان المحسن وجدت المعاملة بالحسنى، وجدت التنمية وجد الإزدهار وحيثما غاب هذا الإنسان الباني غابت كل معاني الحضارة والرقي والإنسانية”.

جاء ذلك خلال مشاركته مساء السبت التاسع من الشهر الجاري في الليلة الرقمية التاسعة والتسعين، المنظمة من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بتعاون مع مؤسسة الجمال ضمن فعاليات ليالي الوصال الرقمية ” ذكر وفكر”، وتمحورت كلمته حول موضوع ” المواطنة الحقة : حسن التربية على مكارم الأخلاق و اعتزاز بالوطن” .

وأكد القادري أن التربية على مكارم الأخلاق تهدف إلى تشكيل هذا الإنسان السباق للخير والعمل الصالح، المعتز بوطنيته وثوابت هويته الوطنية و الدينية؛ يتحقق فيه قوله تعالى في محكم تنزيله: ” كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ” ( سورة آل عمران الآية 110) .

وأورد في هذا الصدد مقتطفا من الخطاب الملكي السامي لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله، بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية لسنة 2014 : “وكواحد من المغاربة، فإن أغلى إحساس عندي في حياتي هو اعتزازي بمغربيتي …

وأنتم أيضا ، يجب أن تعبروا عن هذا الاعتزاز بالوطن، وأن تجسدوه كل يوم، وفي كل لحظة، في عملكم وتعاملكم، وفي خطاباتكم، وفي بيوتكم، وفي القيام بمسؤولياتكم…

إن هذا الاعتزاز بالانتماء للمغرب هو شعور وطني صادق ينبغي أن يحس به جميع المغاربة ….

إنه شعور لا يباع ولا يشترى، ولا يسقط من السماء. بل هو إحساس نبيل، نابع من القلب، عماده حسن التربية، على حب الوطن وعلى مكارم الأخلاق. إنه إحساس يكبر مع المواطن، ويعمق إيمانه وارتباطه بوطنه”.

وقال القادري “هذا ما يمثله جلالته نصره الله من نموذج راقي في الوطنية الصادقة ونبراس أعلى يحتذى به في حب الوطن وصيانة مصالح الوطن والعباد، فإمارة المؤمنين كانت دائما أساس استقرار هذا الوطن ووحدته والضامن لثوابته الوطنية والدينية”.

وأوضح رئيس مؤسسة الملتقى أنه إذا عَرف كل إنسان مسؤولياته، وواجباته انتظمت الحياة في المجتمع و عمت الخيرية جميع مكوناته، وحذر من انه إذا قُدمت المصالح الخاصة على المصالح العامة، يكون الفساد الأخلاقي بكل معانيه، وأردف أن علماء الأمة اجمعوا على انه في حال تعارضت المصلحة العامة مع الخاصة فإن ”المصلحة العامة مقدمة“.

وأضاف أن المحافظة على المصالح العامة، وعدم تقديم المصلحة الخاصة عليها واجب ديني، ووطني، وأنه لا وطنية صادقة من غير أخلاق فاضلة، وأنه لا مراعاة للمصالح العامة بدون تربية روحية أخلاقية خالصة لوجه الله، موردا مجموعة من الاحاديث النبوية وأقوال العلماء منها قول ابن عطاء الله السكندري: “الأعمال صور قائمة وأرواحها وجود سر الإخلاص فيها “.

وبين أن أداء العبادات والمواظبة على ذكر الله والطاعات هو عودة مستمرة إلى طلب الكمالات وتطهير القلب، ومجاهدة وتزكية النفس بأنانيتها وانحرافاتها، وأن هذا يتطلب أن يكون هذا الضمير حيا مُؤَسَّساً على مفهوم حب الخير لجميع الخلق وتقديم المصلحة العامة والأخوة الإنسانية.

واستطرد شارحا أنه ضمير يتم بناؤه في مؤسسات التنشئة الاجتماعية انطلاقا من الأسرة والمدرسة و المسجد وصولا إلى مدارس التربية الروحية الأخلاقية، وان الغاية من ذلك تكوين الشباب بتهذيب نفوسهم، ووقايتها من الانحلال الخلقي، وتكوين وعيهم الديني و حسهم الوطني على نحو سليم، يدفع عنهم ضعف الوازع الديني والخلقي، وانعدام حس المسؤولية والاستهتار بمستقبل الوطن واستغلال خيراته بعيدا عن كل توظيف أو استخدام لهذا الثابت في أغراض و مقاصد مصلحية كل على حسب هواه، موردا القول المشهور “التصوف كله أخلاق، و من زاد عليك بالأخلاق زاد عليك بالتصوف” .

و أضاف أن الطريقة القادرية البودشيشية كباقي الطرق الصوفية الأصيلة واعية بأهمية واجبها الوطني المنوط بها “المتمثل في تربية مريديها تربية روحية صوفية سنية تزرع فيهم الأخلاق الفاضلة وأسس المواطنة الخالصة وتبعث فيهم روح التضحية والبدل والعطاء في سبيل الوطن والتشبث بثوابت هويتهم الوطنية والدينية، وتوجيههم ليكونوا منتجين لقيم الخير والنفع وقيم الوسطية و الاعتدال و السلم والسلام، متحلين بروح المسؤولية و الالتزام و الرغبة الصادقة في خدمة الصالح العام و المصلحة العليا للوطن و نفع العباد و تفعيل قيم المواطنة الحقة من أجل جني ثمارها، وذلك بتطوير منظومة التعليم وبناء الأسرة المستقرة ودعم التلاحم الوطني، وتحفيز وتمنيع الشباب، وإنجاح أوراش دعم دولة الحق والقانون، وإبراز معالم التضامن الاجتماعي وحماية الوحدة الترابية للوطن”.

وشدد على أنه يجب أن تعلو المصلحة الوطنية فوق كل الطموحات الشخصية والفئوية، والحزبية و الايدولوجية بعيدا عن الفتن و الحسابات الضيقة، معتبرا إياها مواقف مرفوضة بكل المعاير الدينية والأخلاقية والوطنية في سياق وطني يتطلع فيه جلالة الملك محمد السادس نصره الله إلى النهضة والتقدم .

واستطرد “خصوصا أننا أصبحنا نواجه تحديات وطنية و عالمية تستوجب منا مراجعة أدوارنا ومسؤولياتنا المطلوبة منا تجاه وطننا، و خدمته بإخلاص و تباث دون تقاعس في القيام بالواجب و المسؤوليات و التعاون و التآزر، فنحن في سفينة وطنية واحدة، وأي خرق في تلك السفينة، أو تقاعس في حمايتها، سيؤدي إلى خسارة الجميع”.

واختتم مداخلته بالتأكيد على الحاجة الماسة إلى استغلال المخزون القيمي والاخلاقي لثابت التصوف – مقام الإحسان – بصفته فن صناعة الرجال ، هؤلاء الذين يستخدمون كفاءاتهم خدمة لوطنهم وملكهم وللمشروع التنموي الجديد .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق