المهندس عماد سعد يبرز الاشعاع الدولي للإمارات في الريادة البيئية باستخدام الطاقات المتجددة

عماد سعد:
- الإمارات أعادت تعريف مفهوم “قوة الطاقة” من كونه مجرد عامل اقتصادي إلى كونه محورًا دبلوماسيًا وإنسانيًا بالغ التأثير، وأداة لتحقيق الأمان الإنساني والاستدامة العالمية.
- الريادة الإماراتية تقدم درسًا مهمًا في كيفية الجمع بين الطموح الوطني والمسؤولية العالمية من أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
- تجربة الإمارات نموذج مُلهم لدول العالم الساعية إلى الجمع بين الطموح الوطني والمسؤولية الدولية.
أصدرت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية سنة 2023 تقريرهما المشترك الأول لتعزيز فهم موارد الطاقة المتجددة وعلاقتها المتشابكة بتقلب وتغير المناخ، ووفق التقرير فإن مصادر الطاقة المتجددة تهيمن الآن على المصادر الجديدة لإمدادات الطاقة.
وأوضح التقرير أنه في عام 2022 وحده، استأثرت مصادر الطاقة المتجددة بنسبة 83% من القدرات الجديدة. وجاء في التقرير أن مثل هذه الزيادة مهمة لتحقيق نظم طاقة خالية من الكربون بحلول عام 2050، جنباً إلى جنب مع تحقيق انخفاض حاد وحاسم في استهلاك الوقود الأحفوري.
وفي خضم هذا السياق المتسم بتصاعد التحديات البيئية التي تواجه العالم، والآثار الوخيمة للتغير المناخي، التي لم تعد تستثني أي دولة، برزت الإمارات العربية المتحدة كقوة عالمية رائدة ونموذج فريد في توظيف الطاقة المتجددة كأداة فاعلة في تعزيز القوة الناعمة للدولة، تجمع بين الابتكار التكنولوجي، والدبلوماسية البيئية، والالتزام الإنساني بمكافحة تغير المناخ.
نستضيف في هذا الحوار خبير الاستدامة والتغير المناخي المهندس عماد سعد ، مدير موقع شبكة بيئة ابوظبي، لنستكشف معه التوجهات التي تعتمدها دولة الامارات في البيئة على الصعيد الوطني والدولي، ونحاول التعرف على أبرز المبادرات العالمية التي رعتها ومدى مساهمتها في الحفاظ على الموروث البيئي العالمي .
مهندس عماد: كيف تفاعلت الامارات مع اثار التغير المناخي، وماهي خطتها للحد من التدهور البيئي
لقد أدركت الإمارات مبكرًا أن الأزمة البيئية العالمية تتطلب مقاربات تتجاوز حدود السياسات الوطنية الضيقة، وأن العمل المناخي الناجح ينبغي أن يكون عالميًا، عادلًا، وشاملًا.
فمن خلال الجمع بين الرؤية الاستراتيجية، والاستثمار المكثف في تكنولوجيا الطاقة النظيفة، والانخراط الفعال في المبادرات الأممية، استطاعت الإمارات أن تعزز موقعها العالمي ليس فقط كمركز إقليمي للطاقة، بل أيضًا كقوة دبلوماسية ناعمة تروج للاستقرار البيئي والعدالة المناخية.
وعليه، أسست الإمارات نموذجًا فريدًا يرتكز على استخدام الطاقة المتجددة ليس فقط كمصدر بديل للطاقة، بل كأداة استراتيجية لتحقيق التنمية المستدامة، ونشر الاستقرار، وتعزيز السلام الإنساني عبر دبلوماسية بيئية نشطة بالتعاون مع المنظمات الاقليمية والدولية ذات العلاقة.
على ذكر الطاقة المتجددة، ما هي اهم المبادرات التي تبنتها دولة الامارات في هذا المجال، وكيف تقيمون ثمارها؟
تقوم الرؤية الاستراتيجية لدولة الإمارات في مجال الطاقة المتجددة على نقطتين أساسيتين، اولا التخطيط المبكر والطموح الوطني، فقد بدأت الإمارات في تطوير استراتيجيات للطاقة النظيفة في مرحلة مبكرة مقارنة بدول المنطقة. حيث أطلقت “رؤية الإمارات 2021” ثم “مئوية الإمارات 2071″، وكلاهما أدرج التحول نحو الاقتصاد الأخضر والطاقة النظيفة كأولوية وطنية.
ومن أبرز مبادراتها استراتيجية الإمارات للطاقة 2050 التي تهدف إلى تحقيق توازن بين إنتاج الطاقة وخفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 70%.، وزيادة مساهمة الطاقة النظيفة إلى 50% من مزيج الطاقة الوطني بحلول عام 2050.
ثانيا: تأسيس كيانات متخصصة في الطاقة المتجددة، حيث أنشأت الإمارات مؤسسات رائدة مثل مصدر (شركة أبوظبي لطاقة المستقبل)، التي أصبحت منصة عالمية لتطوير مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ومجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في دبي، والذي يعد واحدًا من أكبر مشروعات الطاقة الشمسية على مستوى العالم.
إذا علمنا أن كسب التحدي البيئي وتقليص آثار التغير المناخي يقتضي التزاما وتعاونا دوليا، فهل لهذه المبادرات الإماراتية اشعاع دولي؟
سؤال وجيه، من المهم تسليط الضوء على المجهودات التي قامت بها دولة الامارات على المستوى الدولي، نذكر على سبيل المثال لا الحصر المبادرات التالية:
أولا: استضافة المقر الرئيسي للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)
نجحت الإمارات في استضافة مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا) في أبوظبي عام 2009، وهو أول مقر لمنظمة دولية كبرى في منطقة الشرق الأوسط. هذا الفوز يعكس التقدير العالمي لدور الإمارات في تعزيز الحوار البيئي العالمي، ويعد ركيزة محورية لدبلوماسيتها البيئية.
ثانيا: الريادة الدولية من خلال مؤتمرات ومبادرات عالمية
استضافت الإمارات مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP28 عام 2023، في حدث شكل نقطة تحول بارزة. حيث دعت دولة الإمارات العربية المتحدة خلال المؤتمر إلى تحقيق انتقال عادل ومنصف للطاقة. وأطلقت “الميثاق العالمي للطاقة المتجددة” بالتعاون مع دول صناعية ونامية على حد سواء. وضاعفت التزامات التمويل المناخي للدول النامية، مع التركيز على مشروعات الطاقة النظيفة.
ومن أبرز المبادرات التي قادتها الإمارات هي مبادرة “الطاقة من أجل السلام” التي تروج لاستخدام الطاقة المتجددة كوسيلة لإحلال السلم وإعادة الإعمار في الدول الخارجة من نزاعات. ومبادرة “التحالف العالمي للطاقة النظيفة” الذي يسعى إلى تعزيز التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص لتسريع الانتقال العالمي نحو الطاقة المتجددة.
ثالثا: الأبعاد الجيوسياسية والاقتصادية للدبلوماسية البيئية الإماراتية
اعتمدت الإمارات على الطاقة المتجددة كركيزة لتقليل الاعتماد على النفط، مما عزز استقرارها الاقتصادي وجعلها أقل عرضة لتقلبات أسعار الوقود الأحفوري.
كما قامت الدولة ببناء تحالفات دولية جديدة من خلال مشاريع الطاقة النظيفة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، بنت الإمارات شبكة واسعة من العلاقات السياسية والاقتصادية، مما عزز نفوذها الجيوسياسي العالمي في ظل النظام البيئي الجديد.
وبغية تعزيز الصورة الدولية والمسؤولية المناخية، تبني الإمارات لمبادئ التنمية المستدامة ومبادرات العمل الإنساني البيئي رسّخ صورتها كقائد مسؤول عالميًا، وهو ما ينعكس في المؤشرات الدولية مثل تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي وبرامج الأمم المتحدة.
رابعا: أفضل الممارسات والمبادرات العالمية للدبلوماسية البيئية الإماراتية
لقد قدمت الإمارات سلسلة من أفضل الممارسات والمبادرات العالمية التي أكدت التزامها الإنساني البيئي، نذكر منها:
- الابتكار في تحلية المياه بالطاقة الشمسية
في ظل أزمة المياه العالمية، استثمرت الإمارات في حلول لتحلية المياه باستخدام الطاقة المتجددة. أطلقت مشاريع في الصومال وجيبوتي لتحلية مياه البحر اعتمادًا على الطاقة الشمسية، مما وفر مياه شرب نظيفة لآلاف السكان وخفف من الضغوط البيئية المرتبطة بالمياه (UAE Water Aid, 2023). - قيادة الجهود الدولية عبر المؤتمرات والاتفاقيات
لقد كانت استضافة الإمارات لمؤتمر الأطراف COP28 لحظة محورية عززت مكانتها كوسيط دولي موثوق في قضايا المناخ. خلال المؤتمر، أطلقت الإمارات “الميثاق العالمي للطاقة المتجددة” والذي يهدف إلى مضاعفة قدرة الطاقة المتجددة عالميًا ثلاث مرات بحلول 2030، وهو ما اعتبره خبراء الأمم المتحدة تحولًا نوعيًا في مسار العمل المناخي (UNFCCC, 2024). - الشراكات مع القطاع الخاص لتسريع الانتقال الأخضر
اعتمدت الإمارات نموذجًا ناجحًا في دمج القطاع الخاص ضمن جهود الطاقة المتجددة. فقد شجعت الشركات الوطنية، مثل “مصدر” و”طاقة” و”بترول أبوظبي الوطنية” (أدنوك)، على الاستثمار في تقنيات الطاقة النظيفة، سواء داخل الدولة أو خارجها. كما أطلقت برامج لدعم الابتكار، مثل “برنامج الابتكار في الطاقة النظيفة”، والذي مول أكثر من 50 مشروعًا بحثيًا في مجالات تخزين الطاقة، والطاقة الهيدروجينية، والشبكات الذكية (Masdar Innovation Program, 2023). - تعزيز التعليم وبناء القدرات البشرية
تؤمن الإمارات بأن التنمية المستدامة لا تكتمل دون الاستثمار في بناء القدرات البشرية. لهذا السبب، أنشأت مؤسسات تعليمية متخصصة مثل “معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا”، الذي أصبح مركزًا إقليميًا للبحث العلمي المتقدم في مجالات الطاقة المتجددة والاستدامة البيئية (Masdar Institute, 2022).
ماهي أهم المساهمات الاماراتية في المجال الانساني على المستوى العالمي؟
لقد تبنت دولة الامارات العربية المتحدة ما يسمى بالدبلوماسية الإنسانية البيئية كأداة قوة ناعمة، ترتكز على ربط المساعدات الإنسانية بالطاقة النظيفة، فقد اتبعت الدولة نهجًا مبتكرًا بربط مساعداتها الإنسانية بتوفير حلول طاقة متجددة للمجتمعات النامية والمتضررة من الكوارث، عبر تنفيذ مشاريع طاقة شمسية صغيرة لدعم اللاجئين في مخيمات عدد من مخيمات اللجوء الإنساني في كل من المملكة الأردنية الهاشمية والجمهورية اليمنية. ومبادرة ما بعد 2020 والتي تأتي امتداداً واستكمالاً لمبادرة “20 في 2020” التي ساهمت في تحسين الظروف المعيشية لـ 110 آلاف شخص في مناطق من الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا، لتوفير حلول مستدامة لمليون شخص في عشرين دولة نامية. بالإضافة الى دعم مشروعات لتحلية المياه باستخدام الطاقة الشمسية في أفريقيا.
- دعم المجتمعات الفقيرة بالطاقة النظيفة
في أفريقيا، نفذت الإمارات عشرات المشاريع لتوفير حلول الطاقة الشمسية للمناطق الريفية، منها مشروع “محطة الطاقة الشمسية” في موريتانيا بقدرة 15 ميغاواط، والذي وفر الكهرباء النظيفة لعشرات الآلاف، وخفض الانبعاثات الكربونية بنحو 23 ألف طن سنويًا (IRENA, 2022).، وفي جزر المحيط الهادئ، دعمت الإمارات من خلال “صندوق الشراكة مع دول جزر المحيط الهادئ” بناء محطات طاقة متجددة في 11 دولة، مما عزز قدرة هذه الدول على التكيف مع تحديات تغيّر المناخ (Masdar Report, 2022). - دعم اللاجئين والمجتمعات المتضررة
بالتعاون مع الوكالات الأممية، موّلت الإمارات مشاريع لإمداد مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن بأنظمة الطاقة الشمسية، مما خفض اعتماد المخيمات على مولدات الديزل المكلفة والملوثة، وسمح بتوفير طاقة مستدامة للمدارس والمراكز الصحية (UNHCR, 2023).، كما أطلقت الإمارات مبادرة رائدة لتزويد مخيمات النازحين في اليمن بوحدات طاقة شمسية منزلية ساعدت آلاف العائلات على الحصول على كهرباء نظيفة ومستدامة.
- مبادرات التمويل المناخي المستدام
أعلنت الإمارات عن ضخ أكثر من 4.5 مليار دولار لتمويل مشاريع الطاقة النظيفة في أفريقيا حتى عام 2030، مع التركيز على بناء محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، خاصة في دول مثل كينيا، إثيوبيا، وزامبيا (COP28 UAE Presidency, 2023).، كما ساهمت الإمارات في تأسيس “صندوق تمويل الطاقة النظيفة” بالشراكة مع مؤسسات دولية لتقديم قروض ميسرة للمشاريع الخضراء في الدول النامية (World Bank Group, 2024).
في ختام هذا الحوار الرصين، مهندس عماد، كيف تلخص مرتكزات النموذج الاماراتي في التعامل مع التحديات المناخية؟
تشير كل هذه الإنجازات التي ذكرناها سابقا إلى أن نموذج الإمارات يقوم على مقاربة شاملة للعمل المناخي، تستند إلى مبادئ:
1. التكامل بين التنمية الاقتصادية والعمل البيئي.
2. اعتبار الطاقة المتجددة أداة للسلام والاستقرار.
3. ترسيخ الشراكات الدولية لضمان انتقال عادل للطاقة.
4. المساهمة الفعالة في سد فجوة التمويل المناخي العالمي.
5. جميع المشاريع تمولها أو تدعمها مباشرة كيانات إماراتية مثل: مصدر، صندوق أبوظبي للتنمية، وزارة الخارجية الإماراتية، شركة أبوظبي لطاقة المستقبل.
6. الإمارات لم تكتفِ بالدعم المالي، بل وفرت الخبرات الفنية وإدارة المشاريع بالتعاون مع المنظمات الدولية.
7. هناك تركيز واضح على ربط العمل الإنساني بتحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، خصوصا الهدف السابع (طاقة نظيفة وبأسعار معقولة).
كلمة أخيرة مهندس عماد
أخيراً يمكن القول بكل ثقة بأن تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال الدبلوماسية الإنسانية البيئية عبر الطاقة المتجددة تمثل نموذجًا ملهمًا لدول المنطقة والعالم، حيث برهنت على أن العمل المناخي يمكن أن يكون أداة فعالة لتحقيق السلام والتنمية الشاملة وبناء النفوذ الدولي المستدام.
بقيادة رؤية استراتيجية جريئة، واستثمارات ضخمة، وشراكات دولية ذكية، أعادت الإمارات تعريف مفهوم “قوة الطاقة” من كونه مجرد عامل اقتصادي إلى كونه محورًا دبلوماسيًا وإنسانيًا بالغ التأثير.
وفي عالم يتجه بسرعة نحو التحول الأخضر، فإن الريادة الإماراتية تقدم درسًا مهمًا في كيفية الجمع بين الطموح الوطني والمسؤولية العالمية من أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
إن استمرارية هذا النهج، إلى جانب استثمارات الإمارات المستقبلية في مجالات مثل الهيدروجين الأخضر وتقنيات احتجاز الكربون، يضع الدولة في موقع الصدارة لقيادة المرحلة المقبلة من التحول الأخضر العالمي.