المفكر خالد محمد خالد والمواطنة الكاملة

بطاقة حياة :
1 – وُلد في قرية العدوة مركز ههيا محافظة الشرقية عام 1920 م.
2 – حفظ القرآن الكريم ثم التحق بمعهد الزقازيق الديني ثم انتقل إلى معهد القاهرة الديني .
3 – تخرج في الأزهر حاصلا على شهادة العالمية من كلية الشريعة وإجازة التدريس في عام 1947 م.
4– عمل لفترة واعظا بالجمعية الشرعية .
5- عمل بعد التخرج بمهنة التدريس في الفترة من سنة 1948 م حتى سنة 1956م ورغم اعترافه بسمو وأهمية مهنة التدريس لكنه اضطر لتركها لسوء حالته الصحية .
6- ثم التحق بالإدارة العامة للثقافة ، ثم الهيئة العامة للكتاب مشرفًا على تحقيق التراث ، وسوى معاشه قبل بلوغ السن القانوني للتفرغ للفكر والثقافة والتأليف.
7- تُوفي في مارس عام 1996 م.

ونحن نحتفل بمئوية المفكر الرائع خالد محمد خالد فإننا نحتفل بعلم من أعلام الفكر الإسلامي المستنير في العصر الحديث, فقد كانت كتبه رحمه الله – في رأيي – ” قصائد فكرية ” تهدف إلى تحرير المسلم خاصة والإنسان بوجه عام.

  • من العبودية لغير الله سبحانه وتعالى .
  • ومن الخوف المرضى الذي يعرقل خطاه .

ولقد نجح رحمه الله في تقديم الإسلام نقيا مضيئا إلى العالم أجمع
فدافع عن الحرية والديمقراطية دفاعا جسورا مؤكدا أن هذه المبادئ يؤكد عليها الإسلام
ودافع عن العدالة الاجتماعية باسم الإسلام وليس باسم الشيوعية أو الماركسية
ودافع عن يسر وسماحة واستنارة الإسلام ضد جحافل التشدد والتعصب والانغلاق
وكان آخر كلماته رحمه الله ” الحمد لله أنني ختمت حياتي مؤمنا بالإسلام ومدافعا جسورا عن الديمقراطية ” .
ودافع عن حقوق المرأة من منظور إسلامي في كتابه الأول سنة 1950 م ” من هنا نبدأ ” واصفا إياها عندما تعاق عن أداء وظيفتها بالرئة المعطلة في جسم الإنسان لأن المجتمع يتنفس برئتين هما الرجال والنساء معا.
وكان أول من نادى بفكرة “محاكم الأسرة” وبالاسم في كتابه ” لكي لا تحرثوا في البحر ” عام 1955 م ولقد نفذت وزارة العدل المصرية فكرته بعد أكثر من خمسين عاما .

ودافع عن الديمقراطية مطالبا بإلغاء ما يسمى العزل السياسي وذلك في حواره الشهير مع الزعيم جمال عبد الناصر سنة 1961 م في اللجنة التحضيرية للمؤتمر القومي مستشهدا بالمثل الصيني ” دع الزهور تتفتح ” .

ويعتبر “عاشق الدين والحياة ” كما وصفه الكاتب الكبير يوسف إدريس من أهم مفكري الإسلام في العصر الحديث الذين دعموا ونادوا بفكرة المواطنة من منظور إسلامي .

يصفه الشاعر الكبير فاروق جويدة بأنه ” إمام الحرية ” قائلا :
( لقد كان نموذجا فريدا في زهده وقناعته وفكره وتواضع العلماء فيه … كانت قضية الحرية هي شغله الشاغل , عاش حياته من أجلها منذ أن أصدر كتابه الشهير ” مواطنون لا رعايا ” قبل ثورة يوليو وبعد أن قامت الثورة حاول خالد محمد خالد أن يؤكد موقفه من قضية الحرية في كتابه ” الديمقراطية أبدا ” ثم أندفع بعد ذلك مدافعا عن حق الشعب في الحرية والكرامة من خلال أعماله الرائعة ” هذا أو الطوفان ” و” لكي لا تحرثوا في البحر ” و ” أزمة الحرية في عالمنا ” وظلت قضية الحرية هي الأساس الذي ينطلق منه فكر خالد محمد خالد طوال سنوات عمره لم يتغير عنها لحظة ) (1)
ويصفه الكاتب الكبير رجاء النقاش بأنه “موسيقار الأفكار” ويقول عنه: ” كان عاشقا للحرية يرى فيها أعظم نعم الله على الإنسان وكثيرا ما كنت أسمعه وهو يناقش بعقله الواسع الفذ مشاكل الواقع ومشاكل الفكر والدين والسياسة ثم يتوقف فجأة وتأخذه الجلالة فيقول وكأنه يهتف
الله الله ….. على الحرية .
الله الله …… على الديمقراطية .
أنا حر ….. فأنا موجود .

كان يرتل حديثه عن الحرية كأنه في حلقة ذكر من حلقات المتصوفين الذين لا يرضيهم في عشق المحبوبة إلا أن يكون هذا العشق نشوة وطيرانا في الفضاء بأجنحة لا يراها إلا الله “(2)
وتقول الدكتورة ” سهير اسكندر ” وهى مصرية مسيحية ومن عشاق وتلاميذ مفكرنا الكبير ” تتميز كتابات الأستاذ خالد محمد خالد الإسلامية بتركيزه الشديد على معنى الرحمة في الدين ، كتبه تتألق فيها الأحاديث الشريفة التي تحنو على الإنسان ” صاحب البؤس العظيم ” كما كان يصفه خالد تقرأ معه قول النبي الكريم :
( إن أعظم المسلمين في المسلمين جرمًا من سأل عن أشياء لم تكن محرمة عليهم فحرمت بسبب مسألته ). أو ( إن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة … إلخ ).

وتقول أيضا :
” كانت قضية الوحدة الوطنية من القضايا التي عاد لها الأستاذ بقوة في مراحل عمره الأخيرة حينما رأى يد العبث تقترب منها ـ لا أنسى أنه بكى ولم يتمالك نفسه وهو يتحدث عن وحدة مصر وخوفه على مصر أثناء خطبته في مؤتمر عام أجري في نقابة الصحفيين وجمع فيه المفكرين والفنانون أبناء الدين الإسلامي والمسيحي ” . (3)

مقتطفات من كتابات أ / خالد محمد خالد تؤكد إيمانه بالمواطنة الكاملة :

1-في كتابه الأول ” من هنا نبدأ ” الذي كتبه عام 1950 م كتب فصلًا بعنوان ” قومية الحكم ” تساءل فيه هل بلادنا هي بلاد التعصب ووطن الطائفية , أم هي بلاد التسامح ووطن الجميع ؟؟ مناديا فيه أن يكون الوطن للجميع في إطار التسامح وليس التعصب والطائفية .
2 – وفي كتابه الثاني ” مواطنون لا رعايا ” الذي ألفه في ظل الملكية عام 1951م دافع عن مفهوم المواطن كمواطن له حقوق وواجبات وليس كعبد أو رقيق للسلطان كائنًا من كان ، و ذهب للنيابة العامة للتحقيق معه . ولولا أن أ / جمال العطيفي كان هو المحقق وكان وطنيًا صادقا لحوكم من أجل هذا الكتاب .
وجاء في هذا الكتاب :
” هل نحن سكان غاب أم سكان وطن ….؟
إذا كانت الأولى : فلندع أمورنا تسير إذن على النحو الذي تسير عليه حياة الغاب .
وإذا كانت الثانية فلابد – وهذه حقيقة يجب أن نتقبلها بشجاعة – لابد من أن نستأنس ونحقق لأنفسنا معنى المواطنية كاملا غير منقوص .
إذن فالمواطنية هي المحور الذي نختاره لننظم حوله شتى قيمنا وكافة معاييرنا .
المواطنية – يا مواطني العزيز هي من الآن مثلنا الأعلى .
المواطنية – هي من الآن هدفنا المجيد المفدى .
المواطنية – أن تكون في وطنك مواطنا – لا مستوطنا …. وأن تكون في المجتمع كفؤا وندا لا تابعا ولا عبدا .
المواطنية – تقتضيك أن تكون في وطنك مواطنا …..
إن المواطنية كما رأينا – تدعو المواطن إلى بذل الواجب من أجل الوطن , ويدعو الوطن إلى تمكين الفرد من أداء الواجب …. هي ألا تعيش في بلادك محايدا – بل مجاهدا ….. هي أن تحترم حقوقك وتمارسها حقا حقا …. هي أن تدوس مصالحك الخاصة – عندما تصبح مصاير بلادك في كف القدر …وهى أن تعامل الدولة أعضاءها باعتبارهم مواطنين – لا رعايا .
وأن توقظ في ضميرهم معاني الإنسانية والكرامة , وأن تضع كل مواطن في مكانه وتتحدى كل اعتبار آخر يفتح للمحاباة الطريق . وأن تعدل ليس فقط في توزيع الخبز .. بل قبل ذلك في توزيع الواجبات والحقوق . وأن ترفع لواء المساواة – ليس فقط بين الناس والناس … بل وبين العمل والجزاء …..فالأشراف العاطلون الذين لا يعملون شيئا يجب أن يحرموا من كل شئ , وإذا أغدقت الدولة عليهم تكريمها فقد انتهكت كرامة المواطنين وحطمت معنى المساواة …..
والعاملون الكادحون يستحقون التقدير والتوقير – فإذا بخلت عليهم الدولة وازدرتهم , فقد باءت بشر ما يبوء به الظالمون !! بقى شئ آخر هو أسمى ما تتيحه المواطنية – الكرامة ….
فأظمأ إن أبدى لي الماء منة ولو كـان لي نهر المجرة موردا
ولو كان إدراك الهـدى بتذلل لصار الهدى ألا أميل إلى الهدى
وإذا لم يجد المواطن من دولته الحرص على كرامته , فما أصعب الاحتفاظ بها والحرص عليها … ” (4)
3- وفى كتابه ” الدولة في الإسلام ”
يقول :
” دولة الإسلام حصن حصين للأقليات ، لا سيما حين تكون هذه الأقليات أهل كتاب أو أهل ذمة كما يسميهم الإسلام ، إن الدولة الإسلامية مأمورة من الله ومن رسوله برعاية حرماتهم وحفظ حقوقهم وتركهم أحرارًا في العيش وفق معتقداتهم ……….. فالإسلام يحفظ حقوق المواطنين جميعًا مسلمين كانوا أم يهودًا أو نصارى “.(5)
1- وفى كتابه ” قصتي مع الحياة ” يقول :
كيف يستبيحون أي ” المتطرفون ” دماء مواطنينا الأقباط وهم أهل كتاب لهم ما لنا وعليهم ما علينا أباسم الإسلام يفعلون ؟ إذن فليسمعوا :

يقول القرآن الكريم :
﴿ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ﴾ ( الممتحنة:8 ).
فالأقباط لم يؤذونا ولم يُخرجونا من أوطاننا ومن ثم لا ينهانا الله عن البر بهم والإقساط إليهم وبذل المودة لهم .
﴿ إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم ﴾ ( الممتحنة :9 ).

ويقول سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم :
( ومن آذى ذميًا فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ).
وهم ينعتون في الإسلام بأهل الذمة ، لا انتقاصًا من وضعهم كمواطنين بل تأكيدًا لأنهم في ذمة الله وذمة رسوله رغم بقائهم على دينهم المسيحي ………..
ثم إن هناك للمشكلة جانبًا بالغ الأهمية ، فإذا شعر الأقباط أننا نضطهدهم ونتخذهم مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة ونضن عليهم بكل حقوق المواطنة الكاملة التي مكنهم الإسلام العظيم منها ، ألا يكون معنى هذا أننا نقول لهم : لا مكان لاثنين هنا فإما نحن وإما أنتم ، اذهبوا وابحثوا لأنفسكم عن وطن …!!!
وساعتئذ ماذا سيكون جوابهم ؟ سيكون : شكرًا وسنبحث عن وطن !! ويومئذ لن يبحثوا عن وطن في تنجانيقا ولا في جزر القمر ولا في بلاد الطريد بل سيريدون هنا هنا ، أتسمعون ؟؟
وسيجدون من أوروبا وأمريكا والغرب كله سندًا وعضدًا ، ويومئذ نعوذ بالله من يومئذ يجئ التقسيم ، وتمسون أنتم ومن ورائكم ” وسائل إيضاح ” للدرس .
﴿ واتقوا فتنةً لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾
فلننقذ مصائرنا
واتق الفتنة يا شعبنا
فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة
وإلا فإني لا أخالك ناجيا !! (6أ )

ويقول أيضا:
( هناك فارق هائل بين الحكومة الدينية والحكومة الإسلامية …..
فالأولى : حكومة الطائفة أو الطوائف .
والثانية : حكومة الجميع… وهذا يجعل الحكومة الإسلامية بالضرورة ” حكومة قومية ” أي أن قومية الحكم في الإسلام تشكل جوهر هذا الحكم ، وأقوى دعاماته وركائزه …!!! وهذا بدوره ينفي تمامًا تقسيم الدولة المسلمة إلى أكثرية وأقلية .
هناك فقط وطن واحد لمواطنين أكفاء ومتساويين ، ولا أعرف دينًا كالإسلام يحترم وجود وحياة وحرية وحقوق غير المسلمين ، فالمسلم مواطن وغير المسلم مواطن أيضًا تجمع بينهما المواطنة مهما تباعد بينهما الأديان .
ولا أذكر أن الدولة الإسلامية خلال ما يزيد على أربعة عشر قرنًا ، قد خلعت صفة الأقلية على غير المسلمين فيها ، إنما خلع هذا الوصف الاستعمار ـ لا سيما في مصر ـ حين زعم أنه باق في بلادنا ليحمي الأقليات ــ بينما كان ” الصف المسيحي ” الذي يعنيه بالأقلية يسابق ” الصف المسلم ” في دحض الاستعمار البريطاني ورفضه وقتل جنوده وضباطه !! )
ولقد يقول قائل :
( إنه أي الإسلام ـ لم يستخدم كلمة أقلية ، واضعًا مكانها عبارة ” أهل الكتاب ” والحق أن وصف المسيحين بأهل الكتاب تكريم لهم ، لأنه بهذا الوصف يريد تمييزهم عن المشركين والوثنيين الذين لا كتاب لهم ولا رسول .
وبهذا المعنى نكون جميعًا ” أهل كتاب ” فالمسلمون أهل كتاب هو القرآن ” والمسيحيون أهل كتاب هو ” الإنجيل ” واليهود أهل كتاب هو ” التوراة ” !!
وبهذا المعنى نكون أصحاب وطن حر لمواطنين أحرار ، وللمسيحيين ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين ، ولا ينتهك أي دين مُنزل رشيد حرمة المواطنة وحقوقها وكرامتها ) . (6ب)

الهوامش

1 – فاروق جويدة : مقال ” إمام الحرية ” جريدة الأهرام 10 / 3 / 1996 م .
2 – رجاء النقاش : مقال ” موسيقار الأفكار ” جريدة الأهرام 11 / 3 / 1996 م.
3 – د 0 سهير اسكندر كتاب ” نبضات القلب شخصيات من مصر ” دار المقطم للنشر والتوزيع صـ 29 .
4 – خالد محمد خالد ” مواطنون لا رعايا ” ط 7 صـ 161 , 163 مكتبة الخانجى بمصر
ومكتبة المثنى ببغداد 1964م .
5 – خالد محمد خالد ” الدولة في الإسلام ” ط3 1989 م دار ثابت صـ 90 , 91 .
6 أ – خالد محمد خالد ” قصتي مع الحياة ” دار أخبار اليوم صـ 472 , 474 .
6 ب – خالد محمد خالد ” قصتي مع الحياة ” دار أخبار اليوم صـ 374 , 375.

بواسطة
محمد حسينى الحلفاوى - مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق