دموع وصرخات لا تُسمع!
صراخ ، وألم ، ودموع ، ودم ، وأحياناً الموت ، في بيوت لايسمع لهذه الصرخات منقذ لهم ، فالزوج او الأب ، أو الأخ ، يكون وحشاً يفقد سيطرته على ما يفعله من عنف ضد اسرته ، وبالطبع وراء ذلك دوافع نفسية ، ومالية ، فما يمر به البلد من ازمة اقتصادية وعدم استقرار سياسي وأمني وصحي ينعكس على المواطن وردود افعاله.
فالعنف الأسري ظاهرة تزايدت وتيرتها في ظل الحظر من جائحة كورونا في عموم دول العالم ومنها العراق ، ضحايا العنف لم تقتصر على شريحة معينة فالجميع من اطفال ونساء ورجال يقعون تحت طائلته.
العراق بعد 2003 ، شهد متغيرات كثيرة بعد سقوط النظام ، سياسية واجتماعية ، واقتصادية ، وامنية ، بسبب العنف ، والارهاب ، والتطرف ، والطائفية التي أثرت على المزاج النفسي للفرد العراقي فضلا عن البطالة وحالة الفقر والعوز التي تطال نحو ثلث سكان العراق حسب المركز الاحصائي العراقي.
التراكمات الذي خلفها النظام السياسي الجديد على العراقيين وعدم انتقاله نحو الرفاهية والعدالة الاجتماعية الذي وعدته بها السلطة الجديدة منذ نحو 17 عاما ، زاد من يأس الفرد العراقي لاسيما الطبقة الفقيرة التي ليس لها دخل مالي.
هذه العوامل السياسية والاقتصادية والحظر الجزئي والكلي بسبب كورونا فاقم المشكلة في المجتمع العراقي فالعاملون والكسبة من هم بلا راتب توقفت اعمالهم ، وحتى الموظفون بسبب الوضع الاقتصادي والأزمة المالية في العراق ، تتأخر الرواتب نحو اكثر من 40 يوما في كثير من الأحيان.
هذه التداعيات المالية والبطالة والحظر دفعت نحو العنف الأسري وزادت من وتيرته في ظل الجائحة ، فزوج في النجف وكربلاء يحرقان زوجتيهما ، وأم في بغداد تقتل طفلها برميه في خزان الماء ، وعائلة موصلية يدفعها العوز وعنف الزوج للانتحار غرقا ، وأولاد يعنفون من والديهما ، وغيرها من حوادث العنف الأسري التي تناولتها الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي.
العراقيون بطبيعتهم لاسيما الرجال والشباب لا يحبون المكوث في البيت ، فوضى الاطفال وتباكي الزوجة ولسانها الطويل من بعضهن في وضع اللوم على الزوج في وصولهم للحال البائس بسبب بطالته ، يدفع الزوج الى استخدام العنف ضد اولاده وزوجته وربما يعتدي على والديه.
تزايد حالات العنف ضد الزوجات والأبناء والآباء ، دفع النساء والمثقفون ومنظمات المجتمع المدني في المطالبة بتشريع قانون ضد العنف الأسري ، ضغوط المطالبة دفعت الى تفعيل قانون العنف الأسري الذي كان قد توقفت مناقشته سابقاً لإعادة التصويت عليه تحت قبة البرلمان لتشريعه.
وفي إحصائية لوزارة الداخلية العراقية التي تشير الى تسجيل نحو خمسة آلاف و292 حالة عنف اسري في عموم العراق خلال النصف الاول من هذا العام ، وتشير الاحصائية الى تسجيل ثلاثة آلاف و637 حالة عنف من الزوج على زوجته ، و453 إعتداء من الزوجة ضد الزوج. و402 حالة عنف مابين الاخوة والأخوات ، و183 اعتداء الآباء ضد ابنائهم وتسجيل 617 إعتداء الابناء على آبائهم.
ولو نظرنا الى النسبة التي توصل لها استبيان اقامته دائرة تمكين المرأة في الأمانة العامة لمجلس الوزراء بالتعاون مع صندوق الامم المتحدة للسكان Unfpa على حوادث العنف الأسري والاغتصاب والتحرش الجنسي للقاصرين والانتحار بسبب قسوة الزوج. لوجدناها رهيبة تنذر بالخوف لتفكك الاسرة العراقية في ظل الظروف الاقتصادية وجائحة كورونا ، ووصف الاستبيان المحافظات: نينوى، ديالى، كركوك، دهوك، كأكثر المحافظات التي سجّلت الأعداد الخاصة بحوادث العنف المنزلي، وهي بنسبة 94 ٪ من الحوادث التي تمّ الإبلاغ عنها خلال أزمة الوباء.
وعلى الرغم من تنامي العنف الأسري، ، إلا أن القانون الذي يجب تشريعه مازال يلقى معارضة من قبل بعض الاوساط السياسية والنواب لبعض مواده ، لإدعائهم بأنه يقوض الحياة الاسرية، فضلا عن اعتراض بعض القانونيون على بعض مواده التي تتنافى والاسباب الموجبة التي سيشرع من اجلها القانون.
وبين ماغفله القانون من ثغرات قد تجعل القضاة في ان يفسروا المواد العائمة على هواهم وبين من يريد ان يحافظ على كيان الأسرة وفق القيم الإسلامية والموروث العشائري في ان تكون السلطة للرجل وفق مفهوم المجتمع الذكوري ، وبين نساء وابناء من الجيل الذي وُلد في عصر التكنولوجيا والديمقراطية والحرية ، ستبقى صرخاتهم عالية من أجل ايقاف العنف ضدهم ، وسؤالنا هل يتوقف العنف الأسري حتى لو شرع القانون ، نأمل ذلك.