أربعة أمور لن تعود

أربعة أمور لن تعود: الكلمة اذا خرجت ،والسهم اذا انطلق ، العمر اذا مضى، الفرصة اذا ضاعت

1- الكلمة

قال تعالى:” أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27) ابراهيم

الشجرة النخلة؛ فيجوز أن يكون المعنى: أصل الكلمة في قلب المؤمن – وهو الإيمان – شبهه بالنخلة في المنبت، وشبه ارتفاع عمله في السماء بارتفاع فروع النخلة، وثواب الله له بالثمر. وروي من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” إن مثل الإيمان كمثل شجرة ثابتة الإيمان عروقها والصلاة أصلها والزكاة فروعها والصيام أغصانها والتأذي الله نباتها وحسن الخلق ورقها والكف عن محارم الله ثمرتها” . ويجوز أن يكون المعنى: أصل النخلة ثابت في الأرض؛ أي عروقها تشرب من الأرض وتسقيها السماء من فوقها، فهي زاكية نامية.

والكلمة الخبيثة اجتثها اقتلعها من فوق الأرض؛ أي ليس لها أصل راسخ يشرب بعروقه من الأرض. “ما لها من قرار” أي من أصل في الأرض. وقيل: من ثبات؛ فكذلك الكافر لا حجة له ولا ثبات ولا خير فيه، وما يصعد له قول طيب ولا عمل صالح.

يُثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا(القبر) وفي الآخرة (يوم الحساب)  {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} أي عن حجتهم في قبورهم كما ضلوا في الدنيا.

قال تعالى:” وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5) الكهف

{وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً} وهم اليهود، قالوا عزير ابن الله، والنصارى قالوا المسيح ابن الله، وقريش قالت الملائكة بنات الله. فالإنذار في أول السورة عام، وهذا خاص فيمن قال لله ولد. {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} “من” صلة، أي ما لهم بذلك القول علم؛ لأنهم مقلدة قالوه بغير دليل. {وَلا لِآبَائِهِمْ} أي أسلافهم. {كَبُرَتْ كَلِمَةً} ؛ أي كبرت تلك الكلمة كلمة: أي عظمت كلمة؛ يعني قولهم اتخذ الله ولدا. {تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} في موضع الصفة. {إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً} أي ما يقولون إلا كذبا.

قال تعالى:” وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) الذاريات

{فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ} أي فرعون أعرض عن الإيمان {بِرُكْنِهِ} أي بمجموعة وأجناده؛ قال ابن زيد. وهو معنى قول مجاهد، ومنه قوله: {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] يعني المنعة والعشيرة. وقال ابن عباس وقتادة: بقوته. ومنه قوله عنترة:
فَما أَوهى مِراسُ الحَربِ رُكني       وَلَكِن ما تَقادَمَ مِن زَمانِ     روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  أنه قال : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ) يحث هذا الجديث على وصل الأعمال بالإيمان بالله حيث لا يجوز ولا يُقبل أي عمل للإنسان بدونه، وهو أهم شرط لقبول الأعمال ،فلا يقبل من الكفار أي عمل يقوم به ،ولابد أن يكون مؤمن لكي يُقبل منه، في قوله تعالى:” وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54)التوبة).
كل ما يخرج من اللسان سواء كان هذا بالقول أو الفعل من خلال تقديم الخير والنفع للآخرين أو لنفسه، والأمور التي من خلالها توجيه الناس وان ننصحهم، وأمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وقيامنا بتوجيههم ودعوتهم وبيان لهم طريق الهدى ( من دل على هدى فله مثل أجر فاعله). فانتبه لما تقول .

2- السهم اذا انطلق

قال تعالى:” فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) الانفال

قيل: إنَّ جبريل عليه السلام قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: “خذ قبضة من التراب” فأخذ قبضة من التراب فرمى بها وجوه المشركين  فما من المشركين، من أحد إلا وأصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة؛ قال ثعلب: المعنى {وَمَا رَمَيْتَ} الفزع والرعب في قلوبهم {إِذْ رَمَيْتَ} بالحصباء فانهزموا {وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} أي أعانك وأظفرك. والعرب تقول: رمى الله لك، أي أعانك وأظفرك وصنع لك.

نقول :نفذ السهم ؛أي انقضى الأمر وقال قيس بن الخطيم::
طَعَنتُ اِبنَ عَبدِ القَيسِ طَعنَةَ ثائِرٍ       لَها نَفَذٌ لَولا الشُعاعُ أَضاءَها

والشعاع: ما تطاير من الدم؛ أَراد بالنفذ المَنْفَذ. يقول: نفذت الطعنة أَي جاوزت الجانب الآخر حتى يُضيءَ نَفَذُها خرقَها، ولولا انتشار الدم الفائر لأَبصر طاعنها ما وراءها. أَراد لها نفذ أَضاءها لولا شعاع دمها؛ ونَفَذُها: نفوذها إِلى الجانب الآخر.
فلا عودة للسهم اذا نفذ أو انطلق او اخترق.

3- العمر اذا انقضى

قال رسول الله عليه الصلاة والسلام (اغتنمْ خمسًا قبل خمسٍ شبابَك قبل هرمكَ وصحتَك قبل سَقمِكَ وغناكَ قبل فقرِك وفراغَك قبل شغلِك وحياتَكَ قبل موتِكَ).

يجب على المؤمن أن يستغل شبابه وقوته في عبادة الله سبحانه وتعالى، والتقرب إليه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسير على سنة رسول الله، وذلك قبل أن يهرم ويصبح غير قادر عن آداء العبادات.

تُعدُّ الصحة هي من نعم الله تعالى على عباده، وهي مكسب وغنيمة لكلّ من استغلها في آداء العبادات، والتقرب إلى الله سبحانه، ويكون ذلك ببذل النفس للجهاد في سبيل إحقاق الحق، ورفع كلمة الله ورسوله، أو بمساعدة المرضى والعاجزين، بالإضافة إلى العمل الشريف وعدم الحاجة إلى الآخرين.
يجب على الإنسان المسلم أن يستغل وقت فراغه في عبادة الله تعالى، كالصلاة، والتسبيح، والاستغفار أو التهليل، وذلك بدلاً من قضاء الوقت في الأماكن الملهية عن ذكر الله.
يجب على المسلم استغلال حياته على هذه الأرض في أعمال الخير التي من شأنها تقريبه من الله سبحانه وتعالى قبل أن يموت ويصبح في قبره وحيداً، لا يفيده سوى عمله، حيث قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: (إذا ماتَ الرجلُ انقطعَ عملُهُ إلَّا من ثلاثٍ ولدٍ صالحٍ يدعو لَهُ ، أو صدقةٍ جاريةٍ أو علمٍ يُنتَفعُ بِهِ) .

4- الفرصة اذا ضاعت

قال تعالى:” إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33) القلم

إنَّ أصحاب الجنة  تعاقدوا وقالوا: إن أبدلنا الله خيرا منها لنصنعن كما صنعت آباؤنا؛ فدعوا الله وتضرعوا فأبدلهم الله من ليلتهم ما هو خير منها.فالانسان تأتيه الفرصة مرّة واحدة في عمره فعليه ألاّ يضيّعها.قال العرب: إذا هبّت رياحك فاغتنمها.قال بهاء الدين زهير:

فَقُلتُ دَعيني أَغتَنِمها مَسَرَّةً       فَما كُلُّ وَقتٍ يَستَقيمُ سُرورُ

وقال الاخرس:

فاغتنمها فرصةً ما أمكنت       قبل أن تذهب يا صاحِ وتفقد

وقال علي بن ابي طالب-رضي الله عته-:

إِذا هَبَّت رِياحُكَ فَاِغتَنِمها              فَعُقبى كُلُّ خافِقَةٍ سُكونُ
وَلا تَغفَل عَنِ الإِحسانِ فيها       فَما تَدري السُكونُ مَتى يَكونُ
وَإِن دَرَّت نِياقُكَ فَاِحتَلِبها         فَما تَدري الفَصيلُ لِمَن يَكونُ
إِذا ظَفِرَت يَداكَ فَلا تَقصِّر           فَإِنَّ الدَهرَ عادَتَهُ يَخونُ

اللهم حسن الختام .

بواسطة
خضر موسى محمد حمود - الأردن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق