فتاة نادرة
في تمامِ الساعةِ الخامسةِ عصراً .. تحديداً في صالةِ المنزل ..استلقيتُ على أحد الكراسي وبجانبي والدتي وأخي الأكبر، نتناول الطعام اللذيذ الذي تصنعهُ والدتي، خاصةً فطائرها التي لا تُقاوم .
وبينما كنتُ أتناول أول قطعةٍ من فطائرها اللذيذة، رميتُ ببصري تلقاء والدتي وإذا بي أراها ترمُقني بنظراتٍ غريبةٍ ..
تارةً نظرة تساؤل وأُخرى نظرة إعجاب
لم أفهم سبباً لنظراتِها تلك،
وهذا ما جعلني اتسائل، هُناك معنىً خلف تلك النظرات، فبادرتُها قائلة :
_ ماذا هُناك يا أمي؟
ما الذي يجولُ ويصولُ في بالكِ الآن؟
هاتي مالديكِ، فأنا أستمعُ إليكِ.
ولم أندهش بطبيعة الحال حين اجابتني :
_ نعم عزيزتي، تعالي إلى جانبي، فهُناك ما أريدُ أن أُخبركِ به.
ولكن مع هذا شعرتُ بالخوفِ لأولِ مرةٍ، فأنا لم أعهد والدتي تُحدثني برسمية ..
فقلتُ لها :
_ تحدثي يا نبض القلب.
وبدأ الحوار يدورُ بيننا حول :
” يا إبنتي لقد أصبحتي فتاةً شابة في الواحد والعشرون من العمر، فأنتِ في عمرٍ مناسبٍ للزواج، بل وبعضهُن يصغُرنكِ عمراً قد تزوجن وأصبحن أُمهات.
أخذني العجبُ من حديثِ والدتي، فهي لم تتحدث معي قبلاً بتلك الطريقة،
كانت دوماً تُناديني صغيرتي،
فهل تغير الوضع الآن؟
نعم أنا في الواحد والعشرون من عمري،
ولكن مازلتُ أرى نفسي صغيرةً على حديثِ الزواج .
فأجبتُها :
__ لمَ هذا الحديث يا أُماه ؟
هل تريدين التخلص مني؟
أم لم تعودي تحبينني مثل قبل؟
= كيفَ أمكنك أن تقولي هذا الكلام
حبيبتي؟
أنا فقط أريد رؤيتكِ عروساً
لأطمئن عليك .
هذا كل ما في الأمر صغيرتي.
فضحِكتُ فجأةً، ومن ثمَّ اقتربتُ أكثر من والدتي وأمسكتُ كفَيها الحنونتين، ونظرتُ إلى عينيها بكل حب قائِلةً :
أنصتي إلي يا أُماه، هُناك أمور علي أن أُنجزها قبل الزواج كأحلامي مثلاً، فأنا أريد أن أُصبح شخصاً يُذكر على مرِ السنين، شخصاً لا ينساه أحد ،،
ولا تُخبريني بأنني يُمكنني تحقيق ذلك في بيت زوجي، فالأمر ليس بتلك السهولة التي تتصورينها .
أعلمِ يا أمي بأن للزواج متطلباتُه الخاصة، وهُناك ما هوَ أهم ..
شخصية الزوج .
= لم أفهم ما الذي تريدين قوله
صغيرتي؟
قاطع حديثي أخي قائِلاً : أنتنَّ الفتيات تُحببن التعمق في كلِ شيء، وهذا مزعج جداً.
= بالطبع يا أخي فنحنُ النساء نهتم بالتفاصيل،
تلك التفاصيل البسيطة التي لا يُلقَى لها بالاً، نحنُ نراها مُهمةً جداً ،،
فأنا أُريد ماهوَ الأصح لحياتي.
_ حسناً، أخبرينا إذن .
استجمعت شجاعتي، وتحدثتُ قائلة:
أُماه اجيبي عن تساؤلاتي،،
تُريدين مني الزواج اليسَ كذلك؟!
_ هل ترينَ أنهُ سيحتمل فرطَ إهمالي بنفسي، حينَ انشغل بأموري الخاصة؟
_ هل سيحتمل عقليتي المُزعجة حين أكون في ضغطٍ نفسي؟
_ هل سيمسح دمعتي حين أبكي من غير سبب؟
_ هل سيساعدني على تحقيق أحلامي؟
_ هل سيجلب لي طعامي المفضل،
وهل سيحتمل طفولتي؟
_ هل سيراضيني ولو لم يكن مُخطئ، ليكسب قلبي؟
_ هل سيشتري لي بعض الكتب؟
_ هل سيستمعُ إلى حَكَاياتي حينما أُنهي كتابة روايتي؟
_ هل سيكون حنون ويرق قلبه لي دائمًا؟
_ حتى عندما أُخطىء هل سيُعاتبني عتاب المُحب؟
_هل سنحل مشاكلنا بكل وعي وبلا شِجار؟
والكثير من التساؤلات يا أُمي، ولايزال جاري التساؤل فمثلاً
_ هل سيمنع نفسه من حب فتاة غيري؟
لا يا أمي بالطبع لا، لن أحصل على هذا الشخص الجيد طالما أني امتلكُ مخاوف وشخصية مزعجة .
فكيف لي أن أتزوج؟
تدخل أخي بعد ما سمع حديثي قائلاً:
أنتي صغيرة لم تفهمي الحياة بعد،
ما هذا الكلام الأحمق الذي تتفوهين به؟
تزوجي الذي يجعلك أميرة بنقوده، ويُسكنك في قصر، ويلبسك الذهب،
وكل ما تشتهي نفسك يقدمه لكِ،
هكذا ستجدين الراحة.
تركته يُعبر عن عقليته التي هي نفسها وللأسف يمتلكنها الكثييير من فتيات اليوم، بل ويدعم والِدَيهم أفكارهم تلك.
وجهتُ حديثي لأمي قائلة:
أنا لا يهمني بأن أكون ملكة بالمال يا أُمي، ولا يعنيني ارتداء الذهب،
فأنا أُريد أن أكون ملكة قلبهُ ياأُمي، أُريدُ حُباً واطمئناناً وسكينة،
وأسأل الله أن يرزقني إياهم،
فما رأيك يا أمي؟
كانت عينا والدتي وكأنها تقول:
لم أتخيل بأنَّ إبنتي الصغيرة تتحدثُ بجمالٍ هكذا.
_ فقلتُ لها: ألم تقولي للتو بأني كَبرتُ يا أُمي؟
فضحكت والدتي وقالت:
أردتُ رؤية أبنتي الجميلة الحكيمة عروساً، لكني سأنتظر، ليكتب الله لكِ الشخص الذي تتمنيه، فالله عند حسن الظن دائماً، وليحدث كل شي بوقته، فجمال الأشياء حينما تأتي بوقتها.
أغمضت عينيها وابتسمت،
فجأة وبلا مُقدمات قلتُ لأمي:
– هل تعتقدي بأنني لا أريد بأن أصبح عروساً جميلة وأن البس الأبيض ؟
إنها إحدى أُمنية كل فتاة ،،
لكن يا أمي الزواج ليس تلك الليلة فقط،
تلك الليلة إنها البداية لحياة جديدة مليئة بالمسؤولية،
إنه عقد حياة يا أُمي، إنه وعد بين طرفين يجب الإلتزام فيه، وتأدية حقه ،،
والمؤمنون عند وعودهم .
وبعدها يزيد عظم الوعد بالأمانات التي سيرزقنا الله بها وسنُسأل عنها _ الأبناء _ ،،
لهذا أُريدُ التأني بأختياري، فالرجل الصحيح الذي يخاف الله، ويخافُ على القلب من إن يكن هو سبب كسره، نعمة من نعم الله التي لا يمكن أن توفي حقها كما هو الحال مع جميع النعم، وتلك النعم لا تأتي إلا حينَ تؤدي حقها.
وأسأل الله حظاً جميلاً مثل هذا، ولأكن أنا أولاً لائقة بهذا الحظ الجميل ..
فربنا لايظلمُ إحدا، يجب أن اليقَ بهِ أولاً يا أُمي، ليرزقني الله به.
هذا هو منظوري ناحية الزواج يا أمي.
نظرت والدتي لي بعمق قائلة:
– صدق والدك يا إبنتي حينما أطلق عليك لقب الفتاة النادرة،
ليت جميع الفتيات بمثل تفكيرك الناضج،،
سأنتظر معكِ يابنتي ذاك الشخص المُناسب الذي تدعوا الله أن يرزقك به.
ومن هنا أضحت أمي لا تتحدث معي عن الزواج .
وأنتهى اليوم بإنتصاري على أخي وأمي في الحوار الذي دار بيننا،
فأنا على يقين بأنني يجب أن أبعد الخوف عنب، وأُضبطَ أموري اولاً، وأحلَّ مشاكلي من غير الهرب منها، وأرتقي بذاتي، لأنتقل بكل راحة إلى الحياة الزوجية مع الشخص الذي آراه مُناسباً ويستحقني.
لنسأل الخير من رب الخير بكل ثقة.