الدكتور منير القادري يبسط خارطة طريق السعادة

أكد الدكتور منير القادري بودشيش، مدير مؤسسة الملتقى ورئيس المركز الأورومتوسطي  لدراسة الإسلام اليوم، أن السعادة الحقيقية هي التي تكون في الدنيا طريقا إلى الفوز في الآخرة، وأنها تنال بالتقرب الى الله تعالى واتباع هديه ومجاهدة النفس.

جاء ذلك ضمن كلمته العلمية المباشرة التي ألقاها، السبت  17 أكتوبر 2020، في الليلة الرقمية الخامسة والعشرين التي نظمت من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى العالمي بشراكة مع  مؤسسة الجمال، وحملت عنوان “مفهوم السعادة وأبعادها المادية والروحية”.

استهل الدكتور منير كلمته بالتأكيد على أن السعادة هي الهدف الأسمى والأمنية العظمى لكل الناس، وأنهم جميعا يبحثون عنها بكل ما أوتوا من قوة، غير أنهم يختلفون في طلبها كل من زاوية نظره، وأشار الى أن كثيرا من الناس رغم اجتماع أسباب السعادة المادية عندهم، إلا أنهم رغم ذلك غير سعداء أو يعيشون في وهم السعادة المادية الاستهلاكية، مؤكدا أن السعادة تنال بالتقرب الى الله تعالى، لأن طريق السعادة في الدنيا والآخرة هو اتباع هدى الله عز وجل، وأن شقاوة الإنسان في الإعراض عنه سبحانه وتعالى، مصداقا لقوله تعالى في سورة طه “فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى” (الآية 123).

وبين أن السعادة الحقيقية هي التي تكون في الدنيا طريقا إلى الفوز في الآخرة، وأن المؤمن الصادق هو الذي يتمتع بالسعادة الحقيقية لأنه إذا أصابته سراء شكر فكان خيرا له، و إذا أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، مستدلا بالحديث الشريف الذي رواه الترمذي وابن ماجة بسند حسن  “مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا”.

وتساءل القادري عن أسباب تفشي الشقاء والعدمية وقلة السعادة بين الناس في مجتمعاتنا المعاصرة، خاصة في الدول الغنية قبل الفقيرة منها، وفي معرض إجابته عن هذا التساؤل أورد مجموعة من الأقوال، منها ما جاء في كتاب منهج الإسلام لصاحبه الدكتور أنس أحمد كرزون” فمن اجتهد في تزكية نفسه وترقيتها، حتى يبلغ درجة الإحسان، فقد فاز بسعادة الدنيا وسعادة الآخرة، وتلك هي السعادة الحقة التي تختلف اختلافاً كبيراً عن السعادة المتوهمة، التي يسعى إليها أهل الدنيا، يشقون ليحظوا بها، فلا ينالون إلا مزيداً من الشقاء والتعاسة”، كما أورد ما جاء عن ابن مسكويه من أن السعادة لا تكون بإشباع حاجات البدن، بل بإشباع البدن والنفس معا لأن الإنسان في حقيقته وحدة واحدة، وأضاف أن السعيد هو كل من توفر له الحظ من الحكمة فكان مقيما بروحانيته في الملأ الأعلى، يستنير قلبه بالنور الإلهي، لكنه في الوقت ذاته يعطي جسده حقه، عملا بمبدأ “لا إفراط ولا تفريط “.

وأوضح أن طريق السعادة ليس العقل ولا الجسد وإنما تتأتى بالمجاهدة لأجل تحرير النفس من رغباتها وشهواتها عن طريق عمليتي التخليـة والتحلية، أي التخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل، من أجل الوصول في النهاية إلى السعادة الحقيقية، سعادة المشاهدة القلبية لأنوار الحقيقية الإلهية، وهو ما يعبر عنه أهل التصوف بالإشراق، ولفت الانتباه إلى أن مِن أهم ما يجلِب السعادة أن يكون المرء سببا فِي إسعاد الناس، ففيه متعة لا يعرفها إِلا من جربها، وسعى إلى تنفيذها واقعا عملِيا، سواء تعلق العطاء بشيء محسوس كمساعدة الفقير بمال، أو كان معنويا، كالصلح بين الناس، وتفريج الكرب، التي يدخل ضمنها نصرة المظلوم، والإِحسان الى الجارِ، وَكفالة اليتيم، وَإمهال المدين المعسرِ، مذكرا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم “مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْـلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا دَامَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أخِيهِ”.

و نبه الى أن من أكثر الناس خسرانا و تعاسة، من يظن أن بإمكانه  أن يجد في قلبه سعادة، وهو لا يملك قلبا سليما من  الأضغان وَالأحقاد، مشيرا الى قوله تعالى في سورة الشعراء “يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم “(الآيتان 88و89)، مضيفا أن على كل إنسان أن يحرص على طهارة قلبه مِنَ الأمراض، من كبر وغل وحسد وغيرها، لأن صفاء القلب وَنقاء السريرة من سمات أهل الجنة الذين وصف الله حالهم بِقوله تعالى في سورة الأعراف: “وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ”(الآية 43)، وذكر الفرق بين نفس مطمئنة راضية بقضاء الله، وسعيدة بفضله على عِباده، وأخرى لا يهنأ لها بال، وَلا يقر لها قرار إلا أن  ترى النعم عن غيرها زائلة.

واختتم كلمته بالتأكيد على أن الطريقة القادرية البودشيشية،  ما فتئت تبرز الدور الفعال الذي يضطلع به المكون الصوفي في الحفاظ للأمة على مقوماتها الروحية والإنسانية بصفته نهجا تربويا احسانيا ينشد تحرير النفس البشرية من أسر المادة والشهوات، ويسمو بالفرد والمجتمع ككل في تجربة راقية نحو مدارج السعادة الربانية، وتكوين مواطنين صالحين مصلحين تحدوهم الرغبة في العمل على رقي وطنهم وازدهاره  تحت القيادة الرشيدة لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله والمبادرات الملكية الرامية إلى تعزيز قيم التضامن والوعي بالمصلحة العامة، وتحرير الطاقات خصوصا لدى فئة الشباب، وتخليق الحياة العامة وابتكار الحلول الناجعة ، موردا مقتطفا من خطاب جلالته  بمناسبة الذكرى 16 لعيد العرش المجيد “فطموحنا من أجل إسعاد شعبنا ليس له حدود، فكل ما تعيشونه يهمني: ما يصيبكم يمسني، وما يسركم يسعدني. وما يشغلكم أضعه دائما في مقدمة انشغالاتي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق