احتفالات ذكرى استقلال المحافظات الشمالية الصومالية بين خيارات الوحدة أو الانفصال عن الوطن الأم
يحتفل الصوماليون في كل عام يوم السادس والعشرين من يونيو وهي يوم تاريخي للشعب الصومالي، نالت فيه المحافظات الشمالية في البلاد من استقلالها من الاستعمار البريطاني ،كما أنها توافق ذكرى رفع العلم الصومالي لأول مرة على الأراضي الصومالية وتحديداً في مدينة هرجيسا في 26 يونيو 1960 وذلك بعد انسحاب القوات البريطانية.
واستمرت المسيرة بعد كفاح طويلة التى تزيد عن 70 عاما ضد المستعمر البريطاني ومرت المسيرة التحريرية في المحافظات الشمالية ضد الاستعمار البريطاني بالعديد من الإرهاصات والمقدمات، التي انتهت بهزيمة الاستعمار .
وهذا اليوم يرمز إلى التضحيات الجسيمة والإسهامات الكبيرة التي قدمها الأجداد والآباء في سبيل الاستقلال والتحرر من الاستعمار الأوربي الغاشم، وقد أثبت الشعب الصومالي وحدته واستقلال قراره، ما أجبر هذا المستعمر على الخروج بعدما تعب من المقاومة الشعبية ضده، من أبرز الأحزاب المناضلة حزب وحدة الشباب الصومالي في الجنوب والرابطة الوطنية الصومالية والحزب الصومالي المتحد في الشمال.
ونتذكر هذه الأيام، جهود أجدادنا المناضلين الذين بذلوا الغالي والنفيس لتحقيق الحرّية واستقلال البلاد ، وقد استشهد خلال الكفاح البطولي العديد من المناضلين من بينهم المناضل الكبير السيد محمد عبدالله حسن الذي نادى بالاستقلال والوحدة في جميع الأجزاء الصومالية المحتلة، وقد ساهم مع غيره من رفاق السلاح بممارسة ضغوط على المستعمر سلمياً ثم عسكرياً بغية نيل الحرية والاستقلال.
وفي مدينة بربرة، ونواحيها، برزت حركة وطنية بقيادة الشيخ بشير شيخ يوسف، وكان هدفها إجلاء الاستعمار من أراضي الصومال كاملة، وبعد كفاح استشهد الشيخ بشير، وذلك عام 1947م.
وكان دورالشعراء والإعلاميين والمثقفين لافتا بالنسبة للانشطة الناضلية وبالفعل تعاطفوا مساندين مع حركة التحرر من أجل الاستقلال ، كما قدموا الكثير من المساهمات في إطار التعاطف القومي والانساني مع المناضلين ، إلى جانب ذلك شارك بقوة الشعراء الصومالية في مواجهة الاستعمار، ومن هؤلاء الشاعران محمد إسماعيل محمود (برخادش) وعبدالله سلطان (تيم عدى) حيث أدّيا على غرار زملائهم، دورًا رئيسيًا في النضال من أجل استقلال بشكل فعال في مقطوعات شعرية من الأغراض الوطنية والحماسية، لتثير تلك القصائد خلجان الشعب، وتلهب عواطفهم الوطنية ومشارعهم نحو حب الوطن، كل ذلك تحقق بشكل مباشر، وغير مباشر.
فكانت رغبة أبناء المناطق الشمالية واضحه في تحقيق وحدة كبرى للأراضي الصومالية، زار قادة أبناء الشمال لإخوانهم في الجنوبي الصومالي لعرض فكرة وحدة الشطرين الشمالي والجنوبي للبلاد من أجل المواصلة لتحرير باقي أجزاء الأراضي الصومالية الكبري وتحقيق الحلم الكبير وبدون الشروط، وأسندت لأهل الجنوب الرئاسة ورئاسة الوزراء، ورئاسة مجلس النواب وكذلك الحقائب المهمة في مجلس الوزراء وتم الإعلان بوحدة الشطري الجنوبي والشمالي للصومال في 1 يونيو 1960م باسم جمهورية الصومال الديمقراطية.
وفي بداية عام 1961م؛ أي بعد الاستقلال والوحدة بأقل من عام؛ زاد شعور أبناء محافظات الشمالية بأن الإخوة في الجنوب ليسوا جادين فيما يتعلق بالصومال الكبير، وأنهم ارتكبوا خطأ كبيرا عندما سلموا دولتهم لهم، و بعد أن اكتشفوا أن الحلم الذي كان يراودهم؛ والذي ضحوا بدولتهم وسيادتهم من أجله حلم عسير المخاض، ولما استيأس أبناء المحافظات الشمالية وضع السياسي في البلاد حاول عدد من ضباط الجيش المنتمين لمحافظات الشمالية القيام بمحاولة انقلاب فاشلة كان هدفها إعادة سيادتهم.
وفي عام 1969م وصل اللواء محمد سياد برى إلى السلطة عن طريق انقلاب أبيض، وتوقع أبناء المحافظات الشمالية أن يكون هذا التغيير استهلالة لتصحيح الوضع، وأن يكون الجيش نصرة لحقوقهم المسلوبة إلا أن مرور الأيام والسنوات لم يصحبه تغير في الأوضاع المختلفة، وبخاصة المشاريع التنموية التي كان 90% منها يذهب للشطر الجنوبي ومن وهناء بدأت القشة التي قصمت ظهر البعير بحلول منتصف الثمانينيات، انتشرت حركات المقاومة ضد نظام الرئيس سياد بري ، تمكنت جماعات المعارضة العشائرية المسلحة في نهاية المطاف من الإطاحة بحكومة بري في عام 1991.
في 18 مايو 1991م أعلن وزعماء وشيوخ القبائل، والسياسيين، وممثلون من كافة شرائح المجتمع موتمر ” برعو للمصالحة وتقرير المصير” بمشاركة قيادات الحركة التحريرية وانتهى الاجتماع باتفاق الجميع على الإعلان ما يسمى جمهورية أرض الصومال وانفصال من طرف واحد عن الوطن الأم.
جمهورية أرض الصومال (صومالي لاند) المعلنة من طرف واحد، في شمال الصومال،ما زالت تنتظر أكثر من ربع قرن الاعتراف الدولي، منذ إعلان انفصالها عام 1991 ويظلّ حُلم نيْل الاعتراف الدوليّ هو الشغل الشاغل بالنسبة لإقليم أرض الصومال.
هناك الكثير من التحديات تقف عائقاً أمام الاعتراف الدولي ولايمكن تجاوزها بسهولة، ولعل أبرز تلك العقبات كون رغبة الانفصال منحصرا في عشائر “اسحاق” ذات الأغلبية في أقاليم الوسط في الشمال كما تعارض عشائر “هرتي دارود” ذات الأغلبية في محافظتي سول وسناغ ، إضافة الى عشيرة “سمرون” وان كانت تشترك الانتماء القبلي مع عشائر أسحاق، الا أنها تعارض أيضا الانفصال، يضاف الى ذلك رفض بعض عشائر اسحاق وخاصة تلك القاطنة في محافظة توغطير ، كما أن لإقليم ارض الصومال ممثلين في غرفتي البرلمان الفيدرالي ولهذه الأسباب تجعل الاعتراف مستحلا، يمثل حسم قضية أرض الصومال أمراً غاية في الصعوبة، خاصة في هذه المرحلة التي تعاني فيها الدولة الصومالية من عدة تحديات ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية و الرئاسية في البلاد.