الأمطار غيث نافع ولكن…
توفيت يوم الإثنين 23 نوفمبر 2020، فتاة الإحدى والعشريون سنة إثر سقوطها في بالوعة لتصريف المياه في معتمدية النفيضة من ولاية سوسة، ليخيم الحزن والصمت على الشارع التونسي، فهي ثاني حالة وفاة بالطريقة ذاتها بعد وفاة فتاة تبلغ من العمر تسع سنوات غرقا بنفس السبب سبتمبر الماضي، خلال فياضانات شهدتها تونس الكبرى، وتحديدا في منطة البحر الأزرق بالمرسى .
وهو ما كشف عن حجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية التي لم تعد تتحمل الأمطار التي كانت بمثابة غيث نافع لتتحول لوحش يافع يتربص بحياة التونسيين .
وفيما تواجه الحكومة إنتقادات متواترة، نجدها تبرر ما جد من حوادث “بالوعات” على لسان “فاخر شعبان” رئيس المديرية المركزية للوسائل والتجهيزات في ديوان التطهير، فترمي التهم لما سماه ب”لصوص أغطية البالوعات” محملة إياهم مسؤولية سرقة الأرواح في الآونة الأخيرة.
مما دفع بعض التونسيين إلى اعتبار مثل هذه التبريرات مجرد حجج واهية للتغطية على التخاذل في النهوض بالبنية التحتية التي أضحت تمثل كابوسا للتونسيين .
فمأساتهم تتكرر كل عام وكل شتاء، إذ تواترت السيول المدمرة منذ بداية التسعينات، أي أصبحت أكثر وحشية من ذي قبل، إلى غاية 2020 لتحصد ما يقارب 824 قتيلا و 354.5 ألف مسكن متضرر حسب تحيين ultra Tunis الإلكترونية، على غرار تلك التي جدت سنة 1969 مخلفة 542 قتيلا، والتي غمرت البلاد سنة 1973 مخلفة 100 قتيل ، وآخرها فياضانات نابل في سبتمبر 2018 التتي كانت أخف أضرارا بمعدل ستة قتلى .
وفي خظم هذه المأساة نجد أصحاب القرار يتذرعون بمخلفات التغير المناخي، وهذا التبرير الذي ما فتأت تتداوله منابر السلط المسؤولة، ليصبح توجيه أصبع الإتهام إلى الحتمية المناخية هو الحل كل ما جد جديد من سيول جارفة للتملص من المسؤولية على حد تعبير البعض.
من جهتهم يشكك بعض العلماء في فرضية إرتباط الفياضانات بالإختلالات المناخية، كما يؤكد ذلك نعمان الفهري، الأستاذ الباحث بقسم الجغرافيا بجامعة منوبة والمتخصص في ظاهرة الفياضانات في تونس .
غير أن دراسة تطور كميات الأمطار خلال العقدين الماضيين في تونس لم تؤكد صحة تزايد كميات الأمطار نتيجة الإحتباس الحراري .
تبرز البيانات الراصدة عن المعهد الوطني للرصد الجوي، المتعلقة بالأمطار، أن التراكم السنوي للتساقطات في تونس العاصمة بين 2005 و2015 لم يتجاوز إلا مرة واحدة معدل 446.5 ملم/سنة وهو المعدل المسجل في تونس-منوبية أقدم مصلحة للرصد الجوي في تونس . وهو ما ينفي تزايد كميات الأمطار ويبرئ التغير المناخي من ذنب السيول المدمرة .
ومنه فإن بنيتنا التحتية الهزيلة هي السبب الأول والأخير لهذه المصائب المتكررة ، فلا داعي للتملص من مسؤولياتنا في كل موعد.
فشبكات الصرف الصحي ، التي يعود تاريخها إلى الستينات والسبعينات والتي صممت على عجل لمقاومة كوارث كان من المتوقع وقوعها فقط مرة كل عقد أو عقدين ، خسرت قطرها نتيجة تراكم التربة والنفايات لتصبح سعتها اليوم دون المطلوب و غير قادرة على إستيعاب كمية كبيرة من الأمطار.