الإختيار..

قال لى الشاب الذي إلتحق بالعمل مؤخراً معنا في الشركة: لقد تجاوزت الثلاثين من عمري ولم أتزوج بعد!
قلت له متسائلا: هل لي أن أعرف الأسباب؟!
تنهد طويلا وقال والهم يعتصر قلبه:
_ مشكلتي هيّ مشكلة الملايين مثلي ألا وهي ضيق ذات اليد، وسط الإرتفاع الفضائي المجنون في الأسعار، وخاصة أسعار الشقق،

قلت له محاولا التخفيف عنه:
_كان الله في العون، قلبي معك حقيقي يابني،
ثم سألته: ماذا عن الفتاة التي تقاسمك الحياة؟
أفترت شفتاه عن إبتسامة وقال:
_هذه.. أمرها يسير، واستطرد: البنات كتير مثل الأرز، وعلى قفا من يشيل!
قلت مندهشاً : ألهذه الدرجة إختيار الفتاة التي تشاركك حياتك، وتصبح ام أولادك، وجدة أحفادك..بالآمر اليسير؟!
ضحك قائلاً : يا أستاذ، نحن جيل السرعة والتطور التكنولوجي والأجهزة اللوحية،

قلت ومازال الإندهاش يغطي وجهي وعقلي: ماعلاقة هذا بذاك؟!
قال: يكفيني أسبوع فقط حتى أجد شريكة حياتي وأدرس أخلاقها جيدا، وضحك بصوت عالٍ وأردف: وربما تكون صديقتي في الفيس بوك!

في الحقيقة سقط في يدي، ونزلت كلمات ذاك الشاب عليَّ كصاعقة رعدية في ليالي الشتاء، واستبدت بي الحيرة على هؤلاء الشباب المُتَسرعين في كل شئ، في ردودهم وإنفعالاتهم وقرارتهم، حتى في اختيار الزوجة، ولعل هذا ما يفسر ارتفاع نسبة الطلاق في الأونه لآخيرة بين الشباب المتزوجين حديثاً!

ليعلم الشاب ولتعلم الفتاة، أن أهم وأخطر قرار في حياة الإنسان هو إختيار شريكة الحياة، زوجة المستقبل واختيار شريك الحياة زوج المستقبل،
ولابد أن يُبني الإختيار على أسس وبهدوء بعيداً عن العشوائية والتسرع، لما سيكون لهذا القرار من تبعات مستقبلية، ستكون سبباً في نجاح ورسوخ وسلامة الحياة الزوجية، أو فشلها وماسيجلبه الفشل من مشاكل وهموم لاحصر لها خاصة في وجود ثمار من هذا الزواج وهم الأولاد.

وقد كان رسولنا الكريم صل الله عليه وسلم يدعوا ويقول:
(اللَّهُمَّ إنِّي أّعُوذُ بِكَ مِنْ جَارِ السُّوءِ، وَمِنْ زَوْجٍ تُشَيِّبُنِي قَبْلَ المَشِيبِ، وَمِنْ وَلَدٍ يَكُونُ عَليَّ رَبّاً، وَمِنْ مَالٍ يَكُونُ عَلَيَّ عَذَابَاً، وَمِنْ خَلِيْلٍ مَاكِرٍ عَيْنُهُ تَرَانِي، وَقَلْبُهُ يَرْعَانِي؛ إِنْ رَأَى حَسَنَةً دَفَنَهَا، وَإِذَا رَأَى سَيِّئَةً أَذَاعَهَا)

_ومن زوج تشيبني قبل المشيب  ” ((وهي المرأة السوء, وهي التي تراها فتسوؤك لقبح ذاتها, أو أفعالها, وتحمل لسانها عليك بالبذاءة، وتفتري عليك الكذب، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك))

واعلم أيها الشاب أن المرأة السوء تلك موجودة وبكثرة في المجتمع وخاصة في مجتمعك اللوحي الذي تتباهى به، ولكي تسلم منها ومن شرها وتآمن على حياتك الزوجية وعلى تنشئة أولادك التنشئة السليمة التى بلا شك أنت مسؤول عنها أمام ربك، وهو سائلك عنها بالتأكيد، عليك بالتريث وعدم التسرع في هذا القرار تحديداً، لأنه أهم قرار ستأخذه في حياتك كما أسلفنا من قبل، فيه سعادتك وشقاءك، فيه فرحك وغمك، فيه هناك وسَعدُك،

ولقد وضح رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا هذا الأمر، ووضع أسس الإختيار الصحيح  حيث قال:
( تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)

أخبرَ صلَّى الله عليه وسلَّم في هذا الحديثِ بِأوصافِ المرأةِ الَّتي يتعلَّقُ بها النَّاسُ في الزَّواجِ، وهي المالُ والحسَبُ والجمالُ والدِّينُ، ثُمَّ نصحَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بِاعتبارِ الدِّينِ، وأنْ يُجعلَ عليه المعوَّلُ في اختيارِ الزَّوجةِ؛ لأنَّ اختيارَ ذاتِ الدِّينِ يترتَّبُ عليه سعادةُ الدَّارَينِ الدُّنيا والآخرةِ، وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «ترَبتْ يداك»، أي: التصقتْ بِالتُّرابِ، ويقالُ على مَنِ افتقرَ،

الفتاة ذات الدين ستصون عرضك في غيابك، ستحفظ أولادك وترعاك وتتقي الله فيهم وفيك، فتنشئهم التنشئة الدينية وتُنمي فيهم الأخلاق الكريمة وتبعدهم عن كل ما يسوءك و يسوءهم،
وأنت أيتها الفتاة اختاري الشاب ذو الدين المحافظ على صلاته، الذي يتقي الله فيك ويرعاك، ويأخذ بيدك إلى طريق السعادة والصلاح في الدنيا، وطريق السعادة الأبدية في جنان الخلد،
عملا بقول رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم ( إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)

فالفتاة تُنكح لذات الدين، والدين يحوي كل شمائل الخير والموده والرحمة والعدل، والشاب يُرحب به خاطبا وزوجا لأنه ذو دين وخلق،فالدين والأخلاق الطيبة عاملان مهمان في اختيار الزوج أو الزوجة.

ومن هنا تنشأ أسر جديدة محصنة ضد الآوبئة والعلل المجتمعية، والتي زادت وانتشرت بشكل غير مسبوق،
ونسأل الله السلامة والعافية والتوفيق،

بواسطة
رزق البرمبالي - مصر
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق