الحايك الوجدي.. لباس الأجداد الذي جمع بين الستر والوقار

حين تسافر إلى مدن مغربية، وتحديداً إلى مدينة الألفية عروس الشرق (وجدة)، أو إلى النوارس والرياح (الصويرة)، أو حتى جوهرة الصحراء (العيون)، فلا شك أنك ستصادف في أحد شوارعها ودروبها نساء يرتدين غطاء أبيض يلفّ الجسد، أو “ملحفة” عليها خطوط ملونة ورموز، أو ما يسمى “الحايك”، علماً أن تسميته تختلف من منطقة إلى أخرى.

عرف “الحايك المغربي” قبل الجلباب كغطاء طبيعي كان سائداً في القرى وبعدها المدن المغربية، كأحد أهم الملابس التقليدية، وتساوى في ارتدائه النساء والرجال على حد سواء، قبل أن يتخلّى عنه الرجال لصالح النساء. ووصفه كثيرون بأنه أكثر أنواع الملابس عراقة، في وقت قال عنه آخرون إنه “لباس الأجداد الذي جمع بين الستر والوقار”.

الحايك المغربي هو ذاك الكساء الذي كانت تضعه النساء فوق ملابسهن عند الخروج من بيوتهن، وهو زي يغطي جسد المرأة من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها، ويغطي أيضا جزءا من وجهها حيث لا تظهر سوى عيناه، وما تزال تعرف به العديد من المدن المغربية التي تصر على أن يبقى هو الزي الذي يميز نسائها عن غيرهن في باقي المدن، لكن لبس وأصل الحايك من الأندلس، وتم نقله إلى مدن المغرب بعد إعجاب المرأة المغربية بذلك اللباس العفيف الطاهر الذي كان رمز من رموز الثورة المغربية.

ويرى باحثون أنه أصل كل الملابس الخارجية العالمية، وقد شبه برداء الرومان القدامى المعروف بالتوجا، في حين أفرد له الشاعر والزجّال المغربي “مصطفى سلوي” قصيدة زجلية تغزّل فيها بأيام مجد الحايك المغربي: “الحايك زين الكسوة، تلحيفة الهمة والشان، وسعد كل عروس من وجدة لتلمسان”.

يشار إلى أن الحايك المغربي خلال سنوات الاستعمار الفرنسي لم يكن مجرد زي نسائي يؤشر إلى قيم الوقار والحشمة والعفة بالنسبة للمغربيات، بل كان أيضا أداة لتمويه المستعمر من قبل الفدائيين الذين كانوا يرتدونه للتنقل بيسر بعيدا عن مراقبة المستعمر الفرنسي.

ويتّفق باحثون في أنّ “الحايك” و”الكساء” و”الملحفة” هي ألفاظ لمعنى واحد، مع فارق بسيط يحدده الكاتب محمد مقر في مؤلفه “اللباس المغربي، من بداية الدولة المرينية إلى العصر السعدي”.

حيث يقال إن الحايك خشن وغليظ والملحفة نوع من الكساء الرقيق، وهي شائعة الاستعمال في الصحراء المغربية وتتميز بطولها الذي يصل إلى عشرة أمتار، وتعقد في الأعلى لتأمين دائرتين يطلق عليهما لفظ “حلالين”، يمكنان المرأة من إخراج رأسها ويديها وإحاطة رأسها بجزء من الثوب ولف جسمها بالباقي.

أما النسوة، فيلتحفن بحائكهن عبر تركيزه عند الخصر بواسطة عقدة تسمى “المشموم”، أو بربطه إلى الحزام بشريط إضافي يمرّرنه خلف عنقهن ليشددن به حائكهن شداً محكماً، بعد ذلك تسحبن طرفاً منه على قامتهن مبتدئات من الكتف الأيسر حتى تغطية كل الجسم.

وبعد الانتهاء من الإلتحاف بالحائك تبادر المرأة إلى وضع اللثام أو النقاب أو الحجاب على وجهها، ثم تسحب الجزء الأعلى من الحائك على رأسها وتشد حواشيه عند صدرها، فتكون بذلك قد غطت كل جسمها. وتمسك المرأة الحائك وتحركه كما تشاء بيديها اللتين تظلان مختفيتين للحفاظ على التحكم في طرفيه من الداخل.

ونظراً للتحولات في المجتمع المغربي، تراجع بين النساء في القرى والمدن، وبات ارتداؤه يقتصر على فئة قليلة من النساء في بعض القرى المغربية.

كما دعى الشباب فيها إلى إعادة الإعتبار لهذا الزي التقليدي المغربي، فقد سبق ذلك حملة قام بها نشطاء بمدينة وجدة تحمل الفكرة ذاتها، ونظمت في فترات سابقة مهرجانات للحايك المغربي.

بواسطة
رشيد بنسعيد - وجدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق