الدكتور منير القادري.. السعادة والاطمئنان أصلها الإيمان وظاهرها الرحمة و الإحسان

كيف نحصل السعادة؟ وما علاقتها بالإيمان؟ وكيف نظر اليها الإسلام؟ وما هي الأسس والقواعد التي وضعها لها؟ وما هي تجلياتها في العلاقات الإنسانية؟ أسئلة وغيرها تولى الإجابة عنها رئيس مؤسسة الملتقى الدكتور منير القادري في مداخلته مساء السبت السادس والعشرين من الشهر الجاري، في الليلة الرقمية السابعة والتسعين ضمن فعاليات ليالي الوصال الرقمية التي تنظمها مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بتعاون مع مؤسسة الجمال.

أشار القادري في مستهل كلمته الى أن السعادة والاطمئنان ليست معاني مادية وإنما هي معاني روحية، تتجلى في معاملة الإنسان للخلق بالإحسان رجاء في ثواب الله، مذكرا بقوله تعالى: “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ”، إضافة الى ايراده لبعض الاقوال المأثورة.

وأضاف أن الإسلام وضح الأسس والقواعد التي تقوم عليها حياة القلب وسعادته، وأن من أخذ بها وطبقها منحه المولى السعادة الحقة والحياة الطيبة المطمئنة، وإن كان فقير الحال، وتابع أن من لم يطبقها أو تغافل عن أسبابها وأعرض عن مقوماتها شقي وأصابه الحزن والكمد والقلق وإن كان غنيا وقويا، مستشهدا بالحديث الشريف :(أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ. أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مضغة، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ”).

وزاد أن طريق السعادة لم تكن يوما في تحقيق متطلبات العقل و الجسد فقط، وتابع أن السعادة كل السعادة في أن يملك الرجل نفسه، والشقاوة كل الشقاوة في أن تملكه نفسه.

وأوضح أن حقيقة السعادة ومدارها في طاعة الله تعالى، والإيمان به، وإتباع هدى نبيه صلى الله عليه وسلم، مستشهدا بقوله : “فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى”. (سورة طه).

وبين أن السعادة تتأتى بالمجاهدة لأجل تحرير النفس من رغباتها وشهواتها عن طريق التخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل، موردا قول الدكتور أنس أحمد كرزون في كتابه منهج الإسلام في تزكية النفس: ”فمن اجتهد في تزكية نفسه وترقيتها، حتى يبلغ درجة الإحسان، فقد فاز بسعادة الدنيا وسعادة الآخرة، وتلك هي السعادة الحقة التي تختلف اختلافاً كبيراً عن السعادة المتوهمة، التي يسعى إليها أهل الدنيا، يشقون ليحظوا بها، فلا ينالون إلا مزيداً من الشقاء والتعاسة”، إضافة الى أقوال مجموعة من العلماء منها قول السهروردي: “ومرآة القلب إذا انجلت ولاحت فيها الدنيا بقبحها وحقيقتها وماهيتها ولاحت الآخرة ونفائسها، فتكشف للبصيرة حقيقة الدارين وحاصل المنزلين فيحب العبد الباقي ويزهد في الفاني”.

وقال القادري إن ” مِن أَهَمِّ أسباب جلب السَّعَادَةَ أَنْ يَكُونَ المَرْءُ سَبَبًا فِي إِسْعَادِ النَّاسِ بالبَذْلَ والعَطَاءَ، لأن فِيهِما مُتْعَةٌ لا يَعْرِفُهَا إِلاَّ مَنْ جَرَّبَهَا، وَسَعَى إِلَى تَنْفِيذِهَا وَاقِعًا عَمَلِيًّا، سَوَاءً تَعَلَّقَ العَطَاءُ بِشَيْءٍ مَحْسُوسٍ؛ كَمُسَاعَدَةِ الفَقِيرِ بِمَالٍ، أَوْ كَانَ مَعْـنَوِيًّا، كَالصُّلْحِ بَيْنَ النَّاسِ، وَنُصْحِ الآخَرِينَ، وَمِمَّا يَدْخُلُ فِي تَفْرِيجِ الكَرْبِ كنُصْرَةُ المَظْلُومِ، وَالإِحْسَانُ إِلَى الجَارِ، وَكَفَالَةُ اليَتِيمِ، وَإِمْهَالُ المَدِينِ المُعْسِرِ؛ لقول رسُول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْـلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا دَامَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أخِيهِ)) “.

ونوه الى أن التصوف -مقام الإحسان- كان ولا يزال المكون الأساس في الحفاظ للأمة على مقوماتها الروحية و الإنسانية بصفته نهجا تربوي احساني، ينشد تحرير النفس البشرية من أسر المادة و الشهوات ويسمو بالفرد والمجتمع على حد السواء عبر تجربة روحية راقية نحو مدارج السعادة الربانية.

وأردف موضحا أنها تروم تكوين مواطنين صالحين مصلحين تحدوهم الرغبة في العمل على رقي وطنهم و ازدهاره و تعزيز قيم التضامن و التكافل الاجتماعي فيه والتخلص من الحالة الفردية والأنانية التي قد تطبع سلوك الأفراد بما يمكن من تحرير الطاقات ونشر ثقافة الأمل، خصوصا في أوساط الشباب، و تمنيعهم من أخطار العدمية و اليأس و التطرف وفتح آفاق المستقبل أمامهم والإسهام في إنتاج نخب كفاءات وطنية، وتخليق الحياة العامة، وإشاعة التربية على المواطنة الإيجابية، وابتكار الحلول وطرح المشاريع المجتمعية الناجعة.

وفي ذات السياق أورد مقتطفا من الخطاب السامي الذي وجهه جلالة الملك محمد السادس نصره الله الى الأمة، بمناسبة الذكرى 16 لاعتلائه العرش العلوي المجيد: “فطموحنا من أجل إسعاد شعبنا، ليس له حدود. فكل ما تعيشونه يهمني: ما يصيبكم يمسني، وما يسركم يسعدني. وما يشغلكم ، أضعه دائما في مقدمة انشغالاتي” .

واختتم مداخلته بالدعوة الى اغتنام شهر رمضان المبارك الذي هو على الأبواب، وترجمة محبة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيه عمليا، باستغلال فرص الخير، وطلب سعادة الاجتهاد في الطاعات والعبادات والسعي في اسعاد الناس، سَوَاءً تَعَلَّقَ العَطَاءُ بِشَيْءٍ مَحْسُوسٍ؛ كَمُسَاعَدَةِ الفَقِيرِ بِمَالٍ، أَوْ كَانَ مَعْـنَوِيًّا، كَالصُّلْحِ بَيْنَ النَّاسِ، وَنُصْحِ الآخَرِينَ، مذكرا بقول الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْـلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا دَامَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أخِيهِ) ).

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق