الزعيم مكرم عبيد .. والمواطنة المصرية (3-4)
وهو المدافع عن الكادحين والمهمشين :
فقد دافع الزعيم مكرم عبيد عن الموظفين والعمال والفلاحين فى عز حكم الإقطاع فى الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين وقبل ثورة 23 يوليو 1952م بل وفى قلب البرلمان المصرى آنذاك وذلك أثناء تقديمه ” الميزانية ” كوزير للمالية وهذا ما يحسب لزعيمنا الكبير .
ففى خطابه بالبرلمان االمصرى لعرض الميزانية عام 1936م :
طالب بتحسين حال الموظفين مدافعا عنهم قائلا :
” الموظفون ليسوا إلا فريقا من الشعب له وزنه لاجتماعى والاقتصادى وعلى الحكومة أن تراعى مصالحهم كما تراعى مصالح غيرهم من أبناء الشعب .. وأنهم أصبحوا ركنا هاما من بنائنا الاقتصادى ” ١)
وفى خطبته التى ألقيت فى فندق الكونتننتال بالقاهرة لتكريم سعد زغلول بتاريخ 6-5-1924م
والتى كانت سببا لفصله من التدريس بكلية الحقوق ونفيه مع سعد زغلول ورفاقه إلى جزيرة سيشل
أبرز مكرم عبيد الدور التاريخى للموظفين فى نجاح ثورة 1919م وأنه قد حدث تطور كبير فى نفسية الموظفين .
وكشف خطة اللورد كرومر :
من التعدى المحزن على برامج التعليم وانتزاع كل مادة يمكنها أن تغذى النفس من علوم التعليم ؛ ليكون المصريون المتعلمون موظفين ، وأن يكون الموظفون آلات عاملة على تنفيذ مرامى السياسة مؤتمرين وأن أمروا مرءوسين وأن رأسوا .
ثم عقب قائلا : “ولكن فاتهم أن الفلاح المصرى الذى أرادوا أن يلقنوه العلم مبتورا ليصبح موظفا بالحكومة هو ذلك المصرى القديم الذى كتب أول وأمجد صفحة فى كتاب المدنية وأن تلك المواهب الكامنة فيه لابد أن تنبثق انبثاقا إذا ما وصلها القليل من ضوء الشمس , وأنه بفضل استعداده الفطرى لن يرضى بذلك القليل , بل سيسعى وسيصل إلى الكثير , نعم وإن فلاحا موظفا سيصبح يوما سعد زغلول .
بل دافع عن حق الموظفين فى العمل السياسى خارج وظيفتهم , ويستنكر منعهم بتاتا حتى خارج وظيفتهم قائلا :
” أتفق مع أنه ليس للموظف أثناء تأدية عمله أن يتأثر بأهوائه أو ميوله السياسية أو يدخل السياسة فى أى شأن من شئون عمله.
ولكن الموظف خارج وظيفته إنسان له حقوق الإنسان ومصرى له ما للمصرى , غير أن الدكتاتورية حرمت على الموظفين أن يعنوا بمصير بلادهم ٢)
ويدافع عن الفلاحين قائلا :
ألا تعلمون يا حضرات النواب أن الفلاحين هم وحدهم الذين يدفعون الجزء الأكبر من الضرائب العقارية , وأن هذه الضرائب هى المورد الوحيد الثابت الذى يدعم كياننا الاقتصادى ويبلغ 6300800 ج !!
ففى أى شرع وفى أى اقتصاد يحمل الفقير عبء الضرائب لأنه زارع وينجو منها الغنى إذا لم يكن زارعا , فكأنه لا يكفى الفقير فقره حتى ينقض بالضرائب ظهره !!
ويقول متحسرا :
متوسط ما يملكه المصرى فى بلاده 2.34 فدان .. بينما الأجنبى يملكما متوسطه 78.97 فدان 3)
-بل فى عرضه للميزانية سنة 1942م فى مجلس النواب وصف الاقطاعيين المصريين الذين يستغلون الفلاح المصرى ويجعلونه كبش فداء ومحل استغلال لكل العهود بأنهم ” استعمار مصرى ” 4)
ثم يقول :
الكارثة الاقتصادية التى يعانيها فلاحونا وعمالنا الذى يتكون منهم مجموع الشعب أو أكثر من90% منه والذين يعيشون بين ظهرانينا وفى جوارنا وكأنهم من دار غير دارنا ومن عصر غير عصرنا ومن مصر غير مصرنا .
الفلاح يكاد يأكله العمل وغيره يأكل ويلبسه العرى وغيره يرفل , ويضنيه العيش القذر والمأوى القذر والمرض القذر والماء القذر وغيره يتجمل . حتى لكأن المسكين يخرج من الجنة لكى يدعنا ندخل .
كلما شهدت هذه المزريات المفجعات وحاولت أن أقارن أو أوازن بين ما نرى فى مصر من مفارقات , تولانى شعور أشد إيلاما من الحزن والأسى لأنه مقترن بالكثير من الخجل والكثير من الوجل , فقد كنت اسائل نفسى : هل حقا قد حققنا لمصر استقلالها فى حين أن مصر الفلاحة ومصر العاملة – وهى تكاد تكون مصر الكاملة – فقد استعبدت للأرض وأصحاب الأرض ٥)
ومن كلماته الخالدة:
يجب تحرير الفقير من فقره
كى يتمكن من المساهمة فى تحرير وطنه ٦)
وهو العروبي الكبير الداعي للوحدة العربية :
ففى صيف عام 1931م زار مكرم عبيد بلاد الشام ” سوريا ولبنان وفلسطين ”
وخطب فى بيروت ودمشق وشتورا والقدس وعكا وحيفا .
وخلال هذه الزيارة أكد زعيمنا الكبير على أهمية الوحدة العربية .
وفى ذلك يقول :
-الوحدة العربية حقيقة قائمة وهى موجودة لكنها فى حاجة إلى تنظيم , والغرض من التنظيم إيجاد جبهة تناهض الاستعمار وتحفظ القوميات وتوفر الرخاء وتنمى الموارد الاقتصادية وتشجع الانتاج المحلى وتزيد فى تبادل المنافع وتنسيق المعاملات .. ويؤدى ذلك إلى الاستفادة من الجهاد المشترك الذى يقوم به العرب فى كل قطر من الأقطار العربية فى سبيل الحرية وتوطيد دعائم الاستقلال ٧)
-المصريون عرب من حيث اللون واللغة والخصائص السامية والقومية والثقافة وتاريخ الحضارة ٨)
`-الوحدة العربية أساسها المحبة والولاء وغذاؤها الجهاد والفداء ٩)
-ليس أجمل ولا أروع من هذه الرابطة الروحية التى تجمعنا نحن الأمم الشقيقة ولا تنسوا أن الشقيق حقا ليس هو الشقيق جنبا بل هو الشقيق حبا .. فكل ما فى الإنسانية من فضيلة أساسها المحبة والرحمة ومن ثم كانت الوطنية حب الوطن والفضيلة حب الخير 10)
– نحن عرب فى جهادنا القائم فى كل أقطار العروبة لاستكمال الحرية وإحياء مجد الحضارة العربية
-نعم نحن إخوان تجمعنا وإياكم وسائر البلاد العربية الناطقة بالضاد روابط وثيقة خصنا التاريخ بها دون سائر البشر , بل وروابط مجيدة تساير المجد حيث سار أو استقر 11)
– إن هذه الرابطة تحتاج إلى روابط سياسية هى الإيمان بالحرية والاستقلال وترقية الثقافة .. ورابطة اقتصادية تتبادل فيها المنافع
إذن فلنوحد الجهود والأعمال والأفكار وسنتخذ من هذه الوحدة العربية دروعا تقف أمام المستعمرين 12)
-وكان يرى أن الوحدة الوطنية والوحدة العربية لا يتعارضان ١٣)
وهو المدافع الجسور عن فلسطين الحبيبة :
وذلك منذ زيارته لها فى 1931م فيقول :
” إننا نكره كل تعصب جنسى أو دينى فلسنا خصوما لإخواننا اليهود بل نحن خصوم كل فكرة استعمارية وإن سميت بالصهونية ” ١٤)
وحذر من غزو المنتجات الصهيونية للسوق العربية
ودعا لانشاء بنك عقارى زراعى فلسطينى بالاكتتاب العام بمبلغ مليون ج حتى يستطيع عرب فلسطين إنقاذ أراضيهم ومساعدة الفلاح الفلسطينى بالسلف والبذور لزراعة واستصلاح الأراضي البور.
ونادى بانشاء مصانع للذخيرة والأسلحة وبث روح الجندية بين كافة الطبقات وذلك لتحرير فلسطين من العصابات الصهيونية .
وهو داعية العدالة الاجتماعية :
الذى نادى بالتوازن الاقتصادى والعدالة الاجتماعية بين طبقات الشعب المختلفة .
وفى ذلك يقول :
-القول بأن تحديد أجر العامل الحكومى بحيث لا يقل عن خمسة قروش يوميا , أو إعفاء الفلاح من الضريبة إذا بلغت خمسين قرشا سنويا أو إلغاء السخرة أو ما شاكل ذلك من إجراءات .
القول بأن هذه الاصطلاحات تنطوي على اتجاهات اشتراكية فيه ظلم للاشتراكية ولنا !!
فما هى إلا الألف والباء من قاموس العدالة الاجتماعية 15)
وطالب برفع مستوى المعيشة على وجه السرعة لأنه من غير المقبول عقلا وعدلا أن تطبق المقاييس العادية على الأحوال غير العادية لأن ” الجوع والعرى لا يهملان ولا يمهلان” 16)
-ويطالب بالعدالة الاجتماعية والتوازن الاقتصادى بين فئات الشعب المختلفة وذلك بمجلس النواب المصرى مستشهد بقول عمر بن الخطاب رضى الله عنه ” والله ما أحد أحق بمال الدولة من أحد وما أنا أحق به من أحد , والله ما من الناس من أحد إلا وله فى هذا المال نصيب فالرجل وبلاؤه والرجل وقدمه والرجل وحاجته … والله لئن بقيت لهم لنأتين الراعى بجبل صنعاء حظه من المال وهو فى مكانه يرعى ” .
ويعلق قائلا ” والحق يا حضرات النواب إننى لم أقرأ فيما قرأت من كتب الاجتماع والاقتصاد الحديثة تعريفا أو تحليلا للعدل الاجتماعى أو الاقتصادى أجمع وأروع من هذه الكلمات الخالدات التى جاءت على لسان عمر رضى الله عنه فكانت دستورا للاقتصاد فى كل أمة وفى كل عصر ١٧)
انظروا إلى القاعدة التى وضعها لتوزيع مال الدولة توزيعا عادلا بين الناس بحيث يكون لكل انسان فيه نصيب مع مراعاة الرجل وبلائه ” أى عمله ” والرجل وقدمه ” أى أقدميته وخبرته ” والرجل وحاجته ١٨)
-وانتقد اغنياء الحرب ومستغليها حتى تضخمت ثروتهم مما أدى للتضخم وتفاقم غلاء المعيشة وكان من جراء ذلك ” أن أصبح الفلاح أقرب إلى المعدم منه إلى الفقير واتسعت الهوة بينه وبين الأغنياء ” ١٩)
وهو الفنان المتذوق للفنون والموسيقى :
كان زعيمنا الكبير محبا للفنون الجميلة وللشعر العربى , حافظا للكثير من أبياته وكان يستشهد بها أفضل استشهاد فى خطبه ومرافعاته .حتى أنه عندما شاهد الفنان الكبير محمد عبد الوهاب يغنى صغيرا – أشار على المسئولين عنه بمنعه من الغناء فى هذه السن الصغيرة – حفاظا على أحباله الصوتية … ثم تبناه وفتح له بيته وكان يتناقش معه كثيرا حول أعماله .
يقول الفنان الكبير محمد عبد الوهاب :
كان مكرم عبيد فنانا حتى أطراف أصابعه , فى كافة مجالات التذوق الفنى وفى تعامله مع الأشياء وفى طريقة حياته ولكن الموسيقى والغناء كانا غرامه فهو مستمع نادر للموسيقى الشرقية والغربية وخبير بهما وكان له صوت رخيم ميزه للملايين الذين سمعوه يخطب بين الجماهير 20)
الهوامش :
١-انظر ” مكرم عبيد .. كلمات ومواقف ” منى مكرم عبيد ص ٢٣٩
٢- المرجع السابق ١٣٨
٣- المرجع السابق ٢٤١
٤- المرجع السابق ٢٧٢
٥- المرجع السابق ٢٧٢
٦- المرجع السابق ٣٧٧
٧- المرجع السابق ٢٦٥ ، ٢٦٦
٨- المرجع السابق ٢٦٤
٩- المرجع السابق ٢٥٢
١٠- المرجع السابق ٢٥٣
١١- المرجع السابق ٢٠٩
١٢- المرجع السابق ٢٢١
١٣- جريدة الأهرام المصرية بتاريخ ١١-١٠-١٩٤٤م
١٤- خطبة لمكرم عبيد بنادى الكتلة الوفدية لتكريم وفد فلسطين بتاريخ ١٩-١٢-١٩٤٥م
١٥- أنظر ” مكرم عبيد .. كلمات ومواقف ” منى مكرم عبيد ص ٢٧٤
١٦- المرجع السابق ٣٠٤
١٧- المرجع السابق ٣٠٦
١٨- المرجع السابق ٣٦٦
١٩- المرجع السابق ٣٠٨
٢٠- المرجع السابق ٣٤