الصراع القوقازى ما بين التركى والخليجى (2)

هذه السلسلة تحاول الجواب عن الأسباب الحقيقية لاندلاع الصراع ( القديم/ الجديد) في منطقة القوقاز بين أرمينيا وأذربيجان، ومن هي الأطراف الفاعلة في الصراع أو المحركة له ولماذا؟

وقد انتهينا فى الحلقة الماضية عند سؤال : لا أعتقد أن هذه الحرب الاذرية على الأرمينية، نشبت لأسباب داخلية بين البلدين، ولكن ورائها محرك قوى وهو المحرك التركي الذي يحاول أن يقفز على ما أجرى فى الخليج، من اتفاق تطبيع بين كلا من الإمارات والبحرين من جهة وبين إسرائيل من جهة أخرى برعاية أمريكية، ولكن ما السر وراء اندفاع تركيا فى إشعال منطقة القوقاز وما علاقة ذلك بما جرى فى الخليج ؟

تعمدت القوات الأرمينية ضرب مدينة كنجة فى أذربيجان يوم 4/10 الجاري، وتم تفجير خط النفط الرئيسي، هذا الخط الذي يمتد من بحر قزوين إلى تركيا ومنه إلى إسرائيل.

هذا البترول الذي يعد المصدر الرئيسي للمصافي البترولية الإسرائيلية فى اشدود وحيفا، والذى يؤتى إلى إسرائيل عبر الوكيل التركى الذى يحافظ على تدفقات النفط الاذرية الى إسرائيل، والخط يحفظ لتركيا تدفقات مالية هائلة وعلاقات دبلوماسية وأمنية …

وعلى الرغم من وجود علاقات دبلوماسية وتبادل سفارات بين كل من أرمينيا  وإسرائيل منذ استقلال الأولى عام 1991، وقد فتحت سفارتها للمرة الأولى في تل أبيب قبل قبل اندلاع الحرب بأيام قليلة …

غير أن تزويد إسرائيل لأذربيجان بالسلاح والطائرات المسيرة ( الدرون) اغضب أرمينيا وعليه قام  الرئيس الأرمني أرمين سركيسيان بالاتصال  بنظيره الإسرائيلي رؤوفين ريفلين لطلب وقف الرحلات [التي تحمل ذخائر إسرائيلية إلى أذربيجان]، غير أن ريفلين رد بأن العلاقات الإسرائيلية مع أذربيجان “لا تستهدف أي طرف”.

فكان رد أرمينيا فى صورة ضرب خط الإمداد الذرى التركي الواصل الى إسرائيل، والتى تزود أذربيجان بطائرات بدون طيار ومعدات عسكرية أخرى يتم استخدامها في الأعمال العدائية الأخيرة.

تلك الأعمال القتالية التى بدأت من قبل أذربيجان وبدعم من تركيا؛ وجاء ذلك في أعقاب مناوشات حصلت في تموز/يوليو، قُتل خلالها جنرال أذري.

إسرائيل التى تعمل ومن خلال تركيا على تحالفها مع أذربيجان منذ انهيار الاتحاد السوفيتى،  وقد استفادت تركيا وأذربيجان من هذه العلاقة إمدادات إسرائيل بالنفط  فى مقابل معلومات أمنية ومعدات عسكرية .

والحرب فى منطقة القوقاز تشكل أداة ضغط على إسرائيل  من قبل تركيا بتقليل هذه الواردات النفطية التى تعتمد عليها الحياة فى إسرائيل، والتى تطلب من إسرائيل مزيدا من الدعم فى الحرب ومناطق أخرى فى مقابل توفير ما تحتاجه إسرائيل من موارد بترولية …

غير أن ما قامت به الإمارات العربية فى ظل التوتر فى القوقاز من توقيع اتفاقية إستراتيجية بينها وبين إسرائيل والولايات المتحدة وذلك فى 2/10 الجاري، مثل طوق نجاة لإسرائيل من الابتزاز التركي وتوفير إمداد للغاز والطاقة الشمسية والبترول بالإضافة لمشاريع تنقيب جديدة بالشراكة بين ابو ظبى وتل أبيب.

هذا بالإضافة إلى ضخ منتجات النفط  من الإمارات عبر خط الأنابيب الذي لا يُستخدم بطاقته الكاملة والذي يمتد من ميناء إيلات على البحر الأحمر إلى ميناء أشكلون على شاطئ البحر المتوسط. وتم بناء هذا الخط أساساً لنقل النفط الإيراني قبل الثورة الإسلامية عام 1979، وقد يتمتع بالقدرة الاحتياطية لتعويض واردات النفط الإسرائيلية من أذربيجان.

هذا الاتفاق ربما يمثل ضربة إماراتية جديدة لتركيا، وهو جزء من الحرب المفتوحة بين ابو ظبى وأنقرة، وحيث أن الأولى ترفض وجود قواعد عسكرية تركيا على ارض الجارة الخليجية قطر، كما أن بين الاثنين معارك كبرى فى ليبيا حيث تدعم تركيا جماعة الإخوان فيها فى حين تدعم تركيا الدولة الوطنية الليبية، وبالنسبة لإسرائيل قد يكون الحل الخليجي الاماراتى حلا مناسبا من الناحيتين الاقتصادية والمستقبلي فى مسألة الاكتشافات البترولية والغاز الجديد. ومع ذلك، فإن قيام إسرائيل بهذه الخطوة يعنى إحجام إسرائيل عن مزيد من الدعم لأذربيجان وتركيا فى الحرب الدائرة .. وبهذا بطبيعة الحال يجعل موقف تركيا اقل ضعفا فى مواجهة روسيا والولايات المتحدة وأوروبا وجميعهم يرغبون فى وقف أعمال العنف والقتال فى منطقة القوقاز  .

وهذا الصراع الذي يبدو محليا فى وسط آسيا، قد القى بصداه داخل الناتو، وفى الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، والجميع أصبح يحمل  تركيا تبعات كل ما يحدث فتركيا التى أشعلت الحرب فى القوقاز لابتزاز إسرائيل، استطاعت الإمارات باتفاقها ان تجعل تركيا محل غضب الجميع ….

فقد أعلنت كندا الأسبوع الماضى وقف مبيعات السلاح الى تركيا التى تساهم فى الصراع القوقازى بدعم أذربيجان .

وقالت لورين سبيرانزا، مديرة الدفاع والأمن عبر المحيط الأطلسي في مركز تحليل السياسة الأوروبية: «ما زلنا نواجه خطراً كبيراً من الخلافات الثنائية التي يتم جلبها إلى الناتو… إعاقة قدرته على القيام بتسيير أعماله. هذا ليس شيئاً جديداً، لكن مزيج الإجراءات التركية الأخيرة دفع تلك المناقشات إلى مستوى أعلى. هناك الآن نقاشات حول كيفية جعل تركيا تدرك العواقب».

بقيت تركيا في الناتو لما يقرب من 70 عاماً لأنها بمثابة الجناح الجنوبي لحلف الناتو، وتحرس البوابة المؤدية إلى البحر الأسود، وتعمل كممر إلى الشرق الأوسط.

هذا النفوذ الجيوسياسي يمنحها مساحة كبيرة للمناورة. قالت راشيل ريزو، الخبيرة في الأمن عبر المحيط الأطلسي في مشروع ترومان للأمن القومي: «اتخذت تركيا في السنوات الأخيرة سياسة خارجية أكثر جرأة». «الولايات المتحدة وأوروبا تعلمان أن تركيا أفضل كحليف، لكن هذا لا يعني أن تركيا ليست شوكة في حلق الجميع».

وقالت سبيرانزا «كان من مصلحتنا دائماً إبقاء تركيا راسخة في الغرب، لكنها أغضبت الجميع.. والكونغرس، إن لم يكن إدارة ترامب بالكامل ويضغط المشرعون الديمقراطيون والجمهوريون على الإدارة لبذل المزيد من الجهود لقمع تركيا».

غير أن الكونغرس الامريكى بجناحى عازما على وضع حد فى القريب لتركيا بشكل عام ولاردغان بشكل خاص ….
ويبقى سؤال أخير: هل ستقف الحرب فى القوقاز أم مرشحة للتوسع أكبر ؟

وللحديث بقيه

بواسطة
محمود جابر السيد - مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق