الصِّدقُ مَنجاة…
قال تعالى:”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ”.التوبة (119)
الصِّدْق: نقيض الكذب، صَدَقَ يَصْدُقُ صَدْقاً وصِدْقاً وتَصْداقاً. وصَدَّقه: قَبِل قولَه.
وصدَقَه الحديث: أَنبأَه بالصِّدْق.
ويقال: صَدَقْتُ القومَ أي قلت لهم صِدْقاً، وكذلك من الوعيد إذا أَوقعت بهم قلت صَدَقْتُهم. ومن أَمثالهم: الصِّدقُ ينبئ عنك لا الوَعِيد.
ورجل صَدُوقٌ: أبلغ من الصادق. وفي حديث علي، رضي الله عنه:صَدَقَني سِنَّ بَكْرِه.؛ وهو مثل يضرب للصادق في خبره. والمُصَدِّقُ: الذي يُصَدِّقُك في حديثك.
وقوله تعالى: والذي جاء بالصِّدْقِ وصَدَّق به. روي عن علي بن أبي طالب، رضوان الله عليه، أنه قال: الذي جاء بالصِّدْق محمدٌ-صلى الله عليه وسلم- والذي صَدَّقَ به أَبو بكر- رضي الله عنه- وقيل: جبرئيل ومحمد، عليهما الصلاة والسلام، وقيل: الذي جاء بالصدق محمدٌ- صلى الله عليه وسلم- وصَدَّقَ به المؤمنون.
الليث: كل من صَدَّقَ بكل أَمر الله لا يَتخالَجُه في شيء منه شكٌّ وصَدَّقَ النبي- صلى الله عليه وسلم- فهو صِدِّيقٌ، وهو قول الله عز وجل: والصِّدِّيقون والشُّهَداء عند ربهم. والصِّدِّيقُ: المبالغ في الصِّدْق. وفلان لا يَصْدُق أَثَرُهُ وأَثَرَهَ كَذِباً أي إذا قيل له من أين جئت قال فلم يَصْدُقْ.
ورجلٌ صَدْقٌ: نقيض رجل سَوْءٌ، وكذلك ثوبٌ صَدْقٌ وخمار صَدْقٌ؛ حكاه سيبويه. ويقال: رجُلُ صِدْقٍ، مضاف بكسر الصاد، ومعناه نِعم الرجل هو، وامرأَةُ صِدْقٍ كذلك، فإن جعلته نعتاً قلت هو الرجل الصَّدْقُ، وهي صَدْقةٌ، وقوم صَدْقون ونساء صَدْقات؛ وأَنشد:
مَقْذوذة الآذانِ صَدْقات الحَدَقْ
أي نافذات الحدق؛ وقال رؤبة يصف فرساً:
والمراي الصدق يبلي الصدقا
وقال الفراء في قوله تعالى: ولقد صَدَقَ عليهم إبليسُ ظَنَّه؛ قرئ بتخفيف الدال ونصْبِ الظن أَي صَدَقَ عليهم في ظنه، ومن قرأَ: ولقد صَدَّقَ عليهم إبليسُ ظنَّه؛ فمعناه أَنه حقق ظنه حين قال: ولأُضِلَّنَّهم ولأُمَنِّيَنَّهم، لأنه قال ذلك ظانّاً فحققه في الضالين. أَبو الهيثم: صَدَقَني فلانٌ أي قال لي الصِّدْقَ، وكَذَبَني أي قال لي الكذب. ومن كلام العرب: صَدَقْتُ الله حديثاً إن لم أَفعل كذا وكذا؛ المعنى لا صَدَقْتُ اللهَ حديثاً إن لم أَفعل كذا وكذا.
والصَّداقةُ والمُصادَقةُ: المُخالّة. وصَدَقَه النصيحةَ والإخاء:أَمْحَضه له. وصادَقْتُه مُصادَقةً وصِداقاً: خالَلْتُه، والاسم الصَّداقة.وتصادَقا في الحديث وفي المودّة، والصَّداقةُ مصدر الصَّدِيق، واشتقاقُه أَنه صَدَقَه المودَّة والنصيحةَ. والصَّدِيقُ: المُصادِقُ لك، والجمع صُدَقاء وصُدْقانٌ وأَصْدِقاء وأَصادِقُ؛ قال عمارة بن طارق:
فاعْجَلْ بِغَرْبٍ مثل غَرْبِ طارِقِ، يُبْذَلُ للجيرانِ والأصادِقِ
وقال جرير:
وأَنْكَرْتَ الأصادِقَ والبلادا
وقد يكون الصَّدِيقُ جمعاً وفي التنزيل: فما لنا من شافِعين ولا صَديقٍ حَميم؛ ألا تراه
عطفه على الجمع؟ وقال رؤبة:
دعْها فما النَّحْويُّ من صَدِيِقها
الصدق طريق النجاة الصّدق هو أحد المقوّمات والدّعائمِ الأساسيّة التي يقوم عليه المجتمع النّاجح؛ لما له أثر كبير على حياة الفرد بشكل عامّ، وتآزر المجتمع بشكل خاصّ، فالصّدق يدخلُ بكلّ تفاصيل حياة الفرد، ولا يقتصرُ الصّدق على صدق القول والأحاديث، بل يتعدّى ذلك إلى دلالاتٍ أخرى في القرآن الكريم، ولو تمعّنا في حال المؤمن لوجدنا أنّه نالَ أعلى درجات الإيمان بفضل صدقه، وصدْقِ نيّته، في القول والعمل، وصدق الإرادة والعزم، فالمسلمُ حينما يكون صادقاً مع نفسه، ومع ربّه، ومع الناس جميعاً يستطيع تحقيق انسجاماً داخليّاً مع نفسه، وهذا يؤثّر على استقامته مع الناس أيضاً، ويبني علاقةً عامرة مع الله -عز وجل-. قال -الله عز وجلّ- في محكم كتابه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة 119 نستدلُّ من هذه الآية الكريمة بأنّ تحقيقَ التقوى وطاعة الله تستوجبُ عادةً بيئةً معيّنة تساعدُ المسلم على الطّاعة، والبيئة التي تمّ ذكرُها في هذه الآية الكريمة بيئة الصادقين، وقد خصّ الله -عزّ وجلّ- لفظةَ الصّادقين بهذه الآية الكريمة دون غيرها من الألفاظ؛ لأنّ الصادق هو الذي يستطيع نفع وتقديم كلّ ما هو خيرٌ لغيره، وعندما يصاحبُ المسلمُ الصّادقين فإنّه يأخذُ من آدابِهم، وأخلاقهم، وعلمهم، وأحوالهم، وهذا كله مدعاة لنجاة المرء. الصّدق سبيلُ الأمّة للنجاة من المهالك، كما قال الرّسول -عليه السّلام-: (إنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى
الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا). يتحقّقُ البرُّ هنا بالصدق، وهي كلمةٌ جامعة للأعمال الصالحة، وجميع أبواب الخير والفضل، أمّا الكذب الذي يؤدّي إلى الفجور فيعني الميلَ والانحراف عن الحقّ، وهذه كلها موانعُ للخير. ، وكما ورد أيضاً في الآية الكريمة :(فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ﴾ محمد 21 ؛ أي الخير كله والفضل في الصدق والتصديق. مرتبة الصدق مرتبة الصدّيقين تَلي مرتبة النبوّة في الإسلام، ويدلّ هذا على أهميّة الصدق في حياتنا الدّينيّة والدنيويّة، فهو يُبلّغنا أعلى الدّرجات، قال تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا). النساء 69
وقد وصف الله تعالى نفسَه بالصّدق في الآية الكريمة: (ومن أصدق من الله قيلا) النساء 122 كما وصف رسولَه الكريم أيضاً في الآية الكريمة: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) الزمر33
فمرتبةُ الصّدق إذاً مرتبة عليّة يصلُها المسلم حين يرتقي بكلّ تفاصيل حياته بصدق تامّ في الأقوال، والأفعال، والنّوايا.
أقسام الصدق
ينقسم الصّدقُ إلى مراتبَ وأقسامٍ كالآتي:
الصِّدق في الأقوال، وهو مطابقة الأقوال مع الواقع من غير تحريف.
الصِّدق في الأفعال، وهو مطابقة الأقوال مع الأفعال، كتنفيذ قسم أو حلف.
الصِّدق في العزم، وهو الصدق على إرادة الخير والتّوبة.
والصّدق مع الحال فيكون حال المسلم مطابقاً لقلبه ولسانِه.
الصِّدق في النيَّة، وهو تطهير النّفس من الشّوائب التي تلوّث النيَّة وتفتكُها بالآفات، وتجديد الإخلاص لله تعالى دائماً في النيّة.
ثمرات الصدق
يعودُ الصّدق بثمرات ومنافعَ عديدة على صاحبه، نذكرُ بعضاً منها:
-تحقيق العبوديّة لله عزّ وجل: وذلك بالاقتداء بنهج نبيّه -علية السّلام-، والشعور بمراقبة الله -عز وجل- لنا في أقوالنا وأنفسنا، ودوام الصّلة بالله -عز وجل- حين نطلب الهداية بصدق. — نيل حسن العاقبة في الدنيا والآخرة: ينال الصادق خير الدنيا وحُسن الخاتمة في الآخرة بفضل الصّدق، كما ورد عن الرّسول -عليه السّلام- في الأحاديث المذكورة أعلاه.
– نيل الثناء في الملأ الأعلى وفي الدنيا: ينال الصّادق درجة الثناء في الملأ الأعلى، وتعلو منزلته في الدّنيا، ويعظم قدرُه بين النّاس نتيجة تَحَرّيه للصدق، كما ذُكر في الحديث أعلاه. البركة في الدنيا والآخرة: حصول الصّادق على بركة في عمره وفعله ورزقه عند تطبيق الصدق في كلّ حياته.
– عِظَم القَدْر، وعُلُوّ المنزلة في المجتمع: فالذي يتحلّى بالصّدق يَعْظُم قَدْرُهُ، وتعلو منزلته بين الناس؛ لاعتقادهم أنه ما فعل ذلك إلاّ عن حسن سيرة، ونقاء سريرة، وكمال عقل.
– مصدر للرّاحة النفسيّة والطّمأنينة: تستقيم حياة الفرد بالصّدق، ومن ثمَّ يتخلّص من المُكَدِّرات التي تشوبُ حياة بعض الأفراد؛ بسبب عدم الوضوح والشكّ، قال الرسول -عليه السّلام-: (دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقِ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ).
– الصدق نجاة لصاحبه: كما في قصة كعب بن مالك لمّا تخلّف عن غزوة تبوك.
قول كعب : (فجئت وسلمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فتبسم تبسُّم المغضب، ثم قال: تعال يا كعب.. فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: ما خلَّفك يا كعب ؟ ألم تكن قد ابتعت ظهراً؟ -أي اشتريت مركوباً- قال: قلت نعم: يا رسول الله! والله! لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر، لقد أُعْطيتُ -والله- جدلاً، لكني -والله- قد علمت لَئِنَّ حدثتك -اليوم- حديث كذب ترضى به عني ليوشكنَّ الله أن يُسخطَك عليَّ، وإن حدثتك حديث صدق تَجِد عليَّ فيه، إني لأرجو فيه عفو الله عز وجل، والله! ما كان لي من عذر، والله! ما كنت -قط- أقوى ولا أيسرَ مني حين تخلفت عنك، فقال -صلى الله عليه وسلم-: أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك) .فلا إله إلا الله! صِدْقٌ ووضوحٌ وصراحةٌ، وهكذا كان صحب محمد صلى الله عليه وسلم، وهكذا يجب أن يكون المؤمنون..
– نيل الأجر والثّواب في الآخرة: فالمسلم حين يحاول طيلة حياته إرضاء الله بصدق، ويتحرّى الصدق في كلّ حياته ينال الأجر الكبير، لقوله تعالى: “هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ”. المائدة 119