العقل العربي المعاصر على سرير بروكرست

لعل من أخطر المواضيع شياكة بين الفلاسفة العرب من مصلحين و راديكاليين هي مسألة التراث و الحداثة فتراوحت أسئلتهم الجمة بين ما التراث؟ كيف نفهم التراث ؟ هل التراث هو الحل لأزماتنا ؟ هل ننبش تراثنا و ننقيه من الشوائب لنتجاوز تخلفنا ؟ هل حتى نكون حداثيين لابد أن نقطع مع التراث قطيعة جذرية لا رجعة فيها ؟ و أخيرا و ليس آخرا لماذا تقدم الغرب و تأخرنا نحن العرب ؟

أسئلة لطالما راودت و خاملت أذهان فلاسفة كثيرون و أعيتهم للإجابة عنها .

على الرغم من بساطة الأسئلة إلا أن أنهارا من الحبر سالت فيها تنظيرا و تصورا فتباينت الآراء و إختلفت حتى وصل بعض الفلاسفة برمي الآخر تارة بذبح التراث و أخرى بالإنتقائية فيه و تارات إما بالجفاء و النسف و إما بالغلو و التنطع ، فكيف نفهم التراث ؟ و كيف نقيم تلك الجدلية العقلانية الضرورية بين التراث و الحداثة لا نتخلف ؟
لعل من أشهر الأقوال التي قتلها غاندي هي “أفتح نوافذي لجميع رياح العالم شريطة أن لا تقتلعني من جذوري ” قولة لخص فيها كل معاني الكونية التي يجب أن تتوفر في كل هوية و حضارة و قومية من أجل المشاركة في رحب الإنسانية و بناء حضارة الإنسان أينما كان و حيثما وجد

ولكنها إنفتاحية مشروطة بشرط تلازمي حيث لا يتحقق الانفتاح و البناء الحضاري الكوني إلا إذا كانت لي هوية جذرية و متجذرة في أعماقي الأنتروبولوجية و السوسيولوجية من عادات و تقاليد و جملة من المواريث الكامنة في أفراده .
و إذا ما سلمنا اليوم بضرورة الإنتماء التراثي المميز للحضارة العربية دون الحضارات الأخرى فكيف نفهم التراث العربي ؟ و بأي عقل نحلل و نتعمق فيه . أ بعقل نقدي و تثويري للتراث أم بدغمائية عقلية وجدانية و إنتقائية ؟
على غرار الدكتور و الفيلسوف المغربي محمد عابد الجابري الذي كتب كتابه أو رباعيته الشهيرة في نقد العقل العربي و التي تناول فيها بالأساس و خاصة في كتابيه بنية العقل العربي و كتابه نحن و التراث و التي انطلق فيها من ٱشكالية المنهج القرائي للتراث إلى نقد السلاح القارئ للتراث في حد ذاته وهو العقل ليؤسس لعقل العقل أو العقل المطلق ،
فعلى غرار الماركسية و اليبرالية التي دعت إلى نسف التراث و جعله في ثلاجات الموتى التي تجاوزها التاريخ و حركته و بخلاف الرأي المغالي في التراث و هو الرأي السلفي الذي جعل من التراث مرجعا لإيجاد حلول تعالج أزمات الراهن و الحاضر ، و ذلك بعد إنتقائية التاريخ و قراءة ما يخدم التوظيف الآيديولوجي له ، بنى المفكر المغربي محمد عابد الجابري رؤيته للتراث حيث دعا إلى القطيعة الإبستمولوجية مع الفهم التراثي للتراث بحيث أنه يجب قراءة التراث بطريقة علمية و موضوعية تنتفي فيها كل أشكال العاطفة و الآيديولوجية فضلا عن ذلك التمييز و المعرفي و الآيديولوجي ما بين عقلانية مشرقية و غنوصية و عقلانية برهانية علمية .

و من هنا بنا محمد عابد الجابري تصنيفه للعقول تصنيفا ثلاثيا بين عقل بياني و عرفاني و برهاني حيث العقل العربي كونه بياني و عرفاني
بياني من ناحية أنه لا زال يعاني من تراسبات عكاظية في البلاغة و الشعر و مدى تأثيرها على النفوس من خطابات وجدانية و تحفيزية دون مراعاة مضمونها عقليا و لا حتى تحليل الخطاب تحليل ابستمولوجي عقلاني
و أيضا العقل العربي هو عرفاني من ناحية تعلقه بالميتافيزيقا و الماوارئيات التي من شأنها أن تجعل العقل خرافي و قد ضرب لذلك أمثلة على غرار الصوفية الحلولية و الإتحادية و حتى في التصوف فرق الجابري بين التصوف المشرقي و بين التصوف المغربي
فتصوف الحلاج مثلا يختلف عن تصوف ابن حزم الاندلسي من ناحية العلمية أن ابن حزم تمظهر فيه العقل الفلسفي النقدي .
إن الجابري كان يتبنى نظرية تحديث التراث من داخل التراث ذاته و ما مشروعه نقد العقل العربي إلا في الأصل دعوة لنقد التراث و قراءته قراءة عصرية أو حداثية لتثوير التراث .
و حتى لما سئل الدكتور عابد الجابري في إشكاليات الفكر العربي المعاصر حول هل نبدأ من الناحية المنهجية الإلستمولوجية من مشكلات التراث ٱلى قضية الحداثة ، أم ننطلق من مسألة الحداثة إلى مشكلة التراث ؟” فأجاب لا يمكن تقديمه كتابة مرة واحدة إنه من تلك الأسئلة التي تحث على العمل بتجديد طرح السؤال كلما حصل تقدم على طريقة الجواب إنه سؤال الحداثة ”
إن القارئ لمحمد عابد الجابري سيتيقن أنه سارع إلى بلورة قراءة حداثية و تاريخانية بحيث متجذرة الأصول الوجدانية و التاريخية في التراث و ترنوا في الوقت ذاته إلى حداثية الحداثة لماهو سياسي و فكري و أخلاقي و إجتماعي ، وذلك من خلال إعادة تركيب العقل العربي و بناءه بناء إبستمولوجي لتأسيس رؤية نقدية و عقلانية حيث عبر عنها الجابري صراحة في كتابه نحن و التراث بقوله “الحداثة في نظرنا لا تعني رفض التراث و لاالقطيعة مع الماضي بقدر ما تعني التعامل مع التراث الى مستوى المعاصرة ”
فكيف قيم الجابري العقل العربي في كتابه نقد العقل العربي ؟
و ماهي بنى هذا العقل ؟
و ماهي أهم الإستخلاصات و الحلول التي دعا لها الجابري لتعصير العقل و تثوير التراث ؟
يتبع …

بواسطة
صهيب المزريقي - تونس
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق