الكايميرا :بين الأسطورة والمرض

مرحبا، هذه أنا Lydia Fairchild  مواطنة أميركية. في الحقيقة، لم تكن حياتي سهلة ومستقرة إذ عشت بعض المشاكل مع Jimmy  زوجي. كنا حينها أبوان لطفلين: Ullman  وElvis  . وكنا على أبواب انفصال ،لقد كنا نعيش- أو كنت ربما- مشاكل جدية: مادية:إعالة أطفالي، إذ لم يكن لدي عمل قار. اجتماعية نفسية: كنت وحيدة مع طِفْلَيَّ،ومع ابني الثالث القادم من رحم المعاناة . مع صراخ “جيمي”وأفعاله المستفزة، كنت وحيدة .كلما ازدادت زحمة الأشياء كنت أتضائل. مع مد وجزر علاقتنا قررت أخيرا أن أتقدم للمحكمة بطلب نفقة لأطفالي من “جيمي”. وكإجراء روتيني طلبت المحكمة تحليل الحمض النووي(DNA (لإثبات أبوة “جيمي”وأمومتي أيضا. كان ذلك في ديسمبر 2002 ،حين تلقيت اتصالا من مكتب المدعي العام والذي كنت أنتظره لتتبع أطوار القضية. طلبوا مني الحضور شخصيا، مع بعض الاستغراب ذهبت..

  • نتائج التحليل أثبتت أن “جيمي” وبنسبة %99.9 هو الأب البيولوجي للطفلين .

فأجبت بثقة:

–  نعم،هذه الحقيقة،إنه أب أطفالي .

– لكنك.. سيدة “ليديا” لست والدتهما بنسبة %99.9

لقد تكرر صدى هذه الجملة كثيرا، اجتاحتني رغبة جامحة في الضحك ،القهقهة،البكاء ربما . كتمت كل ذلك حين وجدت عيونا تحدق بي وبعض الشفاه تتحرك أعتقد أن أحدهم يخاطبني..

– من أنت ليديا فارشايلد ؟

(-من أنا ؟)

–  من أين أتيت بهذين الطفلين ؟ هل هما أقربائك؟أبناء أختك؟

تناهت إلى سمعي بعض هذه الأسئلة أو ربما غيرها لكنني لم أكن هناك .

حسنا لندع السيدة “ليديا” تأخذ قسطا من الراحة، ولنكمل عنها الحكاية من حيث توقفت: كيف ينفي تحليل  الحمض النووي أمومة أم لأطفالها؟ ولثلاث مرات بعد . نحن نحتاج هنا للوقوف عند محطة علمية طبية، وليكن مسارنا من العادي إلى الاستثناء: في الوضع الطبيعي العادي : تنتج الأنثى ولمرة في الشهر بويضة واحدة لتدخل ملايين الحيوانات المنوية. منها واحد فقط من يُخَصّب البويضة ويتَّحد معها ليُكَوِّنَا جنينا.فيكون بالتالي نصف حمضه من الأم والنصف الآخر من الأب. أما الاستثناء: أن يُنتج المبيض أكثر من بويضة، لِنَقُلْ بويضتان ،لتستقبل كالعادة الكثير من الحيوانات المنوية وإثنين منهما سيخصبان البويضتان ويتحدا معا وينتجا جنينان أي توأم.

في هذه الحالة، لدينا ثلاثة احتمالات :الأول أن يتابع الجنينان نموهما بشكل طبيعي منفصل ويكونان توأما. أما الثاني: ولأسباب صحية معينة، يختفي أحد الجنينين ويمتص جسم الأم بقايا خلاياه ويتخلص منه دون حدوث مشاكل صحية تذكر. وتسمى هذه الحالة:متلازمة التوأم المتلاشي  Vanishing Twin Phenomenon  . إلى حد الآن الوضع متعارف عليه طبيا لا غبار عليه.

الأغرب هو الاحتمال الثالث: وهو أن أحد الجنينين يأكل الآخر، يلتهمه، يبتلعه، يندمج معه ليكون جنينا واحدا.شخصا واحدا الذي هو في الأصل جنينان شخصان كان سيكون لكل منهما خصوصياته الجسدية والعقلية والنفسية لكنهما أصبحا..واحدا .

مهلا دعونا لا نسبق الأحداث، لنعد أدراجنا إلى داخل جسم الأم ، إلى ذلك المخلوق الغريب الرابض هناك بعد أن استحوذ على قرينه. ليواصل نموه وبما أنه يَنُوبُ شخصا آخر- لم يعد له وجود، لكن بقي له أثر من خلال أنسجته وخلاياه وحمضه- فإن هذا الجنين عبارة عن شيئين من الأشياء ،إثنين من الخصائص ،هذا الواحد هو إثنان حرفيا! أو هو..كايميرا !

والكايميرا في الأصل أسطورة يونانية قديمة متمثلة في حيوان هجين له رأس أسد، جسم ماعز وذيل أفعى. ومن هنا لنا أن نفهم الكايميرا كحالة طبية مرضية. تصيب النبات ،الحيوان والبشر. فهي شكل من أشكال الاختلاط والتمازج داخل الجسم الواحد. ومن الممكن أن تكون السبب الحقيقي وراء التشوهات الخلقية ومشاكل التحول الجنسي(في حال كان أحد الجنينين أنثى والآخر ذكر فإن من سيلتهم الآخر سيأخذ منه بالضرورة سماته وخلاياه وأجنته فيكون مزيجا من أنوثة وذكورة) . ومن هنا يمكن أن نفسر حالة “ليديا” والتي وقع التعرف على حقيقة حالتها الطبية ككايميرا، بعد فحوصات متكررة ودقيقة لأجزاء متفرقة من خلاياها. ليديا كانت تملك أكثر من فصيلة دم ، من الحمض النووي ، ومن أنسجتها وأجنتها . وهذا ما يفسر عدم تطابق حمض أطفالها معها حتى طفلها الثالث الذي راقبت المحكمة ولادته وأجرت عديد الفحوصات فور ولادته. حيث لم يقع تسجيل أي تطابق بين الأم والإبن ،أي أنه ليس إبنها علميا !

حالة الكايميرا ليست حالة صعبة الحدوث ولكنها نادرة الاكتشاف. والكثير من البشر كانوا ضحية هذا التأخر والقصور الطبي . يروي التاريخ مثلا قصة الكايميرا Foekje Dillema والتي خسرت مجدها الرياضي لاختلافها الجسدي الواضح. والتي لم تُكتَشَف حقيقة حالتها إلا بعد وفاتها. تخيل معي: أن تملك داخل جسمك أجزاء من توأمك الذي اندمجت معه. ما يعني أن حتى جهاز المناعة الخاص بك لن يتعرف على هذه الخلايا وسيهاجمها على أنها غريبة عنه. وهذا ما يفسر بعض أمراض المناعة الذاتية.

وحسب دراسة دانماركية: ثلث البشر عبارة عن..كايميرا لكن 100 حالة فقط وقع كشفها والاعتراف بها وتسجيلها في التاريخ الطبي. وهذا يُعد- في رأينا-قصورا طبيا وعلميا ظالما للبشر لأن ما نراه هجينا غريبا كان من الأجدر أن يُخضع لمنظار الطب ليقول كلمته. ويبقى السؤال الأهم :الشخص الكايميرا من المنطق أن نعتبره شخصا واحدا ولكن هل يمكن أن نعتبره…روحا واحدة؟

بواسطة
خلود المقدم - تونس
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق