الوطن والوطنية

الوطن هو الأب والأم والعائلة والقبيلة
الوطن هو الذي نشأت من ترابه وترعرت بين حناياه، فأنت كحبة غرست في تربة مبللة بالماء، بزغ منها ساق لينة تحمل وريقة صغيرة ثم أخري، ويشتد عود الساق وتقوى الوريقات فتصبح أوراق وارفة وهما معأ يكونان شجرة تقف شامخة أمام الريح العاتية، أنت وأنا وكلنا مثل هذه الشجرة، هل كان لها أن تشق الأرض وتخرج بدون تربة او ماء، الوطن هو هذه التربة وهو ذاك الماء، من هنا جاء الإنتماء الفطري للوطن، وتغلل حبه في خلايا جسدك مهما بعدت عنه،شَرقت أو غَربت، تغادره قدماك لكن قلبك يبقى فيه لايغادره، حب الوطن قصيدة عذبة الألحان، وحب الوطن أمراً فطرياً في نفس كل إنسان، وليس شيئاً مكتسباً، كذلك التعلق به والدفاع عن ترابة ضد المتربصين والمعتدين والخائنين،والعابثين بمقدراته،

علّمنا رسولنا الكريم عليه أفضل الصلوات وأتمّ التسليم كيف يكون حبّ الوطن، وكيف لا؟ وهو الذي قال عن مكة المكرّمة: (ما أَطْيَبَكِ من بلدٍ! وأَحَبَّكِ إليَّ! ولولا أن قومي أَخْرَجُونِي منكِ ما سَكَنْتُ غيرَكِ) (حديث صحيح)، فهذا الحديث الشريف الذي يدلّ على تعلّق النبي عليه الصلاة والسلام بوطنه، وحبّه العميق تجاهه، وحنينه الدائم له،
والحب للوطن موجود لكنه يتفاوت قدره ومقدارة بين فئات المجتمع،
فهناك فئة ترى الحب للوطن في البذل والعطاء والتضحية بالجهد والمال والنفس، وآخرى ترى الحب للوطن متعلق بما تتكسب من وراءه وتحصد من خيراته وتكتنز من ثراوتة، فالأولى لديها وطنية صادقة، والأخرى وطنيتها زائفة كنبات طفيلي يحصل على شرابه وغذاؤه بتطفله على غيره من النباتات الآخرى دون أدنى مجهودا منه،

حبك وحنانك لوطنك لابد وأن يقابلة حب وحنان من الوطن لك وهذا شيئاً طبيعياً لاغبار عليه، فالبذل يقابلة الشكر والعطاء والحرية،

شاهدت بالأمس مذيع لامع على أحد القنوات يتكلم عن حنان الوطن تجاهه بينما كان طالباً في كلية الإعلام، وحكى عن حياة الفقر بعد موت أبيه وعن المعاش الضئيل الذي كانت تتقاضاه أمه، فكان بالكاد يكفيه وإخوته الثلاثة الطعام والشراب فقط، في الجامعة كان لابد له من دفع المصاريف التي كانت تقدر بخمسة جنيهات، ذهب إلى موظفة شؤون الطلاب وأخبرها أنه لايملك المال لدفع المصاريف، ابتسمت وناولته ورقه وقالت: قدم طلب وبهذا الطلب تكون قد سددت المصاريف،
وحدث هذا الأمر بالنسبة لمصاريف المدينة الجامعية أيضاً،
وكان هذا يحدث مع غير القادري في ربوع البلاد وفي شتى المصالح الحكومية،
بالأمس الوطن كان يحنو عليك، ويربت عليك ويقف بجانبك ويرعاك،

اليوم الأمر أصبح مختلفاً ومُعقداً،
فالحب أصبح يقابلة الجفاء، والحنان تحول إلى قسوة، مالذي حدث؟! ..رغم أن الحب والحنان راسي في القلوب كالجبال الشامخات!!
قرأنا ولمسنا بأعيننا عن حالات عديدة تطلب فيها الأم المساعدة لعدم قدرتها على سداد مصروفات الدراسة لأبنائها لأن زوجها بلا عمل أو مريض أو متوفى، وطلاب فُصلت لعدم سدادهم المصروفات!!
و مستشفيات لايوجد بها قطن ولا شاش أو حتى سرنجة!!!
وغلاء الأسعار المضطرد الذي أصبح بمثابة سياط تنزل على جسدك فتدمية وتجعله ينزف على الدوام،
وبالرغم من ذلك فحبك لوطنك مازال يسكن قلبك ولن يخرج منه إلى أن تموت، ذلك أن الفقراء والمعذبين هم أشد حباً للوطن، وتلك فلسفة عجيبة
لايراها من يتوهمون أنهم يحبون الوطن، فهم يعتقدون ان ترديدهم لبعض الشعارات على ألسنتهم أنهم بهذا أشد حباً للوطن عن غيرهم، ولو جربوا قسوة الوطن عليهم كما يقسوا على الضعفاء لما ترددوا لحظة في حمل حقائبهم والرحيل عنه في الحال،
الوطنية هى حب الوطن وبذل النفس للدفاع عنه وليست شعارات تتردد على الألسنة دون أن تسكن القلب،
الوطنية ليست صور سيلفي أو كلمات رنانة هنا أو هناك، الوطنية هى الفعل والعمل لخدمة الوطن لا لخدمة أعداؤه، الوطنية مساعدة الغير والتخفيف عنهم ورحمة الضعفاء،
الوطنية تتجلى في أعظم صورها بالدفاع عن تراب الآرض وعدم التفريط في ذرة من ترابه، الوطنية محاربة أعداء حقيقين لا محاربة طواحين الهواء أو خيالات المآتة، الوطنية ليست بحمل الأعلام ولا بالإحتفالات الجوفاء،
الوطنية ياسادة معنى كبير وعميق لايفهمه إلا الوطنيون فقط.

بواسطة
رزق البرمبالي - مصر
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق