تونس إزاء العجز الإقتصادي بين مفترق الطرق: إما طريق معاهدة باردو جديدة و إما التطبيع مع العدو الصهيوني
يقول المفكر التونسي هشام جعيط ” إن التاريخ يعيد تركيب أزماته ” و من هذا المنطلق و من مشهد سياسي اليوم سمته الأولى إنسداد الأفق و ذلك يعود بالأساس للطغمة السياسية الحاكمة بعد 2011 و فقدانها لخارطة سياسية و إقتصادية و إجتماعية من شأنها أن تنهض بتونس و تخرج شعبها من حنقه اليومي .
فكانت حكومات الإخوان المسلمين المتعاقبة منذ الثورة همها الوحيد إما إرضاء الأجنبي و القوى الإمبريالية على غرار اللعبة الدولية و التآمر الصهيوأمريكي برعاية خليجية على الشعب السوري المسكين الذي شرد و نكل به و صار لاجئا في أوروبا و بعض الدول العربية ، فكان دور الإخوان في تونس تجييش الشباب عن طريق ذراعها السلفي الجهادي و تيسير السفر مما جعل تونس و حسب آخر إحصائيات سنة 2018 يبلغ عدد المقاتلين فيها إلى حوالي 6000 جهادي.
أيضا من بركات حكومة الإخوان تدمير التعليم و ضرب الناشئة أكاديميا و ثقافيا حيث ومنذ سنة 2011 لليوم حوالي مليون تلميذ منقطع عن الدراسة أي بمعدل 100 ألف تلميذ سنويا !!
أيضا بتونس حوالي 30% يعيشون الفقر ومنهم حوالي 13% يعيشون الفقر المدقع أي أقل من 1 يورو يوميا
وهو ما جعل نسبة الجرائم تزداد سنويا بسبب الجهل و الفقر وخاصة الخطف و السرقة و الإغتصاب .
و لعل ما رافق حكم الإخوان في العشرية الأخيرة كما يرادفها دوما في حكمها في أي دولة عربية هو الإغتيال فكان الشهيدين شكري بلعيد و محمد البراهمي هما من دفعا ضريبة إرهاب حركة النهضة .
و في أرقام أعادت لأذهاننا حقبة بداية الإستعمار وهوما جعلنا نطرح سؤال هل نحن في طريق معاهدة باردو جديدة أم نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني؟؟
هنا يسعني أن أعرج للقارئ و أن أعرفه ماهي معاهدة باردو و التي كانت نتاج عجز الباي محمّد الصّادق باي على تسديد ديون الإيالة التونسية نتيجة الأزمة الحاصلة وهو ما أدّى إلى تكوين لجنة مالية دولية تسمّى الكومسيون في 5 جويلية 1865 للتحكّم في الخزينة التّونسية وتوزيع مواردها على الدّائنين.
ولكن هذه الفكرة كانت غير مجدية، فتنوّعت طرق الاستفادة من هذا الوضع من طرف الدّول الدّائنة. وفكّرت فرنسا في الاستثمار في تونس وترويج سلعها خاصّة أمام الفكرة الاستعمارية التّوسّعية في أوروبا. لذلك تعلّلت فرنسا بحماية الحدود الجزائرية مع تونس واقتحمت البلاد التّونسية واحتلّت المناطق الشّمالية وتقدّمت نحو العاصمة. ولدعم هذا التّقدّم نزلت قوات فرنسية بحرية في بنزرت في 3ماي 1881بقيادة الجنرال بريار الّذي توجّه إلى العاصمة وفرض معاهدة الحماية على محمّد الصّادق باي (1859 ـ 1882) باي تونس الّذي اضطرّ للإمضاء عليها خوفا من الاستلاء على عرشه من طرف أخيه الّذي أحضره الجنرال الفرنسي معه وذلك في 12ماي 1881 في قصر باردو وسمّيت بمعاهدة باردو.
وقد جرّدت هذه المعاهدة البلاد التّونسية من سيادتها الخارجية، وأمّنت إشراف فرنسا على الشّؤون المالية، وضمّنت الوجود العسكري الفرنسي بتونس. انتهجت فرنسا تجربة مغايرة لتجربتها بالجزائر وتتمثّل في حكم البلاد حكما غير مباشر إذ اكتفت بمراقبتها عن كثب بواسطة المقيم العام وتعضيدها.
قالب:اتفاقية المرسى المرسى: نسبة إلى إحدى ضواحي العاصمة التونسية، حيث تم التوقيع على هذه الاتفاقية بين باي تونس علي باي بن حسين علي باشا باي والمقيم العام الفرنسي بول كانبون وذلك بتاريخ 8يونيو(حزيران) 1883م أي بعد حوالي سنتين من فرض الحماية الفرنسية في تونس 12ماي 1881م. وقد عمقت هذه الاتفاقية الهيمنة الفرنسية على البلاد التونسية، بعد أن استتب الأمن وتراجع حركة المقاومة.
و اليوم أحفاد أسلاف العثمانيين ممن أسسو على أنقاض سقوطهم كانو قد أغرقوا البلاد التونسية بديون من صندوق النقد الدولي حيث تبلغ حوالي 198 مليار دينار تونسي و من المتوقع أن تحقق الدولة التونسية عجزا إقتصاديا يبلغ 8 مليار دينار تونسي .
و مع التذكير أنه في ضل الأزمة الإقتصادية و الحنق الإجتماعي التونسي فإن الدولة مطالبة بتسديد قروضها و إلا التدخل في تونس وهو ما أفقدها اليوم السيادة الخارجية على غرار الأزمة الليبية و إجتماع برلين حيث تم إستثناءنا منها .
و أيضا التدخل الداخلي من حيث الصغط غلى كتلة الأجور و الحد من الإنتداب و …
فاليوم إذا لم تدفع تونس ديونها لصندوق النقد الدولي فستكون مهددة بالتدخل الأجنبي العسكري للإستلاء على المقدرات و الخيرات التونسية و بذلك نعود إلى الإستعمار الأولي الذي كنا عليه سالفا.
و إما و مع ركب التطببع ستجد تونس نفسها مبتزة بالتساوم على ركب تلك السفينة و خاصة أن من يشرف على صندوق النقد الدولي هم صهاينة بالأساس ، و بذلك تجد تونس نفسها اليوم و بفضل حركة النهضة و سياستها اللاوطنية و عمالتها للأمريكان و لجون ماكين و كونداليزا رايس و أوباما سابقا أمام إمية و حتمية الإختيار الصعب إما إحتلال و إما تطبيع وكلاهما مذاقه مر على الشعب العربي التونسي المحب لبلده و المؤمن بقضيته المركزية.