تونس الثورة : هل بانت ملامح الخريف عن اول الوجوه الربيعية؟
في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة التونسية وفي هذا اليوم. يجلس شاب فتي يدعى فهمي على الكراسي التي تتوسط الساحة. يترك صفحات الجريدة التي كان يقرأها ويفكر في جل المعالم الاقتصادية في البلاد وما بان منها على وجوه العامة وهي تعبر الشارع الكبير. هل بانت ملامح الخريف عن وجوهنا الربيعية؟ هل ان كورونا مدفع حربي موجه تجاه اقتصادنا الوطني؟
بطريقة غريبة وفي ساعة ليلية متأخرة. اعلنت الحكومة التونسية عن مجموعة من القرارات التي تتضمن اجراءات غلقية للبلاد كان في الظاهر سببها مجابهة استفحال الوباء الشديد ووقف زحفه على جسد تونس المواطني.
لكن يبدو ان الباطن يحمل اكثر مما يعلنه الظاهر. فقبل هذا القرار بأيام معدودات. كانت السلطات التونسية تفكر في سبل ضخ المال لميزانية السنة الجديدة، وذلك عبر دعوة البنك المركزي الى طباعة أوراق نقدية لضمان الحاجة المالية المطلوبة او التصرف في سيولات مالية للفائدة العامة بطريقة الاقتراض الداخلي. في هذا الإطار سرعان ما اعتبر محافظ البنك المركزي مروان العباسي بان طباعة الاوراق النقدية امر لن يكون نظرا لما يمكن أن يخلفه من أزمة في التضخم. وأوضح العباسي ايضا بأنه لا مجال لتمويل مباشر للدولة وان البنك لم يسبق له ان قام بمثل هذا الامر الذي في حال وقع ستكون تداعياته كبيرة على الاقتصاد وعلى قيمة العملة.
يبدو هنا الامر واضحا بان الاطراف المسؤولة بان عليها عجز إدارة دواليب البلاد، فكل المؤشرات هنا تعكس عجزا واضحا عن ضمان استمرارية الدولة بمؤسساتها. خاصة مع اخر المستجدات في ملف الكامور ووضعية شركة فسفاط قفصة. ففي سابق الاوقات كان القطاع الطاقي والمنجمي يضمن للميزانية سيولات تكاد تكون جد بعيدة عن العجز.
ويوضح الخبراء الاقتصاديون في البلاد بأن هذا العجز ناجم عن تفاقم التهريب وتبييض الاموال والرشوة وغيرها من المسائل الغير مؤطرة قانونيا. والتي اضحت بدورها فاعلا رسميا في معادلة محاربة الدولة والوطن. ومن اجل انهاكه اقتصاديا.
بعد هذا المآزق الذي وجدت الدولة نفسها فيه. لم يمر كثير من الوقت حتى اعلنت الدولة جملة من القرارات التي تحتم غلقا جزئيا وشاملا لا يترك من اليوم الا ساعات معدودات. وجاءت هذه القرارات مع تخوف شاسع في صفوف المواطنين من امكانية تردي الاوضاع الاقتصادية بالبلاد ومزيد إنهيار للمقدرة الشرائية التي اضحت على حد تعبير فهمي منعدمة نوعا ما.
مع هذا التراكم العشوائي للأزمات بدت الحكومة الحالية عاجزة حتى عن الاتصال بافرادها. فقد وقع تغيير نص البلاغ بعد ان نشر عند الساعة الثانية صباحا من يوم الخميس.
تحيل معظم هذه المضاعفات الى التساؤل عن أسباب هذه الاوضاع. أكورونا فعلا هي الكارثة الصحية التي وضعت البلاد امام فوهة المدفع. ام انت السبب ناجم عن حراك 14 يناير.
ليس الامر كما نعتقد. حيث ان الاشكال الكبير هذا لم يكون ناتجا عن الثورة والحراك الشعبي. وانما سببه المباشر هو الاطراف السياسية المتخالفة ايديولوجيا. والتي لم تكن تفكر ولو للحظة في المصلحة العامة بقدر ماتفكر في نفسها وايديولوجيتها التي يجب ان تعلن عن نهاية تاريخ كل الايديولوجيات والتواريخ. تواريخ الافكار التي يمكن ان تكون معارضة. نعم واضح جدا ان العيب الكلي يكمن في تبجيل المصلحة الخاصة التي تتمثل في بلوغ السلطة على المصلحة العامة التي تشكل الاقتصاد والمجتمع والثقافة عامة. وها نحن ذا نجلس كما يجلس فهمي. ونشاهد المهازل البرلمانية والبيروقراطية التي تحكم على شعبنا بالموت. نشاهدها ولا نبدي مطالب تغيير. نشاهدها وهي تحول اوجهنا الربيعية خريفية، تسلب منا الشباب والفتوة.
وتحيل هذه الاجواء عموما الى ان الاوضاع لا تبدو بخير في البلاد. فمع مزيد ارتفاع الاسعار ومضاعفات الازمة الصحية تحولت وجوه التونسيين في عين الجالس فهمي كثيرا. تحولت تحولا كان يعكس تخوفا من قادم مجهول.
وقف فهمي من الكرسي الذي كان يقبع على لوحه. وضع الجريدة تحت ابطه وظل يقول في نفسه.
أهذا هو وضع الفتي الذي كان يقف في شارع الحبيب بورقيبة يوم 14 من يناير يطالب بتغيير النظام. أبهذا التغيير فعلا كان يطالب. هل بدت علينا ملامح الخرف بهذه السرعة. الى اين نتجه يا ترى. أي السبل نسلك. هل فعلا ستتحول ملامح الربيع العربي الى ملامح خريفية جافة يابسة خالية من الزهر والاوراق.؟