تونس: غلق المقاهي.. قرار صحي ام استهداف لنظرية الفضاء العمومي

في ساحة معهد الصحافة وعلوم الاخبار بالعاصمة تونس يجلس شاكر جهمي حاملا في يده كوب قهوته التي اعتاد يقتهيها رفقة رهط من رفاقه بالمقهى، كان يؤثث اغلب الجلسات في المقهى بمحاورات في مضامين السياسة والاقتصاد والمجتمع لكنه اليوم محكوم بالعزلة عنهم، كان في تلك اللحظة يتساءل. هل نحن فعلا نتخطى بقرار غلق المقاهي مخاطر تفشي وباء كورونا ام اننا نكمم الافواه مانعين اياها عن التعبير والتفاعل في مضامين الاقتصاد والملفات المجتمعية الكبرى.

خلال الاسابيع الفارطة انتهجت الحكومة التونسية سياسية جديدة بعد تشكلها قضت بغلق معظم الفضاءات العمومية خشية من تفشي فيروس كورونا، بما في ذلك المقاهي ودون غيرها من الفضاءات الأخرى التي يمكن ان تكون اكثر خطورة من المقاهي في حد ذاتها، فالمقاهي يجتمع فيها الشباب للنقاش وتبادل الآراء في السياسة والاقتصاد والمجتمع.
في هذا الإطار لوعدنا الى تاريخ مفهوم الرآي العام وطرائق ظهوره وتشكله. فإننا سنجدنا امام مجموعة من المقاربات والنظريات لعدد من المفكرين لعل أبرزها ما يؤكده المفكر ” يورغن هابرماس ” عن الفضاء العمومي. حيث انه يعتبر المقاهي من أبرز الفضاءات التي يتشكل فيها الرآي العام، اين تحدث المحاورات والنقاشات ويقع داخلها التطرق الى اهم المضامين التي تهتم بالصالح العام.

بناءا على هذه الفرضية، نفهم ان جل الحراكات الشعبية والثورات وسبل المقاومة تنطلق بالأساس من المقاهي والاوساط العمومية التي يجتمع فيها المثقفون والشبان وجل افراد المجتمع لتبادل المواقف والآراء في القضايا العامة والتي تهتم بالمواطن وتؤثر عليه.

خلال هذه الفترة، يحدث في تونس تصدع واضح في الاقتصاد الوطني جراء عدد من الاحداث، لعل ابرزها ملف الكامور الذي شل الاقتصاد الوطني ومسالة غلق منبع النفط بولاية تطاوين القابعة بالجنوب التونسي. وكذلك اعلان شركة فسفاط قفصة عن افلاسها خلال الايام القليلة الفارطة. وهو ما اثر بدوره مع مضاعفات ازمة كورونا وغلق البلاد مؤخرا على المقدرة الشرائية. وينضاف الى هذا وذاك مسائل فساد عديدة ومضامين وملفات متصلة بالاحتكار حتى ان عددا من الخبراء اعتبروا بان الدولة تمر باسوا ازمة اقتصادية تعيشها البلاد منذ الاستقلال.

ومن جانب الحريات أيضا، وخلال نفس الفترة، بدت على المعادلة التونسية بعض مظاهر التغيير السلبي تجلت بالأساس في المبادرات التشريعية التي يقع العمل مؤخرا على تمريرها والمصادقة عليها بالبرلمان، والتي تستهدف بالأساس حرية الصحافة والمواطن. وظهرت هذه السائل في اخر مشروعي قانون وقع عرضهما على البرلمان وهما قانون زجر الاعتداءات على الامنيين والذي يكرس الى اعادة تشييد دولة البوليس بتعلة حماية رجال الامن من مخطر اعتداءات الأمنيين. واما الثاني فقد طال قطاع الصحافة، وهو مشروع تنقيح المرسوم عدد 116 والذي يتعلق بإتاحة بعث المؤسسات الاعلامية لأي شخص في المجتمع استطاع لذلك سبيلا، وذلك بتعلة تشكي ابناء قطاع الصحافة من البطالة.

يحيل الربط المنطقي بتزامن هذه المستجدات الواقعة الى ان كل هذه الاحداث والمشاريع تصب في خانة واحدة، وقد بدأت بتكميم الافواه عبر اتخاذ اجراء غلق المقاهي الذي يعني حدا من الفضاءات العمومية التي يمكن ان تخلق رأيا موحدا يثور على جل هذه القرارات وعلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة. وبالتالي فانه يبدو من الواضح ان بضع أطراف في الدولة شاءت بطرائق غير مباشرة القيام تدجين حرية التعبير وتكميم معظم الافواه ووضع حد للفضاءات العمومية. وفي هذا الإطار يؤكد بعض الباحثون بان أخطر السياسات التي يمكن ان تتخذها دولة في حق شعبها هي غلق الفضاءات العمومية. وفي المعادلة التونسية قد يكون الامر خطيرا خاصة مع تفاقم هذه الاحداث والازمات. قد يكون غلق المقاهي لا يندرج في الصالح الصحي بقدر ما يندرج في صالح الانقلاب على الثورة ومكاسبها التعبيرية.

اليوم تبدو الامور أحسن بقليل، فشاكر عاد الى المقهى مع رفاقه، يجلسون كل يوم للحوار والنقاش، لكن هل تناقشوا وتحاورا في الملفات التي أثيرت في الفترة التي كانت فيها المقاهي مغلقة، وحتى وان لم يتحاورا في تلك الفترة وتحاورا بعد فتح المقاهي، هل تحاوروا كما يجب ان يتحاوروا في الموضوع وهو مستجد. شاكر لزال يشكو من المسالة.

بواسطة
إسكندر نوار - تونس
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق