دار المسنين
يقول المولى عز وجل فى كتابه العزيز فى سورة الاحقاف” ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا ” ويقول فى آية أخرى فى سورة الاسراء ” وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ,إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما , واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا ” .وهناك العديد والعديد من الآيات القرأنية والاحاديث الشريفة التى تحثنا على المعاملة الطيبة لوالدينا…وحتى من الناحية الانسانية وليست الدينية فقط فمن الواجب أن نرحم ونراعى آبائنا فى الكبر كما قاموا برعايتنا فى الصغر وهذا أقل ما يمكن أن نقدمه لهم …ولكن هناك من ينسى ذلك وتأخذه الدنيا وهمومها وملذاتها ويلهث خلفها حتى لو على حساب والديه اللذان كانا سببا فى تواجده فيها حيث يودع البعض والديه أحدهما أو كلاهما دور المسنين وذلك بحجة أنه ليس لديه الوقت أو القدرة على رعايتهما أو أن زوجته لا تتحمل والدته المريضة أو قد تجد من تقول بأن رعايتها لوالدتها قد جاءت على حساب بيتها وزوجها متناسين أن الدنيا كما تدين تُدان وأن الانسان اليوم بكامل صحته ولكنه غدا وكطبيعة فسيولوجية للانسان وبعوامل الزمن سيصبح هو أيضا كهلا لا يقوى على الحركة ويحتاج إلى من يرعاه.
دموع وآهات وحزن وألآم إضطرتنا إلى عدم الاسترسال فى الكلام والحكى مع نزلاء بعض دور المسنين التى قمنا بزيارتها لمحاولة رصد ظروف حياتهم ومعيشتهم فى تلك الدور وبعد هذا العمر وما أسباب وجودهم فيها …وبرغم أن البعض حاول أن يكون متماسكا الا أنه وبمجرد سؤاله عن عدد أبنائه مثلا أو أى شىء يتعلق بسيرة الابناء ينفجر بالبكاء والدموع رغما عنه .رجالا ونساءا غلبتهم دموعهم برغم أننا لم نحاول الضغط عليهم أو سؤالهم بشكل مباشر عن ظروف حياتهم أو أبنائهم . فقد قالت مدام نادية “67 عام” كنت أعمل مهندسة ديكور ولدى ولدين أحدهما يعيش فى أمريكا والاخر يعيش هنا فى مصر ولكنه لم يعد قادرا على رعايتى حيث أنه قد إشترط فى البداية على زوجته أن نعيش جميعا فى منزل واحد ووافقت لتتراجع عن موافقتها على العيش معى بعد زواجها منه
وأضافت مدام نادية أُصيبت بورم فى المخ وأجريت عملية لاستئصاله ولكننى أصبحت غير قادرة على الحركة مما دفع إبنى لايداعى بأحد دور المسنين ولكنها كانت دار قذرة ومستوى النظافة والرعاية بها ضئيل ولكن الدار التى نحن فيها الان أكثر نظافة وراحة فى التعامل وشعرت فيها بتحسن وأصبحت أمشى قليلا بدون جلسات علاج طبيعى ثم إنهمرت فى البكاء مما دفعنا لمحاولة تهدئتها وتوقفنا عن الحكى معها ..
إنتقلنا بعدها للحاجة ثريا” 76 عام “والتى قالت أمكث فى الدار هنا منذ عام تقريبا و لا أشعر أنها دار مسنين بل وكأننا عائلة معا فنحن أربعة هنا فى الغرفة ومدام فاطمة صاحبة الدار تأتى وتجلس معنا وجميع من فى الدار هنا رائعون
وأستطردت قائلة كنت أعمل مدرسة محاسبة فى مدرسة ثانوى تجارى وعشت فترة فى المملكة العربية السعودية ولكن حدثت ظروف جعلتنى أجىء للاقامة هنا فى الدار حيث أُصيبت بجلطة فى المخ وكسر فى الرجل تم على إثره تركيب مسامير وشريحة بها وكنت لا استطيع المشى أو الحركة ولكن الأن الحمدلله أذهب إلى الحمام بمفردى مستندة إلى ” المشاية الحديدية”
وقالت الحاجة ثريا لدى ولدين متزوجين أحدهما يعمل فى شرم الشيخ ولديه ولد والاخر هنا فى الهرم ولديه بنت وأشقائى كانوا ثمانية قبل أن يتوفى منهم إثنين ولكن ” مفيش حد يقدر يخدم حد” الخدمة التى فى هذه الدار ولكن أبنائى وأشقائى يأتون هنا لزيارتى
وأضافت كان لدى شقة خاصة بى ولكننى قمت ببيعها للعلاج وظروف المعيشة وأنتقلت للعيش مع شقيقى فى التجمع الخامس ثم عشت بعضا من الوقت مع شقيقى الثانى ثم إبنى والذى سافر للعمل فى شرم الشيخ لانتقل بعدها للعيش مع إبنى الثانى فى الهرم ومنها إلى دار المسنين والحمدلله على كل حال فأنا أقوم بقراءة القرأن الكريم يوميا وختمته مرتين فى رمضان وأعتبر أن هذه هبة وهدية من الرحمن بأن منً على بذلك.
مدام فتحية “65 عام” والتى كان يجلس بصحبتها زوجها وإبنتها والتى طلبت منا عدم نشر الصور التى إلتقطنها بموافقة كلا من والدها ووالدتها . قالت كنت مدرسة رسم بدرجة مدير عام ثم أصيبت بجلطة فى المخ وأصبحت جليسة الفراش ولدى إبنة واحدة متزوجة وزوجى صاحب “تشوينة” ويذهب إلى عمله وأنا أتعبتهم معى و”خنقتهم” لكن هنا فى الدار سيساعدوننى على المشى والحركة لان المكوث فى المنزل سيىء” قعدة البيت وحشة” وأنا إرتحت نفسيا هنا برغم أننى قد جئت هنا منذ خمسة أيام فقط وسنبدأ العلاج الطبيعى وإن شاء الله أصبح أفضل
وقال الزوج أنه لدينا إبنة وحيدة وظلت تخدم والدتها عام ونصف ثم دخلت فى مشاكل مع زوجها لان إهتمامها بوالدتها جاء على حساب بيتها وزوجها وإبنها الاول حيث كانت حامل فى الابن الثانى ولذلك فكرنا فى دار المسنين ونقوم بزيارتها دائما وان شاء الله ستصبح أفضل بعد العلاج الطبيعى.
مدام فاطمة صاحبة أحد دور المسنين قالت أبلغ من العمر 60 عاما وتزوج أبنائى وبناتى ولذلك فكرت فى عمل دار للمسنين وهى بمثابة بيت لنا جميعا ممن هم فى مثل سنى وظروفهم مثل ظروفى حيث نجلس ونحكى معا وكأننا عائلة واحدة
وأضافت أننا هنا نعمل على الجانب النفسى للنزيل فمثلا أقول لها أنت تستعملين البامبرز ولكن غدا ستستغنى عنه أو مثلا أنت لا تستطيعين المشى بمفردك لكن بالعزيمة والارادة ونحن معنا ستستطيعين وبالفعل كان هناك حالات عديدة لا تستطيع المشى ولكنها مع الوقت أصبحت تمشى على المشاية وتتحرك بشكل أفضل
وقالت حتى من يأتى غير متقبلا للوضع فى البداية نستطيع إمتصاص غضبه والتعامل معه وعندما تتحسن حالته نجده لا يريد ترك الدار قائلا بأنها أفضل من الذهاب إلى المنزل والوحدة والمعاناة فيه وجميع النزلاء يأتى أبنائهم وذويهم لزيارتهم فى أى وقت كيفما شاءؤا.
وأستطردت بأن هناك أبناء يقولون بأنهم لا يعرفون كيفية التعامل مع والداتهم فمثلا يقول لى أننى أخجل عندما أساعدها على دخول الحمام مثلا أو تجدى من تقول بأننى لا أعرف كيف أتعامل مع ماما وأوفق بين أبنائى وزوجى وعملى وطبعا زوجة الابن أو زوج البنت لن يتحمل طويلا على الرغم من أنها لو والدته هو أو والدة زوجة الابن فالبطبع كانت ستتحمل ولكنها الحياة ونحن نقوم معهم بواجبنا هنا وعلى قدر إستطاعتنا.
عم سمير”70 عام” أحد نزلاء دور المسنين قال لدى ولد وبنت والاخيرة دكتورة فى الجامعة وهى من أتت بى إلى هنا وصاحبة فكرة دار المسنين وتأتى لزيارتى من وقت لأخر
وقال أعانى من كسر فى رجلى حيث كنت أقوم بلعب كرة القدم وأصطدمت بأحد الاشخاص من ذوى الوزن الثقيل نوعا ما فتسبب لى فى كسر بأحد الارجل وإصابة الرجل الثانية إصابة بالغة ولذلك فأنا لا أقوى على الحركة وإبنى يعمل خارج مصر فى إحدى الدول العربية
وأضاف بأننى تحملت كل شىء من أجل إبنى هذا حيث أن والدته كانت دائمة الشجار معى وهى سبب إصابتى بمرض السكر وبأننى الان أرى الدنيا كلها سوداء أمامى ولا أعترض حتى على الاكل الذى يقدمونه لى هنا فى الدار وأساليهم جميعا سيخبرونك بأننى أتناول ما يُقدم لى فى هدوء ودون إعتراض لاننى أصبحت لا أجد مذاقا لاى شىء من حولى” وأنهمر فى البكاء” ثم مسح دموعه وقال لكننى قمت مؤخرا بالحصول على حكم بالطلاق من زوجتى وأرتحت من الضغوط النفسية التى كنت أعانيها من قبل وبشكل مبالغ فيه.
دكتور نبيل “دكتور بصريات” كان يتحدث بصعوبة بالغة ووجدنا شقيقه فى زيارته حيث قال الاخير أن دكتور نبيل لديه ثلاث أبناء _ وحاول دكتور نبيل عدهم وأشار بشكل متلعثم بأن لديه ابن يعمل كطبيب علاج طبيعى وابن أخر يدعى مصطفى خريج تجارة انجليزى وإبنة تدعى مى خريجة كلية آثار وتعمل مدرسة .
وقال أنه منفصل عن زوجته ومريض منذ ثلاث سنوات وحاول أن يحكى ولكن غلبته دموعه ودخل فيما يشبه حالة هياج او نرفزة وقمنا وشقيقه بتهدئته ثم ودعناه وذهبنا لحالة أخرى كانت أحد النزلاء والذى رفض ذكر إسمه ولكنه قال أمكث فى الدار منذ عام وثمانية أشهر وأعد أصغر النزلاء سنا وكنت أعمل فى إحدى الشركات ولكننى أصبت فى رجلى إثر حادث تعرضت له وقمت بإجراء ثمانى عمليات فيها وكنت أجلس بمفردى وتزورنى شقيقتى ولكننى وجدت أن إقامتى فى الدار أفضل ولذلك جئت إلى هنا.
وأضاف بأن لدى ولد وبنت الاول فى أولى جامعة ويدعى محمود والبت تدعى رودينا وهى فى الصف الثالث الاعدادى وهم يقيمون بصحبة والدتهم ببورسعيد حيث كانوا يقيمون معى هنا فى القاهرة ولكن بعد إصابتى أرسلتهم جميعا إلى بلدتى ببورسعيد ولكنهم يأتون إلى زيارتى هم وأشقائى من وقت لاخر.