ركائز الإصلاح عند الدكتور محمد داود
إن الناظر في كتابات المفكر الإسلامي – الدكتور محمد داود- يجد أنه يركز على قضية محورية في غاية الأهمية وهى صلاح الأمة، ذلك أن صلاح الأمة يبدأ بصلاح الفرد أولا وينتهى بصلاح الأفراد، وإن أهم ما يميز خطابه الإصلاحي هو مركزية قضية الإيمان فيه , فالإيمان عنده هو القوة الإيجابية وهو الصخرة التي تتحطم عليها كل الصعاب وهو طريق النور بل هو الملاذ الاّمن للبشرية.
فلقد جرب الإنسان كل السبل فلم تغنيه عن الله شيئا, لا الثروة ولا السلطة ولا أسباب القوة المادية ووسائل الرفاهية والراحة إنها الراحة التي تورث تعبا, واللذة التي تعقب ندما, والمزيد من المعاناة والاّلاّم والخوف والحيرة والقلق، هذا على حد قوله، مستدلا بقوله تعالى:لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ(سورة التوبة:118)
فإذا غاب الإيمان من الإنسان هجمت عليه طبائع السوء التي تجعل الدين وسيلة للدنيا, لتحقيق أهوائه ورغباته والدين غاية, وعبادة الله حق على الإنسان، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ
لذا يرى مصلحنا-الدكتور محمد داود-أنه ما من ملاذ آمن إلا عند الله المؤمن وما من مفر إلا إلى واحة الإيمان والأمن, في رحاب الله المهيمن على كل شيء, الحافظ المقيت, المحيي المميت الحي القيوم.
وإذا ترسخ الإيمان في العبد كما يرى مفكرنا هانت ملذات الدنيا في نظرة يعظم ما عظم الله, ويحقر ما حقره سبحانه وتعالى, وليس هذا فحسب بل تكون أفعاله كأفعال الحبيب صلى الله عليه وسلم ولمرضاة الله رب العالمين.
ومعلوم أيضا أنه إذا تحقق الإيمان في العبد كانت النتيجة الخوف من الله عز وجل، وما احوجنا في هذا الزمان إلى أن نتحقق بمقام الخوف من الله, بل وإذا أردنا النجاة من كل أسباب القلق والخوف والإضراب والمعاناة علينا بدوام الخوف من الجليل سبحانه وتعالى، هذا على حد قول أستاذنا الدكتور محمد داود.
واستدل –شيخنا- بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من خاف أدلج, ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة”، واستدل أيضا بقول الله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (سورة الطلاق:3)
إذن فبالخوف تنتج الخشية والخشوع لله في كل شيء, بالخوف تطهر القلوب من الأدران, بالخوف يكون دوام الذكر لله تعالى الذى ترق القلوب به وتنعش ,فتزداد إيمانا وتوكلا على الله تعالى.
وقد ذكر –الدكتور داود- بعض الآيات من القراّن الكريم على سبيل المثال لا الحصر لتؤكد على هذا الأمر, قول الله تعالى ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾( سورة الأنفال:3(وقال تعالى: الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ (سورة الحج:35.)وقال سبحانه أيضا:وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ(سورة المؤمنون:60.)
هكذا كان منهج الدكتور داود في توضيح هذه القضية, بالدليل من القراّن الكريم والسنة النوبية المطهرة على نبيها أفضل الصلاة والسلام, ومعايشة الواقع ومعالجته عن طريق ما جاء في كتاب اله تعالى وما جاء في الصحيح عن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم, وليس هذا فحسب بل ذكر أمثلة من سلف الأمة الذين هم مشاعل نور لكل زمان ومكان, ومن هنا نفهم أيضا أن من ركائز الإصلاح عنده إحياء مواقف سلف الأمة بل وتفعيل قيمهم الروحية والأخلاقية ,لتسلم الأمة من كل سوء ,إن كنا نبحث عن صلاح إصلاح ,من هنا يأتي الصلاح والإصلاح يا سادة.
وأذكر مثالا واضحا ليس على سبيل الحصر وإنما على سبيل التأكيد على هذا الكلام, ما ذكره مفكرنا في كتابه – مواقف وعبر-عن الحسن البصرى أنه استمع إلى رجل يعظ الناس, وبعدما انتهى من موعظته وانصرف الناس, أقبل الحسن البصرى إلى الرجل الواعظ, وقال له في السر: أراني لم يرق قلبي, ولم تصل موعظتك إليّ فإما بقلبي شيء أو بقلبك, فانصرف الرجل باكيا”.
وسوف أوضح في المقال القادم فلسفته –الدكتور محمد داود- الإصلاحية من خلال شرحه لهذا الموقف.
وكتبه
راجي عفو ربه, محمد حسن معاذ القاضي.
دكتوراه في الفلسفة الإسلامية والتصوف.