زيارة البابا فرنسيس التاريخية للعراق بين المواجهة و التجاهل

تعد زيارة البابا من أكثر الأحداث الإخبارية المهمة حاليا وبالتالي تمت تغطيتها من قبل الكثير من القنوات العالمية والوطنية العراقية. والجميع يراقب تغطية القنوات العراقية المحترفة لذلك الحدث.
وهنا أنا لست بصدد التعليق حول تلك التغطيات بل أود تسليط الضوء على أولئك الذين يتخوفون من أبعاد زيارة البابا السياسية التي من أحد آثارها تصدر العراق المرحلة القادمة في المنطقة. فباستطاعة العراق لعب دور كبير في صفقة القرن الجديدة التي تعرف أيضا باسم (صفقة إبراهيم).

فالقوى الرئيسية اللاعبة في المنطقة حاليا تحاول أن تقوض مشروع قيادة المرحلة القادمة من قبل العراق. فاختاروا إحدى الطريقتين المعروفتين للمحاربة إعلاميا الا و هما: إما تجاهل الحدث أو تسقيطه وذلك من أجل تقويض ثقل وأبعاد زيارة البابا فرنسيس السياسية والاقتصادية والحضارية والاجتماعية والفكرية والقيادية للعراق.

فالعراق الآن على منعطف مهم، إما الخروج به لطريق جديد شديد الوضوح للنهوض من التدهور الذي عاشه الشعب العراقي بسبب طغم الحكم الفاسدة المتتالية منذ سقوط الملكية و حتى يومنا هذا الذي نعيش فيه في أسوا فترة حكم في التاريخ من فساد و قتل وجهل و دمار و سقوط مدن وحكم أوباش وداعش وميليشيات.
كما لاحظتم سادتي الكرام حاول البعض توصيف زيارة البابا بأنها زيارة دينية فقط خالية من الأبعاد السياسية, وحاول البعض الآخر شحن الشارع طائفيا لزيارة البابا الى النجف. بينما هناك من حاول حتى مهاجمة زيارة البابا معارضا ومحاولا عرقلة الملف الأمني كالعادة. فلا يعد اسهل من الملف الأمني لابتزاز الحكومات العراقية المتعاقبة أو الشعب العراقي لإفشال أي مشروع في بصيص أمل للنهوض من الواقع.

إن العراق و شبابه أمام فرصة تاريخية جديدة لإنجاح المشروع الجديد المطروح وبقوة على أرض الواقع. فالنظام السياسي في العراق ديمقراطي، كما يمتلك العراق نقطة قوة لا يمتلكها أحد غيره في المنطقة ألا و هي تحالفات عابرة للقارات مع الكثير من دول العالم الريادية، علاقات مع الأمم المتحدة و حلف الناتو والولايات المتحدة و البنك الدولي وغيرها من الكثير من المؤسسات العالمية التي فرضت الولايات المتحدة عليها إنشاء علاقات جيدة مع العراق.

فبالطبع، عند انتهاء زيارة البابا ستقوم بعض الميليشيات ببعض الأفعال الإنتقامية من أجل افشال دور العراق الجديد المنتظر وكما ستقوم بعض الانظمة العربية بمحاولات تقويض دور العراق الإقليمي عبر تشتيت أوصال الشعب بتمويلات طائفية.
فهناك الكثير من الإشارات التي يجب ان يترجمها الشعب العراقي وبصورة صحيحة فعلى سبيل المثال زيارة البابا الى السيد السيستاني وتجاوزه كل رجالات الشيعة الآخرين المتورطين في الفساد و الصراعات الطائفية. كما زار البابا “زقورة أور” ذاكرا انه جاء حاجا، بعيد زيارته الى أحد أبرز رجال الدين المسلمين ناشرا السلام. كما لاحظنا تواجد الممثلة العامة للأمم المتحدة في اربيل. وهذه الجملة الأخيرة فيها رسالة مباشرة الى تركيا.

قد صدقوا بعض الشيء عندما ظن احدهم شامتا أن شباب ثورة تشرين 2019 العراقية لم تلق الدعم الذي كان ينتظره البعض من القوى العالمية كالولايات المتحدة الأمريكية. ولكن أولئك الشامتين قد غفلوا وكما عهدناهم بقصر نظرهم حيث أن الامر أكبر من ذلك. فتظاهرات تشرين كانت فكرية لإنشاء رؤية جديدة للإنطلاق بالوطن الى الأمام عبر عبارة (نريد وطن). فالدين لله والوطن للجميع. فصفقة إبراهيم الداعية للتصالح بين الأديان والأعراق والأفكار المختلفة هو مشروع لا يختلف عليه إثنان عاقلان يدعوان الى السلام. فالبعض يحاول شيطنة حتى أب الانبياء إبراهيم عليه السلام عبر إطلاق مصطلحات كاإنشاء دين جديد. فكل الأديان السماوية هي إبراهيمية في الأصل، فعلى سبيل المثال ليس هناك من مسلم على وجه الارض لا يذكر النبي ابراهيم عند صلاته.

كنت أرجو عدم مجاملة السطحيين بعدم دعوة رجل من الديانة اليهودية لمحفل شامل للسلام وحتى ومن رحم النار في أرض كانت تسمى ارض السلام بلاد وادي الرافدين. فلا بد ان تسمى الأمور بمسمياتها و أن تنتهي مجاملاتنا على حساب الواقع فلا عداوة مع اليهود كدين. ومن له بعد قومي فله الحق كل الحق أن يعبر عن رأيه بصورة موضوعية لا تورط الاديان في صراعات سياسية معبئة الشعوب بحماسات لا ترتكز على رأي يهضمه العقل و المنطق.
العراق و المنطقة و الجزء الشرقي من العالم بحاجة ضرورية لإنشاء ثورة فكرية كتلك الثورة الفرنسية في أوروبا، فجر العصر الحديث. ذلك من أجل تنشيط العقل والمنطق مقابل تقويض النقل والتقليد. فلا مجال للفكر التقليدي الغير ناقد في العصر الرقمي القادم.

أنت أيها العراقي الا يسعك قيادة تلك الثورة الفكرية؟

بواسطة
مصطفى خلدون العامري - السويد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. لا بد من احياء تلك الفكرة الثورية من قبل المفكرين والمثقفين في العراق ومن قبل العراقيين عامة في جميع انحاء العالم فهم بلتأكيد لديهم يد في تغيير العراق الى الافضل دعماً لهذه الفكرة الداعية الى النهضة من جديد الى وطن خالي من الفساد والقتل والدمار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق