عميد الدبلوماسيين ببغداد يودّع بحفاوة

البلدان الفاعلة في المشهد الانساني تلك التي تتميز شعوبها بالحيوية وغنى في التراث والشواخص الحضارية، والثقافة والأدب والفلسفة، فتوصف على انها شعوب حية عريقة انطلاقا مما تملكه من عطاء فكري وإنساني ثر، وبعد تاريخي، لتشكل نسيجا من الوعي، تنبعث منه رسالة السلام بعدها جوهر عمل الدبلوماسية المهذبة التي تحتاجها الأمم حاليا في عصر التشظي والخلافات والصراعات الدولية. القادم من بلد الثقافة والعلم والأدب العربي التي نشأ عليها في ربوع “زبدة المغافرة ” من قبائل بني حسان الذين عربوا موريتانيا، منذ القرن الرابع عشر الميلادي، وأخذ يتكلم الحسانية كل من جنوب الجزائر وجنوب المغرب، وشمال دولة مالي، هو السيد الساداتي ولد الشيخ ولد أحمد، من سكان مدينة بوتل ميت، معقل الساسة بموريتانيا، تقع على مسافة 150 شرق نواكشوط، وصل بغداد سفيرا لجمهورية موريتانيا الإسلامية، عرف عنه دبلوماسيا رفيعا، عميق الثقافة، فيلسوف في الطرح، صريح في إبداء الرأي، حريص على مسؤوليته، مخلص لوطنه، مهلم بعروبته؟ يهوى الشعر، يجيد اللغات الفرنسية والإنكليزية والعربية بإتقان تام، قدم أوراق اعتماده بوصفه سفيرا فوق العادة وكامل السلطة لبلاده، لدى جمهورية العراق منذ 2012 كتب في مقالة ” أن هذه العودة الميمونة للعلاقات الدبلوماسية لبلاده مع العراق، جاءت رغبة من قيادة البلدين الشقيقين، بإعادة ربط جسور نسجت أواصرها العصور بين بوابتي الوطن العربي، موريتانيا غربا وجمهورية العراق شرقا”.ومن يوم تكليفه بالمسؤولية بدأ السفير الساداتي، دبلوماسيا يجول أرجاء العراق ويوطد علاقاته مع مختلف الناس والمسؤولين في أروع تجربة دبلوماسية، بحثا عن السلام في مدينة السلام ” بغداد” عرف عنه بالدبلوماسي المثقف، يعكس عمق البعد الحضاري والثقافي لبلاده موريتانيا، صار العراقيون يقرأون في أعماق التاريخ عن بلد المليون شاعر، ويقرأون عن تلك الجذور الأدبية العربية المشعة من وحي الصحراء، والغابات وسلاسل الجبال والسدود، وخيمة الثقافة. هذه السمات المتميزة للسيد أبا هاشم جعلت السفارة الموريتانية ببغداد تسجل 700 الف زائر. تسع سنوات من العمل الدبلوماسي مارسه السفير أبا هاشم، تجذرت فيها علاقاته الاجتماعية بمختلف أطياف المجتمع العراقي، لم تقتصر على الجانب الدبلوماسي والسياسي، وحسب بل أمتدت لعلاقات صداقة اجتماعية وفكرية مع المواطنين والمثقفين والاكاديميين ونخب العراق البارزة، وتميز من بين الدبلوماسيين بانه الأكثر اتقانا للغة العربية، فحصل على( درع الشعب) من مجلس النواب العراقي، ولأول مرة يكرم به سفير، فضلا عن تكريمات أخرى رفيعة، عن أدائه المتميز في توطيد العلاقة بين موريتانيا والعراق، ونجاحه بتجسيد رسالة بلاده في حبها للعراق الذي عمل فيه، إذ عمل بظروف غاية في الصعوبة، ويعد السفير الوحيد الذي لم يغادر بغداد، في ظروف سقوط بعض المدن العراقية بيد تنظيم داعش في 2014 على الرغم من تعرضه لاعتداء مسلح استهدف موكبه في 2016 ببغداد، وهجوم آخر ضد منزله في 2017 فأطلق عليه العراقيون والموريتانيون ب”السفير الشجاع “. السفير الساداتي، ودع العراقيين من مسؤولين وشخصيات سياسية واكاديمية وثقافية، وفكرية واجتماعية، وبعثات دبلوماسية عاملة ببغداد، تاركا خلفه سنوات من مسيرة دبلوماسية مشرقة يملأها العطاء والمواقف، والأخوة والأحداث الجميلة التي تبقى محفورة في ذاكرة العراقيين.

بواسطة
فاضل البدراني - العراق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق