قصة  ليلى .. حكاية الألف ليلة الجزء الثاني

لن انسى ابدا ذلك اليوم الذي التقت فيه اعيننا دون سابق انذار  ، نعم التقت اعيننا ولم نكن نتكلم ابدا ، كانت النظرات هي التي تشي بكل شيء ، وكنا نعلم ان تلك  النظرات ستفشي بكل الأسرار  ..
كانت عيونها تخبرني بصمتها ان هناك مكنوناً من الاسرار لااحد يستطيع ان يحل لغزها  الا انا  ، بل لا احد له الحق ان يفك رموزها الا انا ، كانت نظراتها تعني الكثير الكثير من الاسرار .
نظرة منها كانت تخبرني عن أغنية جميلة اهدتها لي ، ونظرة اخرى كانت تعدني بفنجان قهوة تشربها معي في مكان بعيد عن اعين العذال والحساد ، ونظرة ثالثة كانت تدعو لي الرب ان يحفظني ، ونظرة اخرى تتمنى ان اكون خالداً لها الى الابد ، ونظرة تتوسل الله ان يبقيني جنبها ، ونظرة تخبرني اني فصلها الاول والأخير ،ونظرة أبرمت عهدها الأبدي معي ، ونظرة أوحت لي أني وحي سعادتها الأول والأخير  …
ونظرة قاتلة همست في أذني أنها تعشقني ،
نعم … لقد رايت كل هذه النظرات ، وشاهدت آفاقها جميعاً ، وتتبعت مسالكها ودروبها ، كنت اقرأ تلك النظرات بجميع ألغازها ، وجميع مساراتها المستقيمة نحو عينيّ الداكنتين ،
كنت اشعر جيداً أنها تحبني …
نعم هي تحبني وان أخفت ذلك ، نعم هي تعشقني وان قالت غير ذلك .
نعم … انا اعرف اني توأم روحها ، وان ادعت ان غيري من صديقاتها  توأم لها ، نعم أعلم جيداً انها تضمني بين جنحيها الصغيرين البريئين .
ولكني رغم كل ذلك  أعي جيداً ان عفّتها تمنعها من افصاح عشقها إلي ، واعلم كل العلم أن  طهارتها تمنعها من التقرب إلي .

ألم أخبركم أيها السادة  انها امراة نادرة الوجود في عالم مليء بالفساد والخدع …
انها فتاة لاتعرف للخديعة معنى  ، ولا  للكذب سبيلا ، ولا لنقض العهد مسلكاً .
نعم هي امراة من عالَم ثانٍ ، عالم العفة والطهارة والنقاء .
والحق … انها امراة اكون قد غبنت ً حقها لو وصفتها بالجميلة فقط ، فمصطلح الجمال مقارنة بما تملكه عيناها لن يكون له اي معنى ، ولا ادري اي تسمية تليق بما تملكه من حلاوة وجمال ، ورقة وسموّ .
إنه الإبداع   ، هذا مايمكن لي أن أطلقه على جمالها .
فكأنها لوحة فنية زيتية أبدع صانعها في رسمها ، فكذلك صانعها عزّ وجلّ  قد أبدع في صنعها .
ولكأني أمام حورية من حوريات الجنة ، وكأن  خالقها سبحانه وتعالى لو لم يخلق سواها لكفانا بها دليلاً على أنه قادر على صنع كل  شيء والإبداع فيه .
لم تكن تلك اللحظات التي كنا ننظر لبعضينا قد انتهت ، فلم تنتهِ وكأن عقداً من الزمن قد مضى علينا ونحن نتغازل بعينينا ونتغامز بطرفهما ، فما في عينيها لا تسعه الا عيناي ، وما من طلاسم في عينيها لاتقرأها الا عيناي ، ففي عينيها  بحار يغرق كل من يفكر في الإبحار فيها .
نعم … عيناها ليستا كأيّة عينين اخريين لأي كائن مخلوق ، وعن نفسي أكاد أجزم ان لا شبيه لعينيها في الأرض .
ولو لا علمي بأن الله تعالى خلق في السماء حوراً عِيناً لا مثيل لهن في الارض لادّعيتُ ان عينيها لا تضاهيهما  حتى أعين النساء في السماء .
عيناها عينان يلوذ بهما كل لائذ ، ويستجير بهما كل مستجير ، ويستنجد بهما كل غريق ، يستهدي بهما كل تائه ، وكأنهن الكواكب والنجوم ، بل دعوني اخبركم انهما هما الأصل وجميع الكواكب والنجوم تستنير بضوئهما .
و مايحيّرني في هذا الأمر كثيراً أنني لم أكن تائهاً الا في محضر عينيها ، ولم أكن غريقاً الا في بحارهما .
نعم كنت  اصرخ بأعماق قلبي صراخ المريدين  رغم الصمت الذي يغلفني مستنجداً بأهدابهما  ،  وكنت أضج ضجيج الهائمين مستجيراً بحدقاتهما ،  وكنت أنادي عليهما متوسلاً بطرفيهما .
(خذاني اليكما) … كان هذا أول نداء استغيث بهما وفيهما ،
( خذا كلّي إليكما ،  فكلّي لايبغي سوى كلّكما ، وبعضي لايود الا كلّكما  ، وجزئي لايقبل الا بكلّكما) .
(فلا أقبل إلا بكلّكِ ) .
كيف لي ان اخبركم أيها الناس  بما كنت اشعر عند تلك النظرات التي جرت بأعيننا لحظات عددتها بألف سنة ، وكيف لكم أن تصدقوا انني أخذت كلّي ودخلت في عينيها سابحاً في بحارهما .
نعم … لقد نسيتُ أن أخبركم أيها الأصدقاء ان من أهم مايميز عينيها هو البحار السبعة والألوان السبعة .
فثَمّةَ طلسم لها من نور لايجرؤ على قراءته احد ، فهناك سبعة بحار وسبعة ألوان من أنوار مختلفة .
رحت اراقب عينيها بإمعان واسأل نفسي كيف لي ان اقرأ أسرار هذه الألوان السبعة ومن أين لي تلك القدرة الفنية على فكّ طلسمها ، بل ومن اين لي تلك الطاقة الغيبية التي تمنحني المعرفة على تمييز هذه الألوان …
الحق … انني فشلت في معرفة هذه الألوان بداية الأمر ، وكنت أجهل ان الأمر ذو مشقة كبيرة لايطيقه الا العاشقون الأزليون .
من هنا فكرت أن احارب كل الدنيا للدخول الى عينيها لأبحر في بحارهما السبعة ، وأتعرف عن قرب على ألوانهما السبعة .

يتبع في الجزء الثالث

بواسطة
عبد الباري المالكي - العراق
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق