كارثة بيئية.. تحدق بمصب نهر أم الربيع

تحديات كبيرة يواجهها مصب نهر أم الربيع بالقرب من مدينة آزمور، فالجفاف الذي عرفه المغرب في السنوات الماضية الأخيرة، بالإضافة إلى كثرة السدود المنجزة على نهر أم الربيع (15 سد أقدمها سد سيدي سعيد معاشو تم بناؤه عام 1929م) أثر بشكل مباشرعلى صبيب و منسوب مياهه، حيث انخفض بشكل كبير، الأمر الذي أحدث خللا في توازن القوى بين البحر و النهر أثناء عملية المدّ و الجزر.

كل هذه العوامل ساهمت في تراكم الرمال و الأحجار بملتقى النهر و البحر فكانت النتيجة تقلص عرض النهر و عمقه و ظهور بقع رملية بوسطه، وتبقى هذه التمظهرات في عمومها طبيعية مقارنة مع تلوث مياه نهر أم الربيع، حيث كان للإنسان دور كبير في حدوثها باستثناء عملية جرف الرمال التي سرعت من حدوث كارثة بيئية نظرا للاستغلال العشوائي، و المبالغ فيه للثروات الطبيعية للمصب من طرف الشركة الموكول لها بتنقية مصب نهر أم الربيع قبل أن تتدخل وزارة النقل و التجهيز و اللوجستيك و الماء لتنهي العقدة في منتصف عام 2018.

إن التحدي الصعب و الحقيقي الذي أصبح يشكل خطرا محدقا بصحة الإنسان و حياة الكائنات المائية هو تلوث مياه مصب نهر أم الربيع بحيث أصبح يشكل مجالا خصبا و مطرحا واسعا لكل أنواع النفايات السائلة و أحيانا الصلبة، فعلى طول ساحل نهر أم الربيع تمتد شلالات قنوات الصرف الصحي و ما تحمله من مواد سامة ساهمت بشكل قوي في القضاء على حياة العديد من الكائنات المرئية و غير المرئية و انقراضها بمياه نهر أم الربيع، هذه الكائنات لعبت على مدى سنين دورا مهما في الحفاظ على التوازن البيئي و البيولوجي بمياه النهر.

فالمعلوم أن نهر أم الربيع، يخضع إلى العديد من العوامل الملوثة الأخرى كالأنشطة الفلاحية الممارسة بجانب ضفاف النهر و التي تعتمد في زراعتها على المبيدات و المواد الكميائية، بحيث أنها أثناء نزول المطر تتسبّب السيول الآتية من حقولها في تسمم مياه النهر، إلى جانب المصانع الممتدة على ضفاف النهر و التي ترمي بموادها الكميائية السامة و السائلة مباشرة في النهر عن طريق القنوات دون احترام المعايير البيئية المعمول بها وطنيا و دوليا.

إن معاناة مصب نهر أم الربيع تبدو جلية من خلال حقيقة وضعه البيئي المتدهور بحيث أن كل من جماعة آزمور و سيدي علي بنحمدوش و الجماعات المجاورة ترمي بمياهها العادمة في النهر محدثتا، و بشكل مباشر، العديد من التغييرات في مياهه إن على مستوى الحياة البيولوجية و تنوعها أو على مستوى التوازن البيئي، فالعديد من الدراسات و الأبحاث الحديثة أظهرت أن الخاصيات الفيزيوكميائية لمياه مصب نهر أم الربيع قد تجاوزت خطوط الحمراء للخصائص الوطنية للمياه السطحية التي تم تحديدها عام 2002م، و نستشف ذلك من العينات الرسوبية التي تم أخذها من مصب نهر أم الربيع من طرف بعض الباحثين أظهرت تركيز في غاية الأهمية و بشكل كبير لمادة المنغنيز (Mn=Manganèse) و كدميوم (Cd=Cadmium) و الكروم و الزنك (CrZn=Chrom-Zinc) و بلومب (Pb=Plomb) و النحاس (Cu=Cuivre)، هذه المواد تأتي كلها من مياه الصرف الصحي و التي تشكل السبب الرئيسي في تلوث مياه مصب نهر أم الربيع، كما عرف هذا الأخير أيضا حسب دراسات علمية ارتفاعا مهولا في مادة الأزوت Azote و الفسفور phosphore و مواد عضوية أخرى ساهمت في ظهور الطحالب المائية les algues و و العوالق phytoplancton التي تعتمد في نموها و انتشارها على استهلاك كمية كبيرة من أوكسجين مياه النهر مما يؤثر سلبا على جودة المياه و يتسبب في وفاة العديد من أنواع الكائنات و الفطريات و الأسماء التي تعيش بمصب نهر أم الربيع.

فالخاصية التي تميز مياه مصب نهر أم الربيع اليوم، إبتداء من القنطرة الجديدة إلى حدود ملتقى البحر، هي التلوث، فحسب المكونات الفيزيوكميائية التي تجاوزت بعضها المعايير الوطنية و الدولية، فإن مياه مصب نهر أم الربيع أصبحت تهدد صحة الإنسان و التنوع البيولوجي و الحياتي للكائنات المائية بها و تساهم بشكل كبير في سوء التوازن البيئي و الإيكولوجي.

لقد أصبح السبيل الوحيد لإنقاذ مصب نهر أم الربيع من كارثة بيئة هو الإسراع بإنشاء محطة تصفية المياه العادمة، هذا المشروع الإنمائي الذي طال انتظاره من طرف سكان مدينة آزمور، و الذي تم الموافقة عليه من طرف الأطراف الوزارية المساهمة منذ اكثر من عشرات السنين، و هو اليوم في رفوف مشاريع الوكالة المستقلة للماء و الكهرباء بمندوبية اقليم الجديدة بعدما انهى جميع مراحله ليتعثر عند مرحلة الإعلان عن الصفقة العمومية.

لقد اصبح اليوم مصب نهر أم الربيع نمودجا لكارثة بيئة يتطلب التدخل العاجل لإنهائها، بحيث أن مصير و مستقبل هذا النهر هو من مسؤولية كل من عمالة الجديدة و السلطة الإقليمية و مندوبية الوزارة النقل و اللوجستيك و الماء بإقليم الجديدة و الوكالة المستقلة للماء و الكهرباء بالجديدة RADEEJ و السلطات المنتخبة، و في إطار التحسيس و التوعية و الترافع تعود المسؤولية لجمعيات المجتمع المدني و خاصة الجمعيات المعنية بالحفاظ على البيئة و حماية المستهلك و أيضا الهيئات الحقوقية و الحزبية المحلية و الإقليمية و التي ظلت بعيدة عن الموضوع ما عدى القلة القليلة منها.

مراجع الأبحاث
– Zourarah, B., Maanan, M., Robin, M., & Carruesco, C. (2009). Sedimentary records of anthropogenic contribution to heavy metal content in Oum Er Bia estuary (Morocco). Environmental Chemistry Letters, 7(1), 67-78.
– Barakat, A., El Baghdadi, M., Rais, J., Aghezzaf, B., & Slassi, M. (2016). Assessment of spatial and seasonal water quality variation of Oum Er Rbia River (Morocco) using multivariate statistical techniques. International soil and water conservation research, 4(4), 284-292.
– Asfers, Y., Taouil, H., Hanafi, H., Elanza, S., Ahmed, S. I., & Aboulouafa, M. (2017). Study of the sediments metallic contamination in Oum Er-Rbia Estuary. J Appl Chem, 10(1), 67-75.

بواسطة
محمد الغوفير- آزمور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق