مولانا وحيد الدين خان .. الكنز المخبوء ( 4-4)
وفى كتابه الهام والمجهول فى عالمنا العربى :” خطأ فى التفسير ” الطبعة الأولى 1963م باللغة الأردية والطبعة الأولى العربية 1992م وكذلك ملخصه ” التفسير السياسى للدين ” نشر دار الرسالة الربانية , مصر الجديدة , القاهرة . سنة 1991م :
أوضح العلامة وحيد الدين خان الآتى :
-أنه كان عضوا بالجماعة الإسلامية بالهند لمدة سنتين , وقام بكتابة بعض الاعتراضات سنة 1961م على بعض أفكار الأستاذ المودودى وأرسلها له لكنه لم يرد عليها لمدة طويلة , وبعد الإلحاح كان رده سلبيا للغاية كارها للنقد .
-أن أبا الأعلى المودودى وقع فيما وقع فيه كارل ماركس عندما فسر الحياة ووقائعها بأسلوب غلب فيه الناحية الإقتصادية على جميع نواحى الحياة ؛ حيث قام المودودى بتفسير الدين الإسلامى تفسيرا سياسيا حتى اصطبغ كل شئ بصبغة سياسية , لا يعرف هدف الرسالة النبوية بدون السياسة , ولا يفهم المعنى الكامل للعقائد ولا تظهر أهمية الصلاة وسائر العبادات ولا تقطع مراحل التقوى والإحسان ولا يعقل الهدف من سفر المعراج إلا بالسياسة !! ”
-وأن الخطأ الذى وقع فيه ماركس بجعله الاقتصاد قضية القضايا وفسر بناء عليه جميع قضايا الحياة والكون , فعله المودودى بالدين الإسلامى حيث ” بالغ فى التأكيد على الجانب السياسى للدين حتى حوله إلى تفسير للدين بخلق ذهنا خاصا يرى كل شئ بمنظار السياسة “.
-حتى جعل المودودى الهدف المنشود لجماعته ” هو إنقلاب الإمامة ” .
-وجعل المودودى الغاية المنشودة للأنبياء فى هذه الدنيا هو إحداث ” الإنقلاب السياسى ” فى مجتمعاتهم للوصول للحكم وأن هذا كان هدف كل نبى وكل رسول حيثما بعث , وجعل معنى الدين فى هذا العصر هو الحكومة state , أى يستسلم الناس أمام قوة جبارة قاهرة ويذعنوا لها هذه هى الحكومة وهذا هو معنى الدين أيضا ” فى فكر المودودى ” , وجعل هدف الجماعة الإسلامية هو تأسيس الحكومة الإلهية بعد إقتلاع جذور الحكم القائم آنذاك , وجعل الهدف من العبادات ” الصلاة والصيام والحج والزكاة ” هو تربية وإعداد المسلمين لغاية مهمة وعمل جاد هو إقامة الحكم وأن هذه الأركان فرضت لتؤهلهم لتحقيق هذا الهدف الأساسى وأنها مجرد وسائل للوصول للهدف الأسمى ” الحكم ” .
– فقام وحيد الدين خان بالرد على إدعاء المودودى بأن الغاية المنشودة للأنبياء فى هذه الدنيا هو إحداث ” الإنقلاب السياسى ” فى مجتمعاتهم للوصول للحكم :
بموقف سيدنا موسى عليه السلام فلو كانت الغاية إقامة الحكم لرجع لمصر ولأقام الحكومة خصوصا بعدما غرق فرعون وأصبح الجو السياسى مهيأ .
وكذلك سيدنا إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء لم يقم حكومة !!
وكذلك المسيح عليه السلام لم يقم حكومة ؟!
فموجب كلام المودودى أن هؤلاء الأنبياء عليهم السلام – وهم من أولى العزم – لم يحققوا الغاية المنشودة فى هذه الدنيا معاذ الله , وإما أن كلام المودودى خاطئ ونختار الثانية .
-وانتقد خان إدعاء المودودى أن الهدف من صلاة الجماعة ” أنها تشكل هيكلا عاما لبناء الشخص على المستوى الفردى , إذ تحركه يوميا خمس مرات ليستمر فى حركته كالآلة وتشبيهه المتقين بموظفى الدولة الذين يقومون بواجباتهم ويراعون القوانين وأن العبادات مجرد وسائل لغاية هى الوصول للحكم ”
فيقول وحيد الدين خان منتقدا هذا المنهج الخاطئ والخطير فى تفسير الإسلام :
” يخبرنا القرآن والحديث أن الشئ المطلوب هو التعلق بالله والخوف من عذاب النار , فيجب أن نعمل به وأن ندعو الناس إليه .
فقالوا ” يقصد دعاة الإسلام السياسى ” : ” إن التعلق بالله واليوم الآخر إنما للتربية , وصارا ضمن هذا التفسير بمنزلة تربية الأعضاء , وليس هذا فحسب بل أصبحت القضية الأساسية
هى : إقامة الانقلاب فى الدنيا !!
أما الخوف من العذاب واليوم الآخر وغيرها , فأصبحت توجهه نحو العمل والهدف إذا قاموا للانقلاب العالمى أو ملكوا زمامه بعد الانقلاب , ليس معنى ذلك أن الجماعة الاسلامية إنما تستهدف الدنيا والنجاح فيها بدل الفوز بالاخرة , إن غايتها الحقيقية هى الفوز فى الآخرة , ولكن ما هى السنن المتبعة لنيل هدف الآخرة ؟
لقد أخطؤوا فى تصورهم لذلك .. إن نتيجة هذا التفسير أن يبقى التعلق بالله واليوم الآخر ومثل هذه الاشياء موجودة ضمن برامج الجماعة ولكنها لا تأخذ الاعتبار الحقيقى بين أهلها , وهى تتناول كبحث للتربية ولا تأخذ اعتبارا حقيقيا فى أذهان الناس .
ومثل الذين تأثروا بهذا التفسير كمثل وعاء كان فى وضع مقلوب أو مائل , فمن الظاهر أنك إذا صببت فيه الماء , فإنه يسيل عليه , ولا يدخل فيه سوى القليل , إذن ما أقوله عن الخوف من الله , والتفكر فى الآخرة , هى أمور لا يرفضها هذا الذهن , بل يقرها ويستمع إليها راغبا فيها , ولكن هذه المؤلفات إنما تصوغ الذهن فى شكل لا يضع هذه الأشياء فى وضعها الصحيح , بل كل ما يقال من هذا القبيل فهو للتربية .
ومعلوم أن الدين والفطرة متطابقان تماما , فلو زاغت الفطرة لا يدخل الدين فى الإنسان دخولا صحيحا . ” 1)
ويؤكد خان خطأ وخطورة هذه الفكرة قائلا :
-” الـتأويل السياسى للإسلام باطل وليس له أصل فى الإسلام ” 2)
-” يجب إبطال سحر هذه الأيديولوجية أو المفهوم القائم على الـتأويل الخاطئ للنص القرآنى بتجريده من مسمى الإسلام ” 3)
وتقديرا للدور الرائد للعلامة وحيد الدين خان فى كشف الخلل المنهجى فى فكر جماعات الإسلام السياسى .
يقول عبد الحق التركمانى :” إن نقد وحيد الدين خان للتفسير الحركى للدين قد هز أركانه , وأتى على قواعده وكشف القناع عن أخطر تحريف يهدد جوهر الحقائق الإسلامية فى العصر الحديث ؛ فكانت عقوبة وحيد الدين الطعن والتجريح والتجاهل والتهميش والمحاربة والتضييق , ولولا أن الله تعالى ميزه بنتاج علمى واسع ومتميز مثل كتابه ” الإسلام يتحدى ” وهمة عالية وإرادة تسحق الصخور لما سمعنا به وعنه فى العالم العربى ” 4)
وينتقد العلامة وحيد الدين خان حفظه الله تيارات الإسلام السياسى التى ترى وتروج صورة ذهنية لنبى الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم بأنه نبى مقاتل كان لا يخرج من حرب حتى يدخل أخرى !!
موضحا أن الرسول الكريم كما جاء بكتب السيرة النبوية : حارب بنفسه 3 حروب فقط ” بدر وأحد وحنين ” مدتها 36 ساعة طوال 23 سنة من سيرته النبوية .. وأن بقية المعارك كانت دفاعية . 5)
وأن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم الأساسية هى ” الدعوة ” .
مؤكدا أن الدعوة التى تصاحب الصراعات السياسية والاقتصادية ليست من الدعوة فى شئ بل هى مسرحية ساخرة . 6)
وبعد هذه الجولة فى فكر الإمام العلامة المجدد وحيد الدين خان حفظه الله ونفع به
ندعو العالم العربى والإسلامى لطبع وترجمة كتبه الرائدة خصوصا ” خطأ فى التفسير ” إذا أرادت بصدق القضاء على الجذور الفكرية للإرهاب .
لأن ما تم من حجب فكر هذا الإمام المجدد بفكره العميق والمستنير وفى نفس اللحظة إبراز النماذج المتطرفة وترجمة كتبها بغزارة مثلما حدث مع المودودى ؛ يعد بحق عملا ممنهجا من جماعات الإسلام السياسى التى تسيطر على أغلب دور النشر .
لذلك نناشد المؤسسات الدينية ووزارات الثقافة فى عالمنا العربى والإسلامى بضرورة طبع وترجمة أعمال مولانا وحيد الدين خان وهذا أفضل تكريم له والذى يمثل بحق كنزا مخبوء .
الهوامش :
1- ” خطأ فى التفسير ” وحيد الدين خان ص 10-11
2-” عصر السلام ” ص 98
3- المرجع السابق ص 98
4- أنظر “التفسير السياسى للدين ” دراسة وتعليق عبد الحق التركمانى ط1 سنة 2014م دار البشاير الإسلامية بيروت ومركز دراسات تفسير الإسلام لندن ص 90
5- أنظر مقال ” وحيد الدين خان مجدد يكشف أن النبى فى حياته كلها 36 ساعة فقط ” أ.هشام النجار 8-1-2017م موقع العرب
6- ” إمكانات جديدة للدعوة الإسلامية ” وحيد الدين خان ص 30