نظرية الحكم عند المعتزلة وشروط الخروج على الإمام
إن المعادلة السياسية عند المعتزلة ترتبط ارتباطا وثيقا بأصولهم الفكرية الخمسة بقدر ما تنطوي أيضا على محاولة العودة للقواعد التأسيسية لنموذج الدولة في الإسلام من حيث اختيار الإمام، وطبيعة العلاقة بين الإمام والرعية، وحق هذه الرعية في عزله ومحاسبته أو الثورة عليه ان أحدث أمرا أو حدث له أمر لتطهير ما آمنوا به، مما طرأ عليه من ثغرات خرجت به عن أصوله الأولى. فكانت تلك المعادلة السياسية عند المعتزلة:
وجوب الإمامة:
حيث اتفق المعتزلة على وجوب الإمامة في المجتمع الإنساني لأن الإنسان في رأيهم كائن اجتماعي مدني، ونتيجة لذلك فإنه عرضة للمطامع والاهواء ونوازع الشر مما يجعله في حاجة إلى الحكام لإقامة العدل بين الناس (رسائل الجاحظ – تحقيق عبد السلام هارون ج 1 ص 161)، إلا أن وجوب قيام الإمام في رأي المعتزلة ليس وجوبا شرعيا إذا ما امتنعت الأمة عن إنفاذه استحقت اللوم أو العقاب. بل إن وجوبه نابع من حاجة المجتمع إليه وتحقيقا للمصلحة المدنية بحكم ضرورة هذه السلطة لإقامة العدل، وذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك عندما قالوا: إن قيام العدل بين الناس وتناصفهم وانتفاء المظالم بينهم ينفي ضرورة ودواعي قيام السلطة الحاكمة.. (الشهرستاني – الملل والنحل ج 4 ص 87).
اختيار الإمام:
يتفق المعتزلة على أن اختيار الإمام وتنصيبه يكون بالاختيار والعقد والبيعة له من الأمة، وبذلك فإنهم يمنحون الأمة (أو يعيدون إليها) حقها في اختيار أئمتها ولا يعترفون بطريق آخر غير الاختيار والبيعة لتنصيب الإمام، وانطلاقا من تبنيهم لمبدأ الشورى والاختيار، أعلن المعتزلة معارضتهم لفكرة تنصيب الإمام بـ (النص أو الوصية أو التعيين) بنفس القدر الذي رفضوا به وعارضوا آراء من (أجازوا إمامة المتغلب على السلطة أو المغتصب لمنصب الإمام) (محمد عمارة – المعتزلة ومشكلة الحرية الإنسانية ص 190)، وتأسيسا على ذلك اتفقوا على رفض (الميراث) كسبب وأسلوب لتولي الإمامة؛ لأن الميراث إنما يستند إلى عامل القرابة الذي لا يمنح لمن يجوزه حقا يميزه عن غيره من المسلمين فيجعله جديرا بالإمامة دونهم (القاضي عبد الجبار – المغني – ج20 ص 191)، وبذلك يكون المعتزلة، ما بينهم من اختلافات في بعض التفاصيل، قد اتفقوا على تبني مبدأ الشورى والاختيار الحر العام للإمام ورفض مبادئ الوصية أو التعيين أو الغلبة أو الميراث كطرق للوصول إلى الإمامة، معتبرين أن الأساليب التي ترفض الشورى والاختيار أساسا لتعيين الإمام هي محاولة لسلب حرية الإنسان وامتهان لدوره في واحدة من أهم شئون حياته، واعتبر المعتزلة أن اختيار الإمام ذو الكفاءة والأهلية لإشغال هذا المنصب، إنما هو واجب الخاصة دون العامة، وما يميز الخاصة هنا هو جملة من شروط تتصل بالفكر والرأي والمعرفة والسلوك، أي أن الخاصة هم من يحسنون معرفة الإمامة ومهامها، والإمام وشروطه والاختيار ومداخله، وهؤلاء الخاصة هم الذين يسمون أيضا أهل الاختيار أو أهل الحل والعقد (محمد عمارة – المعتزلة وأصول الحكم ط بيروت، المؤسسة العربية للدراسات 1984 ص 123-145) وهم يرون أن اختيار الإمام ومبايعته وتنصيبه إنما هو تعاقد بين طرفين، الأول منهما هو أهل الحل والعقد بوصفهم ممثلين للأمة أو نواب عنها وناطقين باسمها ولمصلحتها، أما الثاني فهو الإمام، وبذلك تكتمل لهذه المهمة مقومات العقد بين طرفين متساويين متكافئين (القاضي عبد الجبار- مصدر سابق ص 251-270) وبحكم طبيعة هذا العقد، فقد أقر المعتزلة للأمة بحقها الدائم في الرقابة على الإمام والأخذ على يده تنبيها له وردا على باطله.
الثورة على الحاكم (الإمام):
يرتبط الموقف من الثورة في فكر المعتزلة بواحد من أصولهم العقائدية وهو (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، فما دامت الأمة عندهم هي التي اختارت الإمام وتعاقدت معه عبر ممثليها أو نوابها من أهل الحل والعقد. فهي وحدها إذا صاحبة الحق في خلع الإمام إذا ما أحدث أمرا أو حدث له أمر يوجب خلعه، وبذلك فقد جعل المعتزلة خلع الإمام حقا من حقوق الأمة؛ لأن اختياره يستند إلى إجماعها الذي يكسبها الحق في خلعه كما كان لها الحق في تنصيبه.
فالإمامة عند المعتزلة عقد يجوز فسخه إذا ما فقد أطرافه شرطا أو عنصرا من شروطه أو عناصره الأساسية أو أخل أحد الأطراف بشروط التعاقد وخرج عنها، واعتبروا (فسق) الإمام سببا كافيا يجيز للأمة خلعه، بل إنهم جعلوا الخروج على أئمة الضلال وولاة الجور أمرا واجبا، ورأوا وجوب نصرة الخارجين عليهم فلا يحل لمسلم أن يخلي أئمة الجور إذا ما وجد أعوانا وغلب في ظنه أنه يتمكن من منعهم من الجور (القاضي عبد الجبار- سابق ص 574،575)، يعكس هذا الموقف وجهة نظر المعتزلة المتفقة خطوطها العامة على حرية الإنسان وقدرته على اختيار أفعاله ومن ثم مسئوليته عنها وتحمله لعواقبها خيرا وشرا، ويستتبع ذلك أن يكون الإمام قادرا على أفعاله متحملا لمسئوليتها والرعية قادرة على أفعالها مسئولة عنها.
وقد رأى المعتزلة أن الخروج على الإمام الظالم ومقاتلته أمر واجب على المسلمين واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى}، وقوله: {وقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله}.
وتتمثل شروط الثورة على الإمام أو الخروج عليه عند المعتزلة في:
1- بغي الإمام (الخليفة/الملك) وطغيانه وظلمه.
2- وجود جماعة تجد في نفسها القدرة على قتال الإمام الباغي .
3- عقد الجماعة البيعة لامام ترتضيه.
4- مقاتلة الجماعة للإمام الباغي بقصد إزالته وأخذ الناس بالانقياد لقولهم.
بذلك فإنهم لم يوجبوا فقط القيام بثورة ضد الإمام الباغي بل حددوا أيضا الأساليب والأسباب والشروط الموجبة لثورتهم.