الدكتور منير القادري يناقش المداومة على العمل الصالح كمقصد من مقاصد التربية

المداومة على العمل الصالح كمقصد من مقاصد التربية الروحية الأخلاقية، وإبراز فوائدها في علاقة الانسان بربه ، وفي علاقة بمجتمعه ، وفي صنع المواطن الصالح الإيجابي ، و الدور الهام الذي تلعبه صحبة الصالحين في هذا الباب ، نقط محوية تناولها بالمناقشة والتحليل، الدكتور منير القادري ضمن مداخلته مساء السبت التاسع عشر من الشهر الجاري، في الليلة الرقمية السادسة والتسعين ضمن فعاليات ليالي الوصال الرقمية، التي تنظمها مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بتعاون مع مؤسسة الجمال.

أشار القادري في مستهل مداخلته، الى أن المداومة على الأعمال الصالحة من خصائص عباد الله المؤمنين، معتبرا أن المداومة قيام بحقيقة العبودية و أن الأصل فيما أمر الله به، أن يفعل على الدوام ويحافظ عليه، بتطبيق الأوامر والعمل بالنصوص وتعظيما لشريعة الله، مستدلا بمجموعة من الآيات القرآنية والاحاديث النبوية والاقوال المأثورة .

ولتبيان أهمية العزيمة الصادقة في العمل الصالح والثبات عليها، أورد القادري قول ابن القيم : “كمال العبد بالعزيمة والثبات، فمن لم يكن له عزيمة فهو ناقص، ومن كانت له عزيمة ولكن لا ثبات له عليها فهو ناقص،  فإذا انضم الثبات إلى العزيمة أثمر كل مقام شريف وحال كامل. ولهذا جاء في دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- : (( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ  ))…. وهاتان الكلمتان هما جماع الفلاح، وما أُتي العبد إلا من تضييعهما ، أو تضييع أحدهما ، فما أُتي أحدٌ إلا من باب العجلة والطيش، واستفزاز البداءآت له ، أو من باب التهاون والتماوت، وتضييع الفرصة.. ، فإذا حصل الثبات أولاً، والعزيمة ثانياً ؛ أفلح كلَّ الفلاح “.

ولفت الى أن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من الغلوِّ، مستشهدا بالحديث الشريف: ((إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ )).(رواه البخاري).

واستطرد رئيس مؤسسة الملتقى في ذات السياق، أن المسلم ينبغي أن تكون عبادته قصداً لا إفراط ولا تفريط، وتكون موافقة لسنة الحبيب -صلى الله عليه وسلم-، مستشهدا بقوله عليه الصلاة السلام : (( إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي ، فَقَدْ أَفْلَحَ ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، فَقَدْ هَلَكَ )).(رواه أحمد).

وأشار الى فائدة الاكثار من ذكر الموت ، معللا ذلك بأن من أكثر من ذكر الموت نَشَط في عمله، ولم يغتر بطول أمله؛ بل بادر بالأعمال قبل نزول أجله، موردا قول صلى الله عليه وسلم   عليه وسلم : (( أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ )) (رواه الترمذي )، وقول  الْحَسَن البصري -رحمه الله- : (مَا أَكْثَرَ عَبْدٌ ذِكْرَ الْمَوْتِ إِلَّا رَأَى ذَلِكَ فِي عَمَلِهِ ، وَلَا طَالَ أَمَلُ عَبْدٍ قَطُّ إِلَّا أَسَاءَ الْعَمَلَ).

وأكد أن المسلم مأمور بالعمل والمداومة على العمل الصالح في كل وقته، وأن الاجتهاد في العبادات ليس محصورا في رمضان، أو في موسم من المواسم، ليخلص الى انها مشروع العمر، وأنها سببٌ لمحبة الله تعالى للعبد وسبب للنجاة من الكرب والشدائد في الدنيا والآخرة، موردا ما جاء عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- ، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا، فَقَالَ: (( يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ )).(رواه أحمد  والترمذي).

واردف شارحا أن العبد بمداومته على العمل الصالح في حال الرخاء تكون بينه وبين الله تعالى صلة ومعرفة ، تنفعه وتنجيه متى ما وقع في الشدائد و المحن، مستحضرا قصة سيدنا يونس عليه السلام الذي نجاه الله تعالى من الظلمات لمداومته على ذكر الله تعالى وتسبيحه : { فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ  لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [الصافات: 143، 144]

وابرز رئيس المركز الاورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم ، مجموعة من فوائد  المداومة على الطاعات ، منها الوقاية من الغفلة، مبينا أن النفس إن لم تَشغَلها بالطاعة شغلَتك بالمعصية، لقوله تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 205].

وأضاف أنها تقوي عزيمة المؤمن، ويستقيم  بها حاله، ويستمر على عمله الصالح حتى الممات  مستشهدا بقوله تعالى: { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ } [إبراهيم: 27]

ونبه الى عدم احتقار أي الاعمال الصالحة، مستحضرا ما رواه أَبِو هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) : أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِبِلاَلٍ عِنْدَ صَلاَةِ الفَجْرِ (( يَا بِلاَلُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ )). قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي: أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا، فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ.(رواه البخاري  ومسلم).

وبين فائدة صحبة الصالحين التي تتجلى في  المداومة على الاعمال ، وتابع شارحا أن  من  صاحبهم نشطت أعضاءه للطاعات، لأنهم أهل الفضل والصلاح مستدلا بقوله  تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28] ، موردا قول السعدي -رحمه الله- في تفسير هذه الآية : (يأمر تعالى نبيَّه محمدًا -صلى الله عليه وسلم-  – وغيرُه أُسوتُه في الأوامر والنواهي – أن يَصبِر نفسه مع المؤمنين العباد المنيبين ﴿ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ﴾ ؛ أي: أولَ النهار وآخِرَه يريدون بذلك وجهَ الله، فوصفَهم بالعبادة والإخلاص، و في صحبتهم من الفوائد ما لا يُحصى).(تفسير السعدي (ص: 475)).

وأضاف أن ثمرة صحبة الشيخ العارف بالله تتجلى في صلاح أحوال العباد الذين بصلاحهم تنصلح شؤون البلاد، وبها يتعلم المرء حب الله و حب رسوله الله، والإقبال على مولاه، بالخوف و المراقبة و المجاهدة في الطاعات و طلب الكمالات، وزاد أن التربية لصوفية تتمر مواطن صالحا له اعتزاز بوطنه وبتاريخه، همه المحافظة على ثوابت هويته الوطنية و الدينية و على ثروات ومكتسبات بلاده، مواطن إيجابي هدفه العمل بجد و إخلاص خدمة لوطنه و ملك البلاد .

يشار الى أن الليلة الرقمية السادسة والتسعين كسابقاتها من الليالي الرقمية ، عرفت مشاركة علماء ومثقفين بمداخلات علمية عالجت مواضيع مختلفة باللغتين الفرنسية والانجليزية الى جانب اللغة العربية ، وتقديم فقرات في التوعية الصحية والقانونية ووصلات من بديع السماع والإنشاد حيث عرفت مساهمة للفنان المغربي المتألق عبد الفتاح بنيس ، كما تم تقديم التعازي في وفاة عدد من الشخصيات التي التحقت بالرفيق الأعلى من بينها تعزية في وفاة الفقيد حسن المنصوري، شقيق السيد محمد ياسين المنصوري .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق