“تيويوزي”.. أو حينما تحقّق سواعد الرِّجال ما يبدو مستحيلا !

“تيويزي” هي عادة أمازيغية ضاربة في القدم تعني في مفهومها البسيط ذلك التعاون والتضامن الذي يلجأ إليه قدماء أجدادنا لإنجاز عمل غالبا ما يتطلب مجهودا مضنيا ممتدا في الزمان والمكان يستعصي القيام به على الشخص الواحد أو الأسرة الواحدة.

ومن حسن حظ الجيل الحالي أن يُحافظَ على هذه العادة الاجتماعية ذات الحمولة القيميّة النبيلة إلى اليوم حتى تصل إلى أيديهم ؛ طبعا وإنْ بدرجات وبتمظهرات متفاوتة وأقل مما كانت عليه في سابق العهود.

جريدة صوت المواطن رصدت إحدى تجليّات عادة “تيويزي” في أشغال إصلاح مسلك طرقي يُعدُّ من بين أخطر المسالك وأقدمها في المنطقة الجبلية الحدودية بين إقليمي اشتوكة آيت باها وتزنيت (تازكان تيمزكو)، ومع ذلك لم تنصفه برامج التنمية القروية المتعاقبة وكل مبادرات فك العزلة بالشكل المبتغى.

علمنا من أهالي البلدة أن هذا المقطع “الطرقي” الوعر على قِصر مسافته استنزف قواهم وقوى آبائهم على مر الزمان كي يستمر مفتوحا في وجه “البيكوبات” و”الكانتيرات” وسيارات الدفع الرباعي التي تؤَمن حاجيات أهالي البلدة من الأسواق المجاورة ؛ ولولا قيم التكافل والتضامن والصبر والأمل وطول النفَس المتجدِّرة في أهالي المداشر والقرى المستفيدة لانقطع المسلك وانفصل منذ بداية استعماله أوائل سبعينيات القرن الماضي.

بمرارة لم تخفيها تقاسيم وجهه،يحكي العم أحمد كيف أعيدت هندسة المسلك الطرقي هذا أكثر من مرة حتى انسحب المقاول المكلف بالأشغال يائسا غاضبا واستسلم متأسفا “هذا الأمر ..لن يستقيم” “ghayad oray3dl” .

لكن بعزيمة الأهالي التي لا تؤْمن بالمستحيل وبإيمانهم القوي بالقضيّة تحقّق الحلم ،لقد استطاعوا الظفر ب”حبل” النجاة الذي يربطهم ببصيصٍ من “الحضارة” ، كان ذلك سنة 1972 لمّا تمكنت أول عربة من نوع “نيسان” أن تعبر الطريق في اتجاه القرية عبر منحدر “تازكا” الخطير في حدث “تاريخي” يخاله البعض آنذاك من سابع المستحيلات ..” يختم المتحدث.

هذا الحدث الذي اعتبر معجزة ذاك الزمان في البلدة بالنظر لوعورة وشدة انحدار الجبل الذي شُقَّ منه المسلك، يعتز به قدماء المنطقة ممّن عايشوه ، ويستدلّون به في مجالسهم كلّما احتاجوا إلى دليل ملموس على أهمية “تيويزي” ودورها في تحقيق الأهداف والغايات المنشودة مهما عظُمت.

استطرد العمّ “عليّ” في الكلام في لحظة استراحة لاسترجاع الأنفاس والقوى المنهكة إثر مجهود زائد لإزاحة صخرة صمّاء وسط الطريق : “بعادة “تيويزي” يا أخي عشنا ونحن صغارا حفر الآبار والمطفيات وشق مسالك القرى ..بها بُنيت الدور السكنية والمساجد التي تراها اليوم وحُصدت المحاصيل الزراعية وجنيت ثمار الأشجار و امتدت جداول المياه و”الخطّارات” بلا درهم ولا دينارا؛ ساعدني اليوم كي أساعدك غدا كان هو المبدأ السائد المعمول به ..وبارك الله في قوة الأبدان والأكتاف…”

لازال الرجل يتذكّر تفاصيل الأحداث والطرائف والمحن التي جمعته في هذا المكان بأناس منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر .. كانت كل أشغالهم اليومية تقضى بالتعاون والتضامن ،بطواعية ورضى بلا خوف ولا طمع، على مدار السنة

علمنا منه أنه يحدث في كثير من الأحيان أن ينقطع المسلك الطرقي كليّا أو في نقط معينة على مستوى مجاري المياه كلما تهاطلت الأمطار نتيجة تراكم الأوحال وانجراف الأتربة والأحجار، لتدخل المنطقة في عزلة تامّة تمتد لأيام وأسابيع وحتى لشهور أحيانا؛ وبسواعد الأهالي وتفانيهم سرعان ما تفتح حركة المرور من جديد عقب أيام أو أسابيع عمل تضامني مضنيّ مثمر ، غايته نبيلة تبتغي أساسا تحقيق المصلحة العامة في سبيل الله عز وجلّ.

فما أكثر المشاريع التنموية التي لا زالت تتنتظر التحقق بهذه المنطقة النائية المنسيّة إلى عهد قريب؛ تتطلّب من شباب المنطقة أن يشمر على سواعده ويضاعف الجهود يدا في يد لترك بصماته الإيجابية هو الآخر في هذه الحياة الدنيا- التي لن تدوم له كما لم تدم لأسلافه؛ وما يشجِّع على العمل التضامني الإنساني اليوم أن الكثير من الأشياء تغيّرت ولم تعد الأبواب موصدة على شاكلتها في الأزمنة السابقة.

بواسطة
أحمد أولحاج - تبزنيت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق