التويزة.. العمل الجماعي الشعبي الأمازيغي

إذا كان لكل شعب عاداته وتقاليده ونظام عمل خاص به فإن للأمازيغ نوع من العمل الجماعي التضامني العرفي يميزهم عن غيرهم من الشعوب،تيويزي أو تاويزا أو التويزة الى غير دلك من التسميات.

فالعُرف هو مجموعة من المعايير و المفاهيم و المقاييس المتفق عليها والمقبولة بشكل عام،والتي يلتف حولها الجميع، وتأتي كثيرًا في صورة عادة، حوقد تتحول أنواع معينة من القواعد أو العادات إلى قانون، وربما يتم إدخال تشريع تنظيمي لصياغة أو إنفاذ العُرف (على سبيل المثال، القوانين التي تحدد جانب الطريق الذي ينبغي أن تسير فيه المركبات). وفي البيئة الإجتماعية، ربما يحتفظ العُرف بطابع “القانون غير المكتوب” من العادات (مثلاً، الطريقة التي يرحب بها الناس ببعضهم البعض، كالمصافحة بالأيدي، العُرف هو الإختيار من بين بديلين أو أكثر، حيث تكون القاعدة أو البديل محل إتفاق بين المشاركين.

و العرف غالبًا ما يشير إلى عادات غير مكتوبة مشتركة بين أفراد المجتمع، على سبيل المثال، من العُرف في العديد من المجتمعات أن يتصافح الغرباء الذين يتم تعريفهم ببعض، وهناك بعض الأعراف المشرعة صراحةً، و من العُرف في الولايات المتحدة وفي ألمانيا أن يلتزم السائقون بالسير في الجانب الأيمن من الطريق، بينما يسيرون في إنجلترا وأستراليا وموريشيوس وباربادوس في الجانب الأيسر، ويعد تحديد الوقت النمطي عُرفًا بشريًا يستند إلى الدورة الشمسية أو التقويم. وإلى أي مدى تعتبر العدالة عرفًا (على عكس الطبيعي أو الموضوعي)، فهذا مثار جدل مهم تاريخيًا بين الفلاسفة.

وقد أثارت طبيعة الأعراف مناقشات فلسفية مستمرة. وحول هذا الموضوع نشر” كواين وديفيدسون وديفيد لويس” مؤلفات مؤثرة، هذا وتعرض تفسير لويس للعُرف لانتقادات واسعة في كتاب عن الحقائق الإجتماعية ” لمارجريت جيلبرت” (On Social Facts) (1989)، حيث قدمت تفسيرًا بديلاً. وقدمت روث ميليكان وجهة نظر أخرى عن العُرف في كتاب اللغة: النموذج البيولوجي (Language: A Biological Model) (2005)، وهو تفسير آخر معاكس لتفسير لويس.

وصف بوذا الأعراف – سواء اللغوية أو الاجتماعية أو السياسية أو الأخلاقية أو الأدبية أو حتى الدينية – على أنها تنشأ معتمدة في ظروف محددة. ووفقًا لمثاله، فعندما يتم التعامل مع الأعراف على أنها حقائق خالصة، فإنها تشارك في الوثوقية التي تؤدي بدورها إلى الخلاف، وهذا لا يعني بالضرورة تجاهل الأعراف تمامًا على أنها غير حقيقية، وبالتالي غير نافعة. وبدلاً من ذلك، ووفقًا للفكر البوذي، فإن الإنسان الحكيم يتبنى طريقة وسطًا دون التمسك بالأعراف على أنها مطلقة أو تجاهلها عندما تكون مثمرة.

تويزي أو التويزة فعل تضامني حضاري من الموروث الشعبي الأصيل الأمازيغي بإمتياز، هي عادة من عادات الزمن الجميل.. ما زالت سائدة في عدة مناطق من المغرب العميق و خاصة لدى القبائل الأمازيغية و تسمى عادة التويزة كفعل تضامني حضاري أصيل و متأصل بدرجات متفاوتة ما بين المناطق والتويزة..مصطلح أمازيغي . وتعني كل صور التعاون والتكافل والتضامن..الذي يهدف إلى إنجاز عمل إجتماعي معين، لصالح فرد أو جماعة، ينخرط فيه الشخص الذي يرغب في المساعدة المادية أو المعنوية أوالعضلية .. بكل تلقائية ودون مقابل ..وهو مجال مفتوح لكل الفئات..نساء و رجالا ..صغارا و كبارا ويحمل العمل التعاوني بنظام «التويزة» دلالات إجتماعية عميقة، ويحقق أهدافا كثيرة، وتساعد هذه اللقاءات والإجتماعات العائلية على رأب الصدع، وحل المشاكل، وتقوي اواصر والروابط العائلية من خلال إتاحتها الفرصة للشباب للتعارف والزواج.

بالإضافة إلى تحقيق نوع من الإكتفاء الذاتي للقرويين، من خلال إستغلال سواعدهم وطاقاتهم في العمل بجد وتطوير مزروعاتهم، والرفع من إنتاجية حقولهم بفضل تبادل الخبرات والآلات الفلاحية بين المزارعين، وتشمل عادة التويزة المشتقة من مطلح” وز” الأمازيغي و الذي يعني العون مقرونا إلى التاء حرف التعريف في نفس اللهجة في مناسبات معينة، كوقت الأفراح أو الأتراح ومن بين هذه الأعمال، جني الزيتون، عملية الحصاد، الحرث، بناء بيت، بناء مسجد، أعمال النسيج “الزربية “، غسل الصوف ، تحضير وجبات الكسكس التقليدي المفتول باليد ” العولة “،تحضير حلويات الأعراس و المواسم … الخ، و يدعو صاحب الحاجة الأهل والأقارب والجيران والأحباب لمعاونته في عملية تضامنية، يحدد موعدها من قبل ويتم الإتفاق على كيفية أداء هذا العمل وعملية تبادل الأدوار فيه والوسائل اللازمة.

في موسم الحصاد، تكون التويزة حاضرة بكل معانيها، حيث نجد الحقل يعج بالرجال والنساء والأطفال من مختلف الأعمار، تم استدعاءهم وتجنيدهم من أجل المشاركة في هذه الحركة التضامنية التطوعية، الكل جاء لتقديم يد العون، كل حسب قدرته وخبرته.. وحسب ما يتمتع به من قوة فمنهم من يستعمل المنجل لحصد السنابل و منهم من يجمع ويربط الحزم،ومنهم من ينقلها إلى الأماكن المخصصة لها ،كل هذا يتم في جو من من الفرح تؤثت فضائه ترنيمات واغاني مناسبة تحث على العمل وتدعو للتضامن وتدكر الله وتشكره على نعمه .

النساء هن الأخريات تجمعهن مثل هذه العادة الحميدة،”التويزة”في عدة أعمال منها غسل الصوف حيث يتفقن على يوم محدد، وفي الصباح الباكر يجتمعن، بعد ان يتم تحضير جميع الوسائل في مكان يتوفر فيه الماء بكثرة،تم يشرعنا في غسل الصوف الواحدة تلو الأخرى،يغسل أولا بالماء لي ضعف إليه الصابون في الأجير، مع الغناء التراثي الأصيل ،يتخللها تناولنا وجبات أعدت خصيصا لهن، ويستمر العمل في الغد حيث يتم تقطير ونشر ما تم غسله بالأمس إلى أن تتم عمليات غسل الصوف دون كلل أو ملل.

أصل” التويزة “كعمل جماعي تضامني هو التعاون والتكافل بين سكان الريف لجني المحصول الزراعي،من حبوب و ثمار الزيتون، حيث يعمل الجميع في أرض أحدهم،وكلما أنجزوا عملهم انتقلوا جميعا إلى حقل آخر حتى تنتهي الأشغال كلها، ويعود ظهور هذا النشاط الشعبي إلى العصور القديمة بسبب الحاجة،اد لا يعتمد الناس على مجهودهم العضلي،حيث يتم اقتسام الأعباء بينهم من جهة واختصار زمن العمل من جهة أخرى ،ومازال العمل في التويزة مجانيا وبلا مقابل،تسبقه نية لوجه الله الكريم ،كما يقول المثل الشعبي “الناس بالناس ..أو الناس بربي” وعلى هامش هذا الجهد الرجالي هناك يوجد جهد نسائي في جناح الحريم حيث تشترك النساء في تحضير وليمة شهية،عادة تكون عبارة عن كسكس بلحم العجل او الخروف او الدجاج البلدي يقدم للرجال بعد الإنتهاء من العمل

ومع مرور الوقت تحولت” التويزة” إلى مظهر إجتماعي راسخ بين الناس، وامتدت إلى مجالات أخرى لا تقل أهمية عن الفلاحة،كل بناء المنازل والمساجد،تنظيف السواقي والطرقات، حفلات الأعراس والختان،حياكة الزرابي،مساعدة الفقراء وكفالة الأيتام ،أثناء وقوع مصاب كالمآثم و الكوارث الطبيعية، وفي المواسم والأعياد والمناسبات الدينية.

ومن أهم مظاهر التويزة في الأعياد هي” الوزيعة”وتسمى في بعض المناطق” السهمة”وتعني المساهمة في في شراء الذبائح بحسب استطاعة كل واحد وعند توزيع اللحم يكون بالتساوي بين الجميع وبذلك تطيب نفس الفقراء والأغنياء على حد سواء وللتويزة فوائد لا تحصى ،فهي مبدأ من مباديء ديننا الحنيف وهي بذلك باب لتحصيل الأجر والتواب، و توحد الشعور بين أفراد المجتمع، تقوي الصلة بين أفراده ،وتقضي على مظاهر الفقر والعوز والحاجة عند الفقراء، تساعد على تخطي المحن وتربي الفرد على خدمة الجماعة وتدفع الجماعة لتحمل مسؤوليتها اتجاه الفرد.

وأبرز تجلي ل”لتويزة”بالمناطق العميقة بالمملكة، رغم أن ساكنة الحواضر والمدن لم تعد تعير لهذا الموروث الشعبي عناية، هنا يمكن استحضار واقعة محاصرة الثلوج لدواوير بكاملها بمرتفعات الأطلس شتاء السنتين الأخيرتين حيث تدخل المتطوعون عن طريق عمل التويزة لإزاحة الثلوج وفك الحصار عن السكان ونقل المرضى واسعاف المصابين .

لذا فإن أي مجتمع إنساني لا يخلو من مثل هذه القواعد والضوابط التي تعارف عليها أفراده في علاقاتهم وعاداتهم ،وما شابهها من معاملات وأعراف وقوانين لضبط سلوكاتهم الإجتماعية وتنظيم حياتهم ومستوى عيشهم ،من هنا نكتشف أن نشاة العرف رهين بنشأة المجتمع الذي يسعى إلى المحافظة على استقرار واستمرارية الحياة المجتمعية انطلاقا من تصورات عدة، منها ما يرتبط بالشرع ومايرتبط بشروط الإجتماع (العقل)ومنها ما يرتبط بهما معا.

بواسطة
الحسن اعبا - تازناخت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق